9:35 صباحًا / 8 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

”حنين لا ينطفئ“ قراءة في نص نادية الإبراهيمي (ندى الخواطر) ، بقلم : رانية مرجية

”حنين لا ينطفئ“ قراءة في نص نادية الإبراهيمي (ندى الخواطر) ، بقلم : رانية مرجية

“حنين لا ينطفئ”… قراءة في نص نادية الإبراهيمي (ندى الخواطر) بقلم : رانية مرجية

بين الذاكرة والغياب… يُولد النص

ما بين نداءات القلب وهمسات الذكرى، تكتب نادية الإبراهيمي قصيدتها النثرية “حنين لا ينطفئ”، لا كرسالة للحبيب الغائب فحسب، بل كوثيقة شعورية مشحونة بكلّ ما في الحب من وجع، وكلّ ما في الذاكرة من رماد متقد.

تبدأ الكاتبة بسطر فيه انقلاب للمألوف:

“هجرني سكون ليلي…”
فبدل أن تهجرها الضوضاء، يهجرها السكون، وكأنها تقيم في عاصفة دائمة من الذكرى، لا تهدأ. هذا الانقلاب في الصورة الأولى يفتح باباً للتيه الذي تكرره لاحقاً:
“كأنك فتحت في داخلي باباً للتيه لا يُغلق…”

إنه التيه العاطفي، الذي لا تشفيه الأيام، ولا تطفئه المسافات، بل يزيده الغياب اتقادًا.

اجتياح من نوع آخر

حين تقول:

“حبك من يوم الاجتياح…”
فإنها لا تشير فقط إلى حدثٍ شخصي، بل تستدعي صورة “الاجتياح” بما تحمله من وقع سياسي/وجداني عميق في الوعي العربي.
تُسقط الكاتبة هذه الكلمة الثقيلة على تجربة عاطفية، فترتفع بالمشاعر من حيّز الفرد إلى حيّز الجمع، من الحكاية إلى القضية، وكأن الحبيب لم يكن فقط رجلاً، بل حدثًا وجوديًا زلزل الكيان وخلخل الثوابت.

الاجتياح هنا ليس دخولًا، بل تدميرًا خفيًّا لكلّ ما بُني من طمأنينة، وجرفًا لكل ما تشبثت به الذات من أوهام النسيان.

الحنين: كائن يقظ، لا يموت

ليس الحنين عند نادية حالة عابرة، بل هو كائن حي، لا ينام إلا بعين واحدة، يقف خلف الأبواب، يختبئ في الكتب، ويتشبث بالأغاني والعطور والوشاح المهمل. تقول:

“لكن الحنين لا ينطفئ… بل ينام بعين واحدة، ويصحو إذا عبرت في البال!”
وكم هو مدهش هذا التصوير! فالحب، كما تصفه، لا يُدفن، بل يتوارى. لا يُنسى، بل يتقن لعبة التخفّي.

الحنين هنا أشبه بظلّ، أو بندبة، أو حتى دعاء مؤجل… إنه ليس مجرد ذكرى، بل نَفَسٌ مقيم في تفاصيل الحياة اليومية، في كلّ “ربما”، وكلّ “لو”، وكلّ “ماذا لو عدت؟”.

المدينة كقلب، والقلب كمدينة

في واحدة من أجمل استعارات النص، تقول الكاتبة:

“أعدت النبض إلى قلب كان مدينة من خرائب… أحبّها العابرون، لكن لم يسكنها أحد.”
هنا تتجلّى عبقرية التصوير: القلب كمدينة مهجورة، مرّ بها العابرون، لكن لم يجرؤ أحد على السكن فيها.
وهذه استعارة تفتح باب التأويل على اتساعه: هل هو القلب المجروح؟ أم هو الوطن؟ أم المرأة التي أُحبّت كثيرًا لكنها لم تُحتضن يومًا كما تستحق؟

تفاصيل صغيرة… ولكنها بقايا حياة

في كثير من المواضع، تعتمد نادية على التفاصيل الصغيرة التي تُشكّل بُنية الحنين:
العطر، الأغنية، الوشاح، الكتب، زنابق البنفسج…
كلّها رموز حسيّة ملموسة تُعيد إلى القارئ طعم الذكرى، وتمنح النصّ عمقًا بصريًا ولمسيًا لا تقدر عليه المشاعر وحدها.
فالعطر ليس مجرد أثر جسدي، بل هو ذاكرة معلّقة في الهواء…
والبنفسج ليس زهرة فحسب، بل لون الحنين، ولون الغياب حين “يتنكّر للعتمة”.

النهاية… لا نهاية

لا تنتهي القصيدة كما تبدأ، بل تترك لنا أبوابًا مشرعة على الاحتمالات:

“فعد… اقترب… أرخِ قبضة غيابك…”
نداءٌ يحمل في طياته الضعف والقوة معًا، الرجاء والكبرياء، الشوق والعزة.
تخاطب الغائب لا كضحية، بل كامرأة تعرف ماذا كانت، وماذا أعطت، وتعرف أن قصيدتها لا تكتمل إلا إذا عاد هو كما كان يوم “الاجتياح الأول”…
بداية القصيدة… لا نهايتها.

في الختام:

“حنين لا ينطفئ” ليست مجرد قصيدة حب، بل طقسٌ شعريّ تنفلت فيه اللغة من أسرها المعتاد لتصير نهرًا من الصور والتشابيه والمجازات.
هي قصيدة امرأة تحرس ذاكرتها بالنظر، وتروي حكاية الغياب كما لو كانت حكاية الخلق الأولى:
في البدء كان الحنين…
وفي النهاية، لا نهاية.

رانية مرجية
– كاتبة وصحافية فلسطينية –
آب 2025

النص : حنين لا ينطفئ

هجرني سكون ليلي…
حين تعثرت أحلامي بطيفك..
حين عادت الذكرى تسير على رؤوس أصابعي..
تباغتني كلما أقنعت قلبي أنه نجا… ولم ينجُ!
صاخب… ثائر..
حبك من يوم الاجتياح..
كأنك فتحت في داخلي بابا للتيه لا يغلق..
كأنك زرعت في صدري نداء لا يخفت..
صوتك يسكن صمت الأشياء… ونبضك يضبط إيقاع غربتي.

أن تكتبني حرفا خالدا في أشعارك… لا يكفي!
أن تملأني بضجيج جنونك… وتدقّني كأجراس الكنائس لهفة…
ذاك حسبك.!
لكنني بقيت هناك…
في الزاوية الدافئة من ذاكرتك… أشتعل شوقا!
كقنديل لم يجد من يطفئه… أو يشعله من جديد!
ألهبت الفؤاد حين نفخت في رماد النسيان..
أيقظت جمرة كانت تظنها الأيام قد خمدت…
لكن الحنين لا ينطفئ..
بل ينام بعين واحدة، ويصحو إذا عبرت في البال!

أعدت النبض إلى قلب كان مدينة من خرائب..
أحبّها العابرون، لكن لم يسكنها أحد…
كانت تتكئ على الحنين..
تثرثر.. تبكي.. تبوح…
وتحرس كنوزها القديمة بنظرات الانتظار…
غسلتَ قلبي بماء الشغف..
وزرعتَ أرضي زنابق بنفسجية..
أنت تعلم كم أحبّ زهر البنفسج…؟!
إنّه لون الحنين..
لون الغياب إذا تنكّر للعتمة واختار أن يكون جميلا رغم كل شيء…

وفجأة…
كأن الحلم كان مؤقتا منذ البداية…
تجمّعت في سمائنا غيمات…
أبرقت.. أرعدت.. وانسحبت دون أن تذرف دمعة…
لكن الحنين…
ذلك الحنين الذي أشعلتَه..
ما زال هنا…
في نظرة خبأتها بين الكتب..
في عطر ما زال يتشبث بوشاحي..
في أغنية خجلى سمعتها صدفة..
في كلّ “ربما”… وكلّ “لو”… وكلّ “ماذا لو عدت؟”

فعدْ…
اقتربْ…
أرخِ قبضة غيابك..
وعد كيوم الاجتياح الأول..
حين كنت بداية القصيدة… لا نهايتها..

نادية الإبراهيمي (ندى الخواطر)

شاهد أيضاً

بيان صادر عن اللجنة التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني

شفا – عقدت اللجنة التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، اجتماعها الأول في مقر اللجنة التنفيذية …