
في الذكرى الثامنة والخمسين لانطلاقة جبهة النضال الشعبي الفلسطيني: وفاءٌ للقدس، واستمرارٌ في النضال ، بقلم : محمد علوش
تمرّ الذكرى الثامنة والخمسون لانطلاقة جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، والجبهة ما زالت على عهدها الأول، ثابتة على مبادئها، ومتمسكة براية الحرية والعدالة والكرامة، وفية لانطلاقتها من قلب القدس، ولدماء شهدائها، ولصوتها العالي الذي ما توانى عن التعبير عن آمال وتطلعات شعبنا الفلسطيني المكافح من أجل نيل حقوقه الوطنية والاجتماعية كاملة غير منقوصة.
في مثل هذا اليوم من عام 1967، وفي أوج الهزيمة والضياع العربيين، ارتفعت راية الجبهة على يد نخبة من المناضلين الفلسطينيين الذين اختاروا أن يقاوموا بدلاً من أن يستسلموا، وعلى رأسهم القائد الوطني الخالد الرفيق د. سمير غوشة، الذي جسّد بفكره وممارسته رؤيا نضالية تقدمية، مزجت بين الوعي الوطني والتحليل الطبقي، وطرحت نموذجاً لحزب يساري اجتماعي يحمل همّ الوطن وهمّ الناس.
لقد كانت انطلاقة الجبهة صرخة مقاومة في وجه الاحتلال، ومنصة للتنظيم الشعبي، ورؤية سياسية ذات طابع وطني تقدّمي متكامل، فلم تكن الجبهة فصيلاً عسكرياً فقط، بل كانت ولا تزال حزباً سياسياً وفكرياً واجتماعياً، نحتت حضورها في الساحة الفلسطينية بصبر ونضال وتضحيات جسام، ورافقت منظمة التحرير الفلسطينية في مسيرتها الطويلة نحو تثبيت الهوية الوطنية وتمثيل شعبنا في المحافل الدولية.
إنّ الحديث عن جبهة النضال الشعبي الفلسطيني هو حديث عن مدرسة في الالتزام، في الوفاء، وفي الانتماء الشعبي الحقيقي، فقد انحازت الجبهة دوماً إلى الفئات المهمّشة والمحرومة، ورفعت صوتها عالياً دفاعاً عن حقوق العمال، واللاجئين، والمرأة، والشباب، وسعت إلى بناء نموذج تنموي مقاوم يعزز الصمود على الأرض ويعكس تطلعات الشعب في التحرر والعدالة الاجتماعية.
لقد واجه الرفاق في الجبهة سنوات القمع والتهميش والتغييب، لكنهم ظلّوا على العهد، يواصلون السير على طريق الشهداء، ويثبتون في الميدان، في النضال الوطني ضد الاحتلال، وفي النضال السياسي من أجل حماية المشروع الوطني، وفي النضال الاجتماعي من أجل تحقيق العدالة والمساواة داخل المجتمع الفلسطيني، وكانت الجبهة دوماً صوت القدس، وضمير المخيم، وروح الأرض.
إنني، في هذه الذكرى المجيدة، أشعر باعتزاز عميق لانتمائي إلى هذا الحزب العريق، الذي لم يتنازل عن مبادئه، ولم يساوم على حقوق شعبه، بل كان في الطليعة حيثما وجدت ساحات الكفاح.
لقد تعلمنا من الجبهة أن النضال لا يقاس بالشعارات، بل بالفعل، بالانغماس في قضايا الناس، وبالتمسك بالثوابت، وبالوحدة الوطنية التي لطالما دعت إليها الجبهة كخيار وحيد للانتصار.
في الذكرى الثامنة والخمسين، نجدّد العهد للجبهة ولقادتها المؤسسين، ولشهدائها وأسراها ومناضليها، بأننا على الطريق ماضون، لا نحيد عن حلم الحرية، ولا نتنازل عن حقوق شعبنا في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.