
“في غزة لا يموت الجوع، بل يُهان”: قراءة في قصيدة ماجدة الريماوي ، بقلم: رانية مرجية
ليس الجوع في نص ماجدة الريماوي مجرّد وجعٍ بيولوجي، بل هو صراع وجود، امتحان للكرامة، ومرآة لكبرياء الإنسان الفلسطيني في أقسى محنه.
بهذه القصيدة العاصفة، تكتب الريماوي وجع غزة بلغة غير باكية، بل راقصة على جمر الصبر. لا تستجدي عطفًا، بل تصوغ ملحمةً وجدانيةً عن تحوّل الجوع إلى بطولة، والفقد إلى معنى.
الجوع كفعل مقاومة
تبدأ القصيدة بجملة تنضح ألماً:
“هو الجوع، جوعٌ شديد الألم”،
لكن الشاعرة تفاجئنا على الفور:
“ولكن مخاضٌ من الكبرياء”.
كأنها تضع الألم في ميزان الروح، فتجعله بدايةً لا نهاية.
هنا، الجوع لا يذل، بل يُنجب المعجزات، ويكشف عن طاقة لا مرئية في النفوس حين تضيق الأرض وتتكالب الأعداء.
أسئلة الطبيعة المحروقة
تسأل الريماوي:
“أين الغابات؟ وأين الطيور؟ وأين الشجر؟”
أسئلةٌ بسيطة لكنها حارقة. ليست الطبيعة وحدها من احترقت، بل أركان الحياة الأولى: الرغيف، الظل، الأمان.
لكن وسط الركام، تظل شجرةٌ واحدة تمدّ يدها… موزًا، لوزًا، وحبًا.
إنها رمزيةٌ بديعة عن جذور فلسطين التي لا تموت، حتى بعد أن يُحرَق كل شيء.
الزهد لا كفضيلة بل كقدر
في غزة، “صرنا زهادًا”… لكن ليس تصوفًا، بل لأن الحصار فرض ذلك.
الطفل الجائع يمجّد الخبز المفقود تحت ركام البيت المهدود.
لا يعرف الخبز طعمه، بل قِيمته المقدسة.
تُحوّل الريماوي الجوع من رغبةٍ جسدية إلى مقامٍ شعري يتعالى على الحاجة، ويتسامى فوق الألم.
طفلة لا تتسوّل
في لحظةٍ شعريةٍ نادرة، تصرخ طفلة من غزة:
“لن أتوسّل، لن أتسوّل”
هنا يكمن الانفجار الوجودي للكرامة.
الجوع لا يسكنها، بل يتراقص في عينيها – صورة سريالية، تختزل كيف يتحوّل الألم إلى ملامح نُبل.
صوت الطفلة، الموءود والمنهوب، ينادي ولا مهد يجيب، كأنها تصرخ في خواء العالم.
الضوء من عتمة الصمت
تنتهي القصيدة بصورة شديدة الجمال والرهبة:
“تُريني النور في عين الظلام الغريب / بصمت الرهاب الرهيب”
النور ليس خلاصًا، بل اختراق للظلام من داخله.
وهنا تبلغ القصيدة ذروتها النفسية–الروحية:
حين يصبح الألم هو النور، حين يغدو الخوف جسدًا للصبر، وحين تنام الأخت جوعًا لا كاستسلام بل كاحتجاج صامت على وعد الحليب الذي لم يأتِ.
ماجدة الريماوي… شاعرة الجوع الذي لا يُذلّ
في هذه القصيدة، لا تقدّم الريماوي شكوى ولا موعظة.
بل ترسم لوحةً مشبعةً بالرموز، مترعةً بالكرامة.
تُعيد تعريف الجوع كموقف، لا كمأساة. كصوتٍ، لا كعجز.
ففي غزة، كما تقول ماجدة دون أن تقول:
لا يموت الجوع، بل يُهان.
ولا تنكسر الروح، بل تُصقل بالرماد.