
ليسوا أرقاماً.. قامات من ضوء وحبر ودم ، بقلم : محمد علوش
حين تغيب الشمس عن سماء غزة، لا تسقط الأضواء التي يحملها الشجعان في عيونهم وأقلامهم وكاميراتهم، وفي وداع أنس الشريف ورفاقه، نودّع أكثر من بشر، نودّع قلوباً تنبض بالحقيقة، وأرواحاً رفضت الخضوع لصمت الاحتلال ووصمة الخوف.
أنس الشريف، محمد قريقع، إبراهيم ظاهر، محمد نوفل.. ليست أسماء عابرة تذكر في خبر عابر، بل هي قامات شامخة رسمت على جدار الزمن بدمائهم، وكتبت بالحبر على صفحات الألم والكرامة.
كانوا ولا يزالون صوت غزة النابض، وعينها التي لم تغلق، وعدستها التي لم تكف عن التوثيق، وكلماتها التي لم تسكت.
لم يسقطوا برصاص عشوائي، بل استُهدفوا وهم يفضحون الجريمة، وهم يكشفون عن وجه الاحتلال الحقيقي، الوجه الذي لا يريده العالم أن يرى، ولقد استُهدفوا لأن الكلمة إذا اجتمعت بالصورة تصبح سلاحاً يفتك بالمستحيل، وحقيقة ترفض الذوبان في ظلام الكذب والتضليل.
عادت الكاميرات مثقلة بالقصص، محمّلة بأصوات من لا صوت لهم، يحملون على أكتافهم ذاكرة شعب لا ينسى، وها هم يتركون هذه الكاميرات وحيدة، تتلفت بين الدخان والركام باحثة عن وجوههم التي صنعت منها وطنها.
أنس، ومحمد، وإبراهيم، ومحمد.. وجوه ليست مجرد أسماء، بل ضحكات ودموع، شجاعة وصمود، وأمل يزهر في قلب الحصار رغم رماد القصف، رحلوا عن الجسد، لكنهم ظلوا حاضرين في كل صورة، وفي كل كلمة، وفي كل نبضة قلب فلسطيني، يصرخ بالحياة رغم الموت.
أيها الزمن الحزين، لا تسرق منهم أكثر، فدمهم زرع وعداً بأن الكلمة لن تموت، وبأن الحقيقة ستظل شعلة لا تنطفئ، حتى تتحرر غزة، وتعود فلسطين كاملة حرة ككرامة شهدائها.
سلامٌ عليكم في سماء الأحرار، سلامٌ على دموعكم التي حررت، وعلى صرخاتكم التي وثقت، سلامٌ لأنس الشريف، ومحمد قريقع، وإبراهيم ظاهر، ومحمد نوفل.. شهداء الحقيقة، وأيقونات الصمود، وأبطال الكلمة الحرة.