
صفقة الأسرى.. هل آن أوان قلب الموازين؟ بقلم: رانية مرجية
حين تُطرح على طاولة التفاوض أسماء مثل مروان البرغوثي، وأحمد سعدات، وعبد الله البرغوثي، لا تعود صفقة التبادل مجرد تفاوض حول أرقام، بل تتحول إلى مفترق طرق سياسي وأخلاقي، فلسطينيًّا وإسرائيليًّا على حد سواء.
ما تسعى إليه حركة حماس اليوم، وفقًا لما تناقلته الصحف العبرية، ليس مجرد الإفراج عن أسرى، بل استعادة رموز وطنية وقامات نضالية، يمكن وصفها – دون مبالغة – بأنها تُجسّد مرحلة بكاملها من الكفاح الفلسطيني. الحديث عن الإفراج عن قادة كبار محكومين بمئات السنين من السجن، لم يعد فقط مطلبًا إنسانيًا أو تفاوضيًا، بل رسالة سياسية واضحة: لا يمكن الحديث عن حل أو تسوية أو حتى تهدئة طويلة الأمد، من دون إعادة النظر في من يمسكون بخيوط الوعي الجماهيري والرمزي في الضفة والقطاع.
مروان البرغوثي: أكثر من مجرد أسير
إن الحديث عن مروان البرغوثي، ليس حديثًا عن أسير بقدر ما هو حديث عن رمز وحدوي، استطاع أن يبقى حاضرًا في وجدان الشعب رغم سجنه الطويل، وأن يطرح نفسه كجسر ممكن بين الفصائل المتناحرة. الإفراج عنه، ليس فقط تحصيلًا لعدالة طال انتظارها، بل إعادة لبوصلة المشروع الوطني الذي تاه بين الانقسام والوعود الدولية الفارغة.
أحمد سعدات: صوت اليسار المقاوم
أما أحمد سعدات، فخروجه من الأسر يعني إعادة الاعتبار لصوت الجبهة الشعبية – ذلك الصوت الذي لطالما نادى بالمقاومة العقلانية والكرامة الوطنية بلا مساومات. لا يمكن تجاهل أن سعدات، برمزيته الفكرية، يمثل طيفًا مهمشًا في الحياة السياسية الفلسطينية يحتاج إلى نفَس جديد.
عبد الله البرغوثي: الورقة الشائكة في الحسابات الأمنية
ومن جهة أخرى، يمثل عبد الله البرغوثي تحديًا حقيقيًا للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، حيث يُعدّ من أبرز مهندسي العمليات الفدائية في انتفاضة الأقصى. وجوده في الصفقة المحتملة ليس تفصيلًا بسيطًا، بل إعلانًا واضحًا أن حماس لا تخوض هذه الصفقة كـ”وسيط” أو كـ”جماعة”، بل كقوة لها شروطها وتوازناتها واستحقاقاتها.
بين الرمز والمعادلة: حراك سياسي لا صفقة فقط
ما يثير القلق في إسرائيل، وما يجب أن يثير التفكير لدينا، هو أن هذه الأسماء ليست مجرّد مطالب، بل أدوات لتغيير قواعد اللعبة في الضفة الغربية. فخروج هؤلاء القادة، خاصة في ظل حالة الوهن السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية، قد يعيد رسم المشهد السياسي برمته، ويُحدث فرزًا جديدًا بين من يتمسكون بالتنسيق الأمني، ومن يُجاهرون بالمقاومة بكافة أشكالها.
كلمة أخيرة: من يصنع الحرية؟
في النهاية، قد تختلف الانتماءات والقراءات، لكن الحقيقة الثابتة هي أن كل شعب يبحث عن حريته، لا يمكنه أن يتخلى عن رموزه في السجون. الصفقة هذه المرة قد لا تكون “صفقة عادية”، بل لحظة فاصلة بين مشروع يتآكل ومشروع يُولد من رحم المعاناة.
وفي زمن تتشظى فيه الرواية الفلسطينية، قد يكون الإفراج عن البرغوثي وسعدات وعبد الله البرغوثي ليس مجرد حرية لأشخاص، بل تحريرًا لمعنى المقاومة ذاته.
رانية مرجية
كاتبة وباحثة في قضايا المجتمع والهوية