1:23 صباحًا / 4 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

المجالس القروية في ميزان الإنصاف ، بين غياب الموارد وتطلعات التنمية ، بقلم: د. عمر السلخي

“المجالس القروية في ميزان الإنصاف: بين غياب الموارد وتطلعات التنمية” ، بقلم: د. عمر السلخي

في المشهد المحلي الفلسطيني، تتصدر البلديات الواجهة كمؤسسات ذات صلاحيات وموارد واضحة، في حين تقف المجالس القروية في الظل، تعاني من التهميش الإداري والمالي رغم حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقها، في وقت تسعى فيه الدولة لتعزيز الحكم المحلي وتحقيق التنمية المتوازنة، يظل التفاوت بين البلديات والمجالس القروية أحد أبرز مظاهر الخلل في النظام الإداري الفلسطيني.

المجالس القروية بلا مقابل… تكليف دون تمكين

أعضاء المجالس القروية، على غرار أعضاء البلديات، يُكلفون بإدارة شؤون المواطنين، والتخطيط، والرقابة، والتواصل مع المؤسسات، لكنهم لا يتقاضون بدل جلسات أو حوافز تذكر ، رئيس المجلس القروي، الذي يمثل الواجهة التنفيذية والإدارية للمجلس، لا يتلقى راتبًا كما هو حال رئيس البلدية، بل يعمل في معظم الأحيان متطوعًا أو مضطرًا بحكم المسؤولية الاجتماعية، وليس بحكم تمكين مؤسسي.

هذا الواقع لا يعكس فقط غياب العدالة بين مستويات الحكم المحلي، بل يُفرغ العمل في المجالس القروية من معناه المهني والمؤسساتي، ويجعل من الخدمة العامة عبئًا يثقل كاهل أفراد غير ممكّنين إداريًا أو ماليًا.

غياب الكوادر الفنية… التنمية في حالة شلل

معظم المجالس القروية تفتقر لوجود مهندس أو مساح ضمن طاقمها الوظيفي، ما يضعف قدرتها على:

إعداد مخططات تنظيمية محدثة.

متابعة رخص البناء وتوجيه النمو العمراني.

تنفيذ مشاريع بنية تحتية أو إعداد تصاميم هندسية.

تقييم الأراضي أو تنظيم عمليات الإفراز.

في المقابل، توفر البلديات طواقم متكاملة من المهندسين والمخططين والمساحين، مما يمنحها قدرة أعلى على التخطيط العمراني والتنمية المحلية.

التداعيات على الأداء والتنظيم والبناء

ضعف التخطيط العمراني: غياب المهندسين يمنع المجالس من إنتاج مخططات تنظيمية عصرية، ويؤدي إلى انتشار الأبنية العشوائية والتوسع غير المدروس.

صعوبة متابعة البناء: بدون كوادر فنية، تُترك قرارات الترخيص والتفتيش للبُعد الشخصي أو الاجتماعي، مما يفتح المجال أمام التجاوزات.

تعثر التنمية: المشروعات التي تتطلب تصاميم هندسية أو دراسات فنية يتم تجاهلها أو تأخيرها، مما يضعف فرص التمويل والتنفيذ من الجهات المانحة.

ضعف الجاذبية الاستثمارية: المجتمعات التي لا تملك بنى تنظيمية واضحة وبيئة خدمات مناسبة، تُعتبر طاردة للاستثمار، ما يفاقم البطالة والهجرة الداخلية.

ضعف المتابعة القانونية والتنفيذية: في ظل غياب موظفين فنيين، تصبح المجالس عاجزة عن تطبيق القانون أو متابعة التعديات التنظيمية، مما يهدد النسيج المجتمعي ويعزز الفوضى.

بين التهميش والإرادة

ورغم كل التحديات، لا تزال بعض المجالس القروية تقدم نماذج مشرقة من العمل الجماعي والمبادرة الذاتية، لكن هذه الجهود تظل محكومة بالإرادة الفردية، لا بالبنية المؤسسية. إنّ استمرار هذا الوضع يهدد بانفصال الريف عن ركب التنمية، ويكرّس الفجوة بين المدينة والقرية.
نحو إصلاح هيكلي وإداري عادل

لضمان عدالة تنموية ومؤسسية، لا بد من:

تعديل القوانين الناظمة للحكم المحلي، بما يضمن مساواة بين البلديات والمجالس القروية في الحقوق والموارد.

إقرار مكافآت رمزية أو رواتب مقبولة لرؤساء وأعضاء المجالس القروية، تعزز من التزامهم المهني.

تعيين كوادر فنية أساسية (مهندس، مساح، فني مشاريع) بشكل مشترك بين عدة مجالس قروية قريبة، ضمن صيغ تعاونية أو مجالس خدمات مشتركة.

توفير دعم فني مستمر من وزارة الحكم المحلي، يشمل التدريب والتأهيل والمرافقة الفنية.

تشجيع برامج التطوع الهندسي من الجامعات والنقابات لسد الفجوة مؤقتًا إلى حين التمكين الكامل.

إذا كانت البلديات تمثل مراكز المدن، فإن المجالس القروية تمثل عمقنا الشعبي والاجتماعي، وتركها على الهامش يهدد تماسك النسيج الوطني الفلسطيني. إنّ الإنصاف الإداري يشكل ضرورة لضمان تنمية متوازنة ومجتمع قادر على الصمود في وجه الاحتلال وتحديات العصر.

شاهد أيضاً

الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان يصف الحرب في غزة بـ"الإبادة الجماعية"

الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان يصف الحرب في غزة بـ”الإبادة الجماعية”

شفا – قال الكاتب الإسرائيلي المشهور ديفيد غروسمان، إن ما يحدث في غزة إنما هو …