
بوابات الموت البطيء ، سياسة العقاب الجماعي في محافظة سلفيت ، بقلم: د. عمر السلخي
في قلب الضفة الغربية، وتحديدًا في محافظة سلفيت، يتجلى وجه آخر من أوجه الاحتلال الإسرائيلي:اكثر من ٢٧ بوابة حديدية تتحكم بحياة الناس، وتفصل القرى عن بعضها البعض، وتحول أبسط تفاصيل الحياة اليومية إلى عبء ثقيل. بوابة ديربلوط، بوابة ياسوف، بوابة بروقين، بوابة كفر الديك، وبوابة كفل حارس… أسماء لم تعد تُذكر إلا مقرونة بالإغلاق، والتأخير، والإذلال، وحرمان السكان من أبسط حقوقهم.
سياسة ممنهجة
إغلاق هذه البوابات ليس طارئًا ولا عبثيًا، بل هو جزء من سياسة ممنهجة هدفها فرض العقاب الجماعي على آلاف الفلسطينيين. فعندما تُغلق بوابة ديربلوط مثلاً، فإن سكان البلدة والبلدات المجاورة يُجبرون على سلوك طرق التفافية طويلة، مما يضاعف الوقت اللازم للوصول إلى أعمالهم أو جامعاتهم أو مراكزهم الصحية.
تكاليف يومية تثقل كاهل المواطن
ليست المدة الزمنية وحدها ما يتضاعف، بل التكاليف أيضًا. التنقل بين القرى في محافظة سلفيت – وهي محافظة صغيرة جغرافيًا – أصبح يتطلب أجرة مضاعفة، واستنزافًا لوقود المركبات، وارتفاعًا في تكاليف النقل العام. طالب الجامعة من كفر الديك الذي كان يحتاج نصف ساعة للوصول إلى جامعة النجاح مثلًا، بات اليوم بحاجة إلى ساعة ونصف أحيانًا، وبأجرة تصل إلى ثلاثة أضعاف.
تقسيم جغرافي ونفسي
تُحوّل هذه البوابات المحافظة إلى “جزر” معزولة، وتمنع الترابط الاجتماعي والاقتصادي بين بلداتها. لا يستطيع الطبيب من بروقين الوصول إلى عيادته في ديربلوط، ولا تستطيع العائلة من كفل حارس زيارة أقاربها في سلفيت التي تبعد دقائق معدودة . هذا ليس مجرد تقسيم جغرافي، بل تفكيك نسيج اجتماعي متماسك عبر أجيال.
الاحتلال يعاقب السكان… لأنهم موجودون
المفارقة القاسية أن هذه البوابات تُغلق دون أسباب أمنية حقيقية، أحيانًا تُغلق ردًا على حدث في مدينة بعيدة، وأحيانًا دون سبب معلن ، وكأن وجود الفلسطينيين في أرضهم هو الجريمة الوحيدة التي يُعاقبون عليها.
صمود أمام الجدران
ورغم كل ذلك، يبقى المواطن الفلسطيني في محافظة سلفيت صامدًا، يستيقظ باكرًا ليتجاوز البوابة المغلقة، يركب ثلاث مواصلات بدلًا من واحدة، ويُكمل طريقه رغم العراقيل ، لكن ذلك لا يُلغي مسؤولية المجتمع الدولي، والمؤسسات الحقوقية، ووسائل الإعلام، في فضح هذه السياسة اللاإنسانية، والضغط من أجل إنهاء هذه الإجراءات العقابية.
هذه ليست مجرد “بوابات أمنية”، بل أدوات استعمارية هدفها تقطيع أوصال الأرض والناس، إنها تمثل وجهًا من وجوه الاحتلال ، الذي يقتل الحياة اليومية للفلسطينيين دون طلقة واحدة.
محافظة سلفيت تحتاج فتح بواباتها… لتتنفس حريتها.