
فرص الاستقرار في ظل حكومة يمينية فاشية في إسرائيل ، حلم “إسرائيل الكبرى” وكوابيس الواقع ، بقلم : محمد علوش
في أفق ملبّد برائحة البارود، تتراقص أوهام “إسرائيل الكبرى” على ألسنة السياسيين المتطرفين، الذين لا يرون في الأرض الفلسطينية سوى فراغٍ جغرافيّ بانتظار التهويد، ولا في الشعب الفلسطيني سوى عائق يجب اقتلاعه من جذوره أو تطويعه تحت نير الاحتلال، في ظل حكومة يمينية فاشية، يتزاوج الخطاب الديني بالعنصرية السياسية، وتُحرَّف النصوص لتبرير الضم والقمع، وتختزل الحقوق في رصاصة أو جرافة أو قانون أساس يجعل من التمييز عرفاً دستورياً لا يُمس.
تسير هذه الحكومة الفاشية والعنصرية بخطى متسارعة نحو مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، الذي لا يعبأ بالخرائط ولا يعترف بالحدود، بل يرسمها على أشلاء المدن ومخيمات اللاجئين، مستندة إلى دعم أمريكي لا يتزحزح، تحرّكه مصالح إمبريالية عميقة ترى في إسرائيل رأس الحربة لمشاريعها وأطماعها التوسعية في المنطقة، ومن خلف الأبواب الموصدة للبيت الأبيض، يُمنح الضوء الأخضر لبناء المستوطنات، وهدم المنازل، وتجفيف جذور الأمل.
أيُّ استقرار يُرتجى إذاً، في ظل من يعتقد أن السلام لا يتحقق إلا بإخضاع الآخر، وكيف تستقيم العدالة عندما تكون البنادق هي الوسيط الوحيد بين الضحية والجلاد، في ظل هذه المعادلة المختلة، يصبح الحديث عن الاستقرار ضرباً من السذاجة أو خداعاً متعمداً.
إن المشروع الصهيوني في صيغته الحالية، لا يخفي أطماعه، بل يعلنها بوقاحة، من النهر إلى البحر، ومن الحجر إلى الحجر، أرضٌ بلا شعب لشعبٍ بلا حدود، وفي هذا السياق، تتحوّل مفردات التعايش إلى سراب، والمواثيق الدولية إلى أوراق تتآكل في أدراج الأمم المتحدة، بينما يسير الواقع على صهوة الدبابة والبوارج الحربية ومنصات الصواريخ.
لكنّ التاريخ، رغم قسوته، لا يُنسى ولا ينام، فالشعوب وإن طال خنوعها، تنهض، والحق، وإن وُئِد مراراً، لا يموت، فقد تبنى الجدران، وتمحى القرى، وتقطع الأشجار، لكنّ ذاكرة الأرض لا تتقادم، والهوية لا تباد بقرار سياسي أو عسكري، وفرص الاستقرار، إذاً، لن تكون إلا بقدر ما تعترف الولايات المتحدة قبل إسرائيل بفلسطين لا كأرض متنازع عليها، بل كوطن لشعب حيّ، له جذوره، وتاريخه، ومقاومته، وإنّ الاستقرار الحقيقي لا ينبع من غطرسة القوة، بل من عدالة التوزان، ومن شجاعة الاعتراف بالآخر لا اجتثاثه، وخصوصاً أننا في زمن يعاد فيه تشكيل خرائط وبلطجة القوة، ولن يكتب السلام على الورق وحده، بل على أرض تتساوى فيها الحقوق، ويكفّ فيها عن ممارسة الطغيان باسم “الأمن”، وتغلق فيها مصانع الاحتلال قبل أن تفتح مدارس الأمل.
ومن الضرورة أن ندرك بأن هذا المشروع قد شيّد على تصوّر أن الشرق الأوسط ليس سوى رقعة شطرنج، فيها تحرَّك البيادق وفقاً لمصالح القوى الكبرى، وفي القلب من هذا التصوّر تتربع إسرائيل، لا كدولة تبحث عن أمن، بل ككيان يسعى إلى مدّ نفوذه من الفرات إلى النيل، كما جاء في بعض الوثائق والرؤى الفكرية الصهيونية المبكّرة، ولكن إسرائيل، مهما بلغت من قوة، لم تكن وحدها في هذا الطموح؛ إذ فتحت الهيمنة الأميركية لها دروب الرياح، وجعلت من الحروب أدوات ومن العقوبات لغة، ومن القواعد العسكرية خناجر مغروسة في خاصرة المنطقة.
كان المشروع الأميركي في الشرق الأوسط، خاصة بعد الحرب الباردة، يغلّف مصالحه بشعارات “الحرية” و”الديمقراطية”، لكنه في جوهره سعى إلى تفتيت القوى الصاعدة، وتقسيم الموحد، وضرب الجذور الوطنية في مقتل، فمن احتلال العراق إلى تمزيق سوريا وليبيا، ومن تطويع الأنظمة، إلى عسكرة الخلافات في بلداننا المختلفة، بدا وكأن الشرق الأوسط مسرح دائم للاشتعال، لا يهدأ له رماد حتى توقد النار من جديد، وفي كل ذلك، كانت إسرائيل الحاضر الغائب؛ تستفيد من تلك الفوضى، وتنمو في ظل العواصف، وتبني جدرانها على أنقاض الجيران.
إن مشروع “إسرائيل الكبرى” ليس مجرد حلم أيديولوجي، بل هو انعكاس لتحالف غير معلن بين القوة الأميركية والمصلحة الإسرائيلية، تحالف لا يعبأ بالأوطان ولا بالشعوب، بل يرنو إلى شرق أوسط جديد تصاغ هويته بلغة القوة، وتعيد تشكيله خريطة الطامعين، لا خرائط التاريخ، ومع كل ذلك، يبقى السؤال معلقاً في ضمير هذه الأرض، هل يُكتب لهذه المشاريع أن تكتمل، أم أنّ في شعوبنا وبلداننا ما يكفي من الوعي والنهوض ليردّ الكيد إلى نحور أصحابه، والزمن وحده كفيل بالإجابة، لكنه لن يجيب إلا لمن يصنعه، لا لمن ينتظر.