4:04 مساءً / 1 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

“صوت الشعر في عالم الأموات: قراءة في قصيدة “خَلِصْنا يا أورفيوس!” للدكتور نبيل طنوس ، بقلم: رانية مرجية

“صوت الشعر في عالم الأموات: قراءة في قصيدة “خَلِصْنا يا أورفيوس!” للدكتور نبيل طنوس ، بقلم: رانية مرجية

القصيدة “خَلِصْنا يا أورفيوس!” للدكتور نبيل طنوس ليست مجرد استحضار لأسطورة إغريقية، بل هي صرخة معاصرة تنبع من عمق الواقع الفلسطيني والعربي، حيث يتقاطع الأسطوري بـ الواقعي، والرمزي بـ الوجداني، لتُنتج خطابًا شعريًا متوترًا، نابضًا بالألم والرجاء، ومفتوحًا على طبقات تأويل متعددة.

بنية القصيدة وصوتها الداخلي


القصيدة تأخذ شكل مناشدة متكررة ومُلحّة لأورفيوس، رسول الشعر والموسيقى، كي ينزل مجددًا إلى “العالم السفلي” — عالم الموتى — ليعيد الحياة لحبيبته يوريدوس، والتي هنا لا تمثّل مجرد امرأة، بل تتّخذ رمزًا جامعًا للإنسان، أو بالأخص للإنسان الفلسطيني والعربي، الذي طُعن، خُذل، وأُسلم للموت الرمزي والجسدي.

“تعالَ خلّصنا يا شاعرنا


من عالم الأموات”
هذا النداء يردده الصوت الشعري بقلق ولهفة، يحمل طابعًا جماعيًا (ضمير “نحن”)، حيث الذات المتكلمة ليست فردًا، بل جَمعٌ حُرم من النور والحرية، وجُرّ إلى قاع الظلمة السياسية والروحية.

الأسطورة كمرآة للواقع


القصيدة تقوم على تفكيك الأسطورة وإعادة بنائها في ضوء واقعنا المعاصر:

أورفيوس: رمز للفن والشعر والموسيقى — أي القوة الجمالية التي يُمكن أن تخلّص العالم من ظلمته.
يوريدوس: لم تعد فقط الحبيبة، بل أصبحت رمزًا للضحية، للإنسان/المرأة/الأرض التي اختطفها الموت، سواء كان موتًا فعليًا، أو معنويًا/ثقافيًا.


الأفعى: رمز للغدر، للموت المباغت، للمؤامرة غير المتوقعة.
أريستايوس: صورة للسلطة/القوة الذكورية المغتصِبة، والتي تُطارد الحبيبة البريئة.
ومن خلال هذه الرموز، يتحوّل عالم الموتى (هاديس) إلى صورة للواقع المعاش، حيث النور غائب، والعدالة مغيبة، والفن — ممثلًا بأورفيوس — هو الأمل الوحيد.

جماليات القصيدة: الإيقاع والتكرار واللغة


القصيدة تعتمد على:

التكرار البنائي: “تعالَ”، “لا تلتفت”، “خلصنا”، وهو ليس فقط عنصرًا إيقاعيًا بل استراتيجية خطابية تضاعف التوتر والرجاء.
اللغة البسيطة والعميقة: الشاعر لا يُثقل النص بالزينة اللغوية، بل يعتمد على الصدق التعبيري، مما يمنح النص طاقة وجدانية مؤثرة.


التناص مع الأسطورة: ليس تناصًا زخرفيًا، بل وظيفي — حيث يفسح المجال لإسقاط الواقع على الماضي، فيتداخل الزمن القديم بالحاضر المأزوم.


الدلالات الرمزية والسياسية


من اللافت أن النداء لا يوجّه إلى الآلهة — لا إلى زيوس، ولا إلى الموزيات — بل إلى الشاعر نفسه: “أورفيوس”. فالفن هنا لم يعد تابعًا للسلطة أو للوحي السماوي، بل هو الفعل الخلاصي بحد ذاته. لذا فإن الخلاص لا يأتي من الخارج، بل من صوت الشعر، من قيثارة الحقيقة، من الذاكرة والجمال، من الأمل المقاوم.

حين تقول:

“لا تنتظر الموزيات”
“لا تلتفت”


فهي توجه رسالة مباشرة لكل شاعر وفنان ومفكر: لا تتردد، لا تبحث عن الإلهام من السماء، اصنع خلاصك بنفسك، بالثبات، بالوفاء، بعدم الالتفات إلى الوراء.

الرؤية الجمالية والوجدانية


يمكن وصف القصيدة بأنها قصيدة مقاومة روحية، تتعامل مع القهر والموت لا بالسلاح أو الشعارات، بل بـالذاكرة الثقافية والأسطورة. إنها تصرخ، لكن بصوت موسيقي، وتبكي، لكن ببلاغة جمالية تفيض بالحياة، حتى في قاع الموت.

خاتمة تحليلية


“خَلِصْنا يا أورفيوس!” ليست مجرد رثاء لحبيبة، ولا فقط مناجاة شاعرية، بل هي دعوة فلسفية وجمالية عميقة:
دعوة للإنسان/الشاعر كي يُعيد بعث العالم من الرماد، لا من خلال قوة غيبية، بل عبر الفن، عبر الجمال، عبر الإخلاص للذات وللحب.


هي صرخة ضد النسيان، ضد الالتفات، ضد الاستسلام، صرخة تقول:

الشعر قد لا يوقف الموت، لكنه وحده يملك القدرة على انتزاع الحياة من بين أنياب الموت.

شاهد أيضاً

الرئيس محمود عباس يستقبل وزير الخارجية الألماني

الرئيس محمود عباس يستقبل وزير الخارجية الألماني

شفا – استقبل سيادة رئيس دولة فلسطين محمود عباس “ابو مازن” ، بمقر الرئاسة في …