11:13 مساءً / 25 يوليو، 2025
آخر الاخبار

المهرجانات الثقافية ، نبضُ الإبداع ورافعةُ الصمود في زمن المحن ( 2 )، بقلم : محمد علوش

المهرجانات الثقافية ، نبضُ الإبداع ورافعةُ الصمود في زمن المحن ( 2 )، بقلم : محمد علوش

في زمن المحن الوطنية وتكاثر الأعباء على الوعي الجمعي الفلسطيني، تتعاظم الحاجة إلى استعادة الروح الثقافية الجماعية، عبر إعادة إحياء المهرجانات الثقافية الفاعلة التي طالما شكّلت رافعة للنضال الوطني، ومنصة للإبداع والمقاومة بالكلمة والفكرة.


إن المهرجانات الثقافية، في معناها الجوهري، ليست طقوساً احتفالية، بل فضاءات حية تُجدّد الذاكرة، وتُؤصّل الهوية، وتُحصّن الجبهة الداخلية في وجه التبعية والانسحاق.


ومن بين تلك التجارب الريادية التي تستحق التقدير والتوثيق، يبرز “مهرجان القدس للثقافة والشعر والأدب”، الذي انطلق منذ أواخر الثمانينات، وظلّ لعقود عنواناً للثقافة الملتزمة، وتجسيداً حياً لفكرة أن الكلمة الحرة قادرة أن تتقدم الصفوف وتؤسّس لنهجٍ وطنيّ مقاوم.


لقد تأسّس هذا المهرجان برؤية واعية وجهد تطوعي مثابر من الشاعر والمناضل د. جمال سلسع، الذي آمن بأن الكلمة الملتزمة لا تقلّ شأناً عن البندقية، وأن حماية الهوية تحتاج إلى مساحات للتعبير الإبداعي، لا تُسيّجها الشعارات الجوفاء، بل تُصقلها التجربة الثقافية الصادقة والمنفتحة، فكان المهرجان منذ بداياته حاضنة للمبدعين الفلسطينيين والعرب، ومنصة للقصيدة المقاومة والنص النقدي والفعل الثقافي الذي يضع القدس في القلب، لا بوصفها عنواناً رمزياً، بل واقعاً حاضراً في كل بيت وفي كل ضمير حي.


في ذلك المهرجان وأروقته، وعلى منصاته المتنقلة من القدس إلى رام الله وبيت لحم والخليل، تعانقت التجربة الشعرية الفلسطينية مع مثيلاتها العربية، واختلط صوت محمود درويش بصدى معين بسيسو، وتجاورت نصوص الشباب مع قصائد الرواد، في تناغم عزّز وحدة الثقافة الوطنية، وأكّد أن الإبداع في فلسطين ليس نشاطاً منفصلاً عن السياق السياسي والاجتماعي، بل هو امتداد عضوي للمقاومة بأشكالها كافة.


ولم يكن المهرجان، في أيامه الذهبية، مجرد فعالية سنوية عابرة، بل شكل مشروعاً ثقافياً متكاملاً، يُراكم تقاليد الحضور الجمالي والفكري، ويستدعي القدس ليس فقط كقضية بل كهوية، ومجال اشتباك يومي مع الاحتلال والاستلاب.
لقد منح المهرجان لجمهور واسع – من طلبة المدارس إلى المثقفين والأكاديميين – فرصة للتماس المباشر مع التجربة الإبداعية الفلسطينية والعربية، وغذّى الحسّ الوطني الجمعي، وفتح نوافذ الوعي على الأسئلة الكبرى في الثقافة والتحرر والتحديث.


وإن غيابه في السنوات الأخيرة ترك فراغاً لا يمكن تجاهله، ليس فقط في الروزنامة الثقافية، بل في الوعي العام الذي كان يتغذى من تلك اللقاءات، وتلك المنصات التي كانت تحتضن الجمال وتصرخ بالحق في آنٍ معاً.


إن الثقافة، في جوهرها، هي فعل مقاومة، وهي الجبهة التي يصعب على الاحتلال تفكيكها متى ما كانت حيّة وفاعلة، ومن هنا فإننا نوجّه نداءً صادقاً إلى وزارة الثقافة الفلسطينية، واتحاد الكتّاب، والمؤسسات الأهلية والمجتمعية، أن تنهض بمسؤوليتها تجاه هذا الحقل الحيوي، وأن تبادر لإحياء مهرجاناتنا الثقافية، وفي مقدمتها مهرجان القدس، بما يليق بتاريخه ورسالته، فليس من المقبول أن تظل الثقافة في الهامش، في الوقت الذي تحتاج فيه القضية الفلسطينية إلى كل أشكال النضال، وخاصة تلك التي تُخاطب العقول والضمائر.


إن المهرجانات الثقافية ليست ترفاً، بل ضرورة وطنية، لأنها تُعيد للمجتمع إيمانه بذاته، وتعزز روح المبادرة والإبداع، وتؤكّد أن الثقافة ليست مرآة الواقع فقط، بل أداة تغييره، والمطلوب اليوم ليس فقط توفير الدعم المادي، بل توفير الرؤية الثقافية الجامعة التي ترى في الثقافة ركيزة لبناء الإنسان، وفي الإنسان رافعة لبناء الوطن.


فلنُحيِ الثقافة في قلب المشهد، ولنُعيد مهرجاناتنا إلى الحياة، لأنها بمثابة الضمير الجمعي والمرآة التي تعكس جوهرنا الأصيل، ولأنها الوحيدة القادرة أن تعيد للمستقبل معناه في لحظة يحاصر فيها الحلم الفلسطيني من كل الجهات.

إقرأ أيضاً :

المهرجانات الثقافية.. نبض الإبداع ورافعة الصمود في زمن المحن ، بقلم : محمد علوش

شاهد أيضاً

برصاص مستوطن

إصابة طفل برصاص مستوطن في قرية المغير شمال شرق رام الله

شفا – أصيب طفل برصاص مستوطن، مساء اليوم الجمعة، في قرية المغير، شمال شرق رام …