
من التصويب إلى التفعيل: واقع مؤسسات سلفيت الأهلية ودورها في بناء المجتمع ، بقلم: د. عمر السلخي
رغم ما تواجهه محافظة سلفيت من ظروف استثنائية بفعل الاحتلال والاستيطان والقيود المفروضة على الحركة والتنمية، إلا أن ما تملكه من رصيد مؤسساتي – سواء من أندية، مراكز، جمعيات، أو مبادرات أهلية – يشكّل فرصة عظيمة لبناء شبكة حماية اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية.
لكن هذه الإمكانات ما زالت تعاني من مشكلات إدارية وقانونية وهيكلية، تحتاج إلى مراجعة شاملة وتصويب عاجل، حتى تتحول هذه الأطر من واجهات شكلية إلى أدوات فاعلة تُحدث تغييرًا حقيقيًا في حياة المواطنين، خاصة فئة الشباب.
تصويب الأوضاع القانونية… مدخل الإصلاح المؤسسي
عدد كبير من الأندية والمراكز الشبابية والجمعيات الخيرية في محافظة سلفيت يعمل حاليًا بدون تجديد التراخيص الرسمية، أو يفتقر إلى مجالس إدارة فعّالة، أو لم يُقدّم تقاريره الإدارية والمالية وفق تعليمات وزارات الاختصاص (وزارة الداخلية، وزارة الشباب، وزارة الثقافة، وزارة العمل…).
وهذا الوضع يحرمها من:
الحصول على التمويل.
الشراكة مع المؤسسات الدولية.
تنفيذ برامج مجتمعية واسعة.
لذلك فإن أولى خطوات النهوض بهذه المؤسسات هو تصويب أوضاعها القانونية، وتفعيل الرقابة الإيجابية من الوزارات المختصة، وتقديم الدعم الفني لتأهيل إداراتها، وتحديث أنظمتها بما يتماشى مع الاحتياجات المحلية.
منبر للتغيير – تفعيل الدور الثقافي والرياضي والاجتماعي والسياسي
لا يمكن فصل الحراك الثقافي والاجتماعي عن الحالة العامة للمجتمع، وهو ما يجعل المؤسسات الأهلية حاضنًا طبيعيًا لأي نقاش جماهيري، أو تدريب، أو مبادرة شبابية، أو عمل ثقافي أو فني.
يجب أن تعود هذه المؤسسات لتكون:
منبرًا للندوات الحوارية والمسابقات الثقافية.
ساحة للنشاطات الكشفية والرياضية والبيئية.
منصة للتعبير عن القضايا الوطنية والاجتماعية بأساليب إبداعية.
مركزًا لصقل القيادات الشابة وتشجيعهم على العمل السياسي المسؤول والمستقل.
تفعيل هذه الأطر لا يحتاج لموازنات ضخمة بقدر ما يحتاج لإرادة تنظيمية، وشراكات محلية، وخطط واقعية قابلة للتنفيذ.
التكافل والتطوع… منظومة حماية شعبية
في وقت الأزمات، تظهر أهمية المؤسسات الأهلية كرافعة للتكافل المجتمعي، من خلال:
حملات توزيع الطرود الغذائية للأسر المتضررة.
مبادرات ترميم منازل أو تنظيف أحياء.
الاستجابة السريعة للكوارث المحلية كالحرائق أو الأزمات الصحية.
تنظيم أيام طبية مجانية بالتعاون مع طواقم متطوعة.
توفير الملابس والقرطاسيه والحقائب لطلبه المدارس.
لكن ما نحتاجه هو أتمتة وتنظيم هذا العمل، وتوثيق قواعد بيانات المحتاجين والمتطوعين، وإطلاق فرق تطوعية منظمة في كل بلدة تتبع لمؤسسة رسمية، لتكون مستعدة وقت الحاجة.
استيعاب الطاقات الشبابية واستثمارها الإيجابي
الشباب في سلفيت لديهم طاقة هائلة، لكن الكثير منهم يعيش حالة فراغ قاتلة بسبب غياب برامج حقيقية موجهة لهم. وبدلًا من أن تنشغل المؤسسات في نشاطات موسمية أو بروتوكولية، عليها أن:
تطلق برامج تدريب مهني وتقني قصيرة الأمد.
تنظم حوارات سياسية تحاكي هموم الشباب بعيدًا عن التلقين.
تؤسس نوادي إعلامية رقمية، مسرح شبابي، ومشاريع ريادة اجتماعية.
تقدم حوافز بسيطة (رمزية أو تدريبية) لاستقطاب واستبقاء الشباب المتطوعين.
إنّ كل ساعة فراغ عند الشباب تُهدَر بلا جدوى، قد تتحول إلى تهديد بدل أن تكون فرصة. والمؤسسات الأهلية هي الميدان الأول لتحويل الطاقات إلى مبادرات.
التعاونيات… اقتصاد اجتماعي محلي يعزز الصمود
في القرى والبلدات المحاصرة، لا يمكن انتظار الوظيفة الحكومية أو فرص التشغيل الخارجية. ولذلك، فإن تأسيس تعاونيات إنتاجية واستهلاكية في كل بلدة أصبح ضرورة اقتصادية واجتماعية.
أمثلة للتعاونيات الممكنة:
تعاونية زراعية لتسويق المنتجات المحلية مباشرة دون وسطاء.
تعاونية نسوية للخياطة أو إعداد الأغذية المنزلية.
تعاونية شبابية لإعادة تدوير البلاستيك أو النفايات العضوية.
التعاونيات لا تخلق فرص عمل فقط، بل تعزز روح الشراكة والمصلحة الجماعية، وتحول كل مساهم إلى “مالك جزئي” بدل أن يكون مجرد عامل.
المشاريع الصغيرة… الرئة الاقتصادية البديلة
في ظل تآكل القدرة الشرائية وتعثر الرواتب، أصبحت المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر أكثر واقعية من انتظار الدعم الخارجي أو التوظيف الرسمي.
يجب أن تتحول الجمعيات والمؤسسات إلى:
مراكز حاضنة للأفكار الريادية.
جهات وسيطة بين الرياديين والصناديق التمويلية.
مدربين فنيين في الإدارة المالية والتسويق والتغليف.
منصات لعرض المنتجات (أيام تسويقية محلية – أسواق مجتمعية).
يمكن أن يصبح كل دكان، كل فرن منزلي، كل مشغل صغير… لبنة في بناء اقتصاد مقاوم.
محافظة سلفيت بحاجة إلى أن تستعيد روح المبادرة من داخل مؤسساتها الأهلية، وأن تتحول هذه المؤسسات إلى أدوات حقيقية لتغيير الواقع، لا مجرد أسماء في سجل الوزارة.
نحن بحاجة إلى تصويب قانوني، تفعيل ميداني، استثمار شبابي، تعاون اقتصادي، ومشاريع صغيرة تُزرع من رحم المعاناة.
الاحتلال يراهن على تآكل مؤسساتنا من الداخل… فلنراهن نحن على بنائها من القاعدة، لنصنع مستقبلًا أكثر عدلًا، مرونة، وكرامة.