11:18 مساءً / 25 يوليو، 2025
آخر الاخبار

قراءة في قصيدة “غيمُ السلام ، أبجديةُ السماء” بقلم: رانية مرجية

قراءة في قصيدة “غيمُ السلام ، أبجديةُ السماء” بقلم: رانية مرجية

حين يكتب الدكتور عبد الرحيم جاموس، تصبح القصيدة ليست فقط مرآة لوجداننا الجمعي، بل أيضًا مرآة لعقولنا التي أثقلها القهر وأسكنتها الحروف، كما تسكن الروح جسدها في لحظة تجلٍ.

“غيمُ السلامِ ليس سحابةً عابرة…”، بهذه الجملة يفتتح الشاعر نصه، معلنًا منذ البدء أن السلام ليس حالة من الطمأنينة العابرة، بل هو كينونة شعرية، وحقيقة وجودية تتجلى كما تتجلى الأبجدية حين تهطل بالمعنى. السلام عند جاموس ليس نداءً سياسيًا، بل حُلُمٌ لغويٌّ يسكن الحروف ويغتسل بدمعة الأرض حين تئنّ.

في هذا النص، تتعانق الفلسفة مع الشعر، ويصبح الحرف ثورة، لا في المعنى السياسي فحسب، بل في المعنى الجمالي واللغوي أيضًا. من رحم الأبجدية، يولد الغيم، وتنبثق الأغنية، وتتكوّن القصيدة على جبين المعاناة.

الشعر كأداة للثورة والتجدد

منذ المقطع الثاني، ينقلنا الشاعر إلى رؤية صوفية جمالية للحروف، حيث تصبح الكلمات زهرًا بركانيًا. إنها مفارقة بلاغية باذخة: البركان، رمز الدمار، يتحول إلى زهرة، رمز الجمال والتجدد. الحروف هنا ليست مجرد أدوات للتوصيل، بل هي كائنات تنبض، تتحدى، وتصرخ.

يقول:

“فالحروفُ هي جذرُ الكلمة،
وأصلُ الحكاياتِ الراسخةِ …”
وهنا نرى كيف تتحوّل الأبجدية إلى شجرة لها جذور تمتدّ في التربة الفلسطينية، في الجرح الفلسطيني، في القصيدة المقاومة، في صرخات الأمهات، وفي يراع الشاعر الذي يرفض الصمت.

فلسطين: الحرفُ المنكسر الذي لا ينكسر

في سردية الحروف: “فاءٌ… لامٌ… سينٌ…”، يفكّك الشاعر فلسطين حروفيًا، كما لو كان يعيد بناءها من خرابها، يعيدها إلينا من أنقاضها التي لم تندثر. يفتح لنا أبواب العودة من طريق اللغة، ويثبت أن الوطن لا يُختزل في الجغرافيا، بل يمكن أن يُستعاد من أبجدية عاشقة.

إنه يُنزِل الحروف من علياء الصمت، ويمنحها لحنًا من دمٍ وحنينٍ وأناشيد مكسورة، وكأنّ كل من حمل القلم صار شريكًا في الفقد وشاهدًا على الخلود.

جمالية الأمل في حضرة القهر

رغم كل هذا الأسى، لا يترك الشاعر لنا متّسعًا لليأس. بل يرسم لنا وجهاً للسلام، “وجهاً يشبهنا”، وجهاً من نور، بلا قيود، بلا احتلال، بلا قصف. هنا، تتراءى لنا الجمالية الفلسفية في أبهاها: فالأمل ليس غيابًا للوجع، بل هو تجاوزه عبر الإيمان بالكرامة والحقّ والعدالة.

نعم، القصيدة فلسفية بمقدار ما هي وجدانية. إذ تتعالى على الألم لكنها لا تنكره. تواجهه باللغة، تحاصره بالحرف، وتهزمه بالشعر. تتجاوز السرد السياسي المباشر لتغوص في عمق إنساني وجمالي سامٍ.

الختام: احتفال أبدي بالحروف

في ختام النص، يكتب جاموس:

“ستبقى حروفُنا ثائرةً،
ما دام فينا نبضٌ،
وقلبٌ،
وسماء…!”
وهنا، تعود القصيدة إلى أصلها الأول: الحرف الثائر. النبض الحي. القلب المقاوم. والسماء… كناية عن الحلم الكبير، عن الحرية المطلقة التي لا سقف لها.

في الخلاصة

قصيدة “غيمُ السلام… أبجديةُ السماء” ليست مجرد نشيد وطني، بل بيان شعري روحيّ، يُعلي من شأن الكلمة ويُؤمن أنها وحدها قادرة على مقاومة التلاشي.
هي صلاة من وجع الأرض، لكنها صلاة بحروف مضيئة، تكتب فجرًا جديدًا للغد.

هي قصيدة لوطن لا يُنسى، ولشعب لا ينكسر، ولغيمٍ لا يغادر سماءه.

رانية مرجية

شاهد أيضاً

برصاص مستوطن

إصابة طفل برصاص مستوطن في قرية المغير شمال شرق رام الله

شفا – أصيب طفل برصاص مستوطن، مساء اليوم الجمعة، في قرية المغير، شمال شرق رام …