1:25 صباحًا / 4 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

بين فكيّ القبيلة ، حين تُولد الذات من رماد الانتماء ، قراءة وجدانية فلسفية في قصيدة “بين فكيّ القبيلة” من مجموعة “صبا الروح” لسَلمى جبران ، بقلم : رانية مرجية

بين فكيّ القبيلة ، حين تُولد الذات من رماد الانتماء ، قراءة وجدانية فلسفية في قصيدة “بين فكيّ القبيلة” من مجموعة “صبا الروح” لسَلمى جبران ، بقلم : رانية مرجية

بين فكيّ القبيلة ، حين تُولد الذات من رماد الانتماء ، قراءة وجدانية فلسفية في قصيدة “بين فكيّ القبيلة” من مجموعة “صبا الروح” لسَلمى جبران ، بقلم : رانية مرجية

في قصيدتها العميقة “بين فكيّ القبيلة”، من مجموعتها الشعرية “صبا الروح” (2023 – الدار الأهلية)، لا تسير الشاعرة سَلمى جبران على خطى القصائد التقليدية التي تهادن القارئ وتلاطف الذائقة. بل تذهب مباشرة إلى الجرح، إلى منطقة شائكة في الوعي العربي والإنساني: علاقة الفرد بالجماعة، والحرية بالإرث، والهوية بالانتماء.

منذ السطر الأول، نسمع صوتًا لا يعتذر عن تمرده، لكنه يتوجس من الثمن:

“هلّا يعاتِبني الزمانُ
على انتزاعِ قضيَّتي
من بينِ فَكّيِّ القبيله؟”

القصيدة ليست صراعًا ضد القبيلة بوصفها تكوينًا اجتماعيًا، بل تفكيك لسلطة القيد حين تتخفّى في لغة القرابة والانتماء.


القبيلة هنا تصبح استعارة لكل ما يبتلع الفرد ويقمع حريته تحت شعار الانضواء، الطاعة، أو حتى “الرحم”.

عن القيود التي تُزيَّن باسم المحبة

تواصل جبران بناء عالمها الداخلي بصدق يلامس القارئ:

“وعلى نجاتي من قيودٍ
أقحَمَتْ روحي بهاوِيةٍ ذليله”

هنا، لا تُقدَّم النجاة كخلاص بطولي، بل كفعل صعب، كصعود من هاوية، كاستعادة للكرامة بعد الإذلال الروحي.
والهاوية ليست مكانًا، بل حالة وجودية من التبعية والإنكار للذات.

جبران لا تعلن انتصارًا، بل نجاةً مشروطة بالوعي.

القسم الذي لم أختَرْهُ

من أكثر لحظات القصيدة صدقًا ووجعًا:

“ومن قَسَمٍ تقادَمَ عهْدُهُ،
ما اخترتُهُ، فتراجَعَتْ
كلُّ المطامِحِ فيَّ”

هنا تتبدى بوضوح المعضلة الفلسفية للهوية الموروثة:
هل يجب علينا الوفاء لعقودٍ لم نبرمها؟
هل نحمل على أكتافنا قسمًا لم نقسمه، فقط لأننا وُلدنا داخل تقاليده؟

بهذا التساؤل العميق، تصفع الشاعرة خطاب الوراثة القسرية، وتستعيد صوتها ككائن يملك حق الرفض، والحق في إعادة كتابة مصيره.

حماية الدراية: مقاومة داخلية ضد العتمة

“فأنا حميْتُ درايتي من عتْمِ لا وعيي…”

العبارة هنا تتجاوز الشعر إلى الفلسفة:


“الدراية” ليست معرفة عقلية فقط، بل الوعي الحيّ المتجدد القادر على رفض الانسياق.
و”عتم لا وعيي” هو كل ما يُزرَع فينا دون تفكّر — الموروث، التلقين، التطبيع مع القيود.

القصيدة بهذا المعنى، ليست فقط عن رفض الخارج، بل عن تطهير الداخل، عن تفكيك شبكة من اللاوعي الذي يكبّل الإرادة.

المفارقة المؤلمة: أن تقطع صلة الرحم كي تبقى صادقًا مع ذاتك

“واخترْتُ أن أبقى بعيدًا
عن صلاتِ الرحْمِ
يعبَقُ في حياتي مطمَحُ الحرّيّه!!”

هذه اللحظة في النص تصل حدّ التضحية الكبرى.
فالشاعرة تختار الانفصال لا لأنها قاسية، بل لأن القرب لم يعد يحتمل،
لأن القرب أحيانًا يُذيب الذات ويبتلعها باسم الحنان.

أن تبتعد عن صلة الرحم — وهي أقدس ما يُحتفى به في الثقافة العربية — هو موقف لا يتخذه إلا من اكتشف أن البقاء ضمنها خطر على وعيه.

ومع ذلك، تختار جبران ألا تمتلئ بالسخط، بل ب”مطمح الحريّة” — حلم ناعم، لكنه راسخ، يعبق كالعطر في حياة من اختار أن يكون نفسه.

خلاصة: من يملك الشجاعة ليقول “أنا”؟

في “بين فكيّ القبيلة”، تكتب سَلمى جبران لا لتشتكي، بل لتعلن تحولًا جذريًا في علاقتها مع التاريخ والعائلة والمجتمع.
إنها تقول لنا، بصوت شعري خافت وعميق:

“اخترتُ ذاتي، ولو على حساب قربي منكم.”
“نجوتُ من المحبة التي تُشترط بالطاعة.”


“أحبّكم… لكنني لن أعود.”

وهنا تكمن قوة النص:
أنه لا يحمل عداءً، بل شجاعة.
لا يحمل تمردًا أجوف، بل وعيًا ناضجًا بثمن الانتماء وشروط الحرية.

شاهد أيضاً

الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان يصف الحرب في غزة بـ"الإبادة الجماعية"

الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان يصف الحرب في غزة بـ”الإبادة الجماعية”

شفا – قال الكاتب الإسرائيلي المشهور ديفيد غروسمان، إن ما يحدث في غزة إنما هو …