4:43 مساءً / 25 يونيو، 2025
آخر الاخبار

الاحتلال الإسرائيلي والمخدرات في فلسطين -2 ، بقلم : د. خالد أبو ظاهر

الاحتلال الإسرائيلي والمخدرات في فلسطين -2 ، بقلم : د. خالد أبو ظاهر

الاحتلال الإسرائيلي والمخدرات في فلسطين -2 ، بقلم : د. خالد أبو ظاهر


بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات والذي يصادف 26\6، قررت ان اكتب عن دور الاحتلال الإسرائيلي في نشر المخدرات في المجتمع الفلسطيني، حيث انني كتبت مقالة سابقا عن هذا الموضوع والتي كانت بعنوان (الاحتلال الإسرائيلي والمخدرات)، أكمل في هذه المقالة ما لم يتم ذكره بالمقالة الأولى مع الاسهاب في بعض القضايا والتي ذكرت باختصار سابقا.


ان تعاطي المخدرات اضطرابٌ مزمنٌ متكرر، يتميز بالاستخدام القهري للمواد المخدرة، رغم عواقبه الوخيمة على الفرد والمجتمع، وقد أصبح إدمان المخدرات والمؤثرات العقلية اتجاهًا عالميًا متزايدًا في نمط الحياة، وهو سائد في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء.


وقد اثبتت الأبحاث العلمية ان للمخدرات بكافة اشكالها الشائعة منها وغير الشائعة، تأثيرٌ بالغٌ على الجهاز العصبي، وخاصةً في الدماغ وهو مركز السيطرة والتحكم في جسم الانسان، لذلك وبسبب خطرها تم ُحظرها قانونًيا في معظم الدول الا للأغراض الطبية والعلمية والتي يحددها القانون في كل دولة.


منذ سنوات الاحتلال الأولى1948 ، عملت إسرائيل وأجهزة مخابراتها على استهداف الشباب الفلسطيني، بشتى الأساليب والوسائل، لزرع الإحباط والهزيمة واليأس في نفوسهم، وإسقاطهم أخلاقيا وأمنيا، وإبعادهم عن الاهتمام بالقضية الوطنية الفلسطينية، وبالقضايا السياسية عموما، مستغلة بذلك الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشونها.
أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم أساليب وأدوات لإسقاط الشباب الفلسطيني في الداخل المحتل وفي الضفة الغربية والقدس المحتلة وفي قطاع غزة، لأنه يعلم تماماً مدى أهمية تلك الفئة وهي الشباب على مستقبل الصراع بينه وبين الفلسطينيين.


أن انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في المجتمع الفلسطيني لا تعتبر مشكلة أمنية فقط، لا بل إنها أكثر، وأبعد من ذلك، حيث إنها تمثل تهديدا جديا وحقيقيا على المجتمع الفلسطيني برمته، إذ إنها قضية دينية، وطنية، سياسية، ثقافية، اجتماعية، اقتصادية، وصحية، بعد أن أفادت تقارير ودراسات كثيرة صادرة عن المؤسسات ذات الصلة بقضية المخدرات بأن أعداد متعاطي المخدرات اخذة بالارتفاع ، ما يؤكد مدى استهدافها من الاحتلال الاسرائيلي ومؤسساته الأمنية، وخصوصا أن أغلبيتهم ( المستهدفين من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية) من الفئة العمرية القادرة على البناء والتنمية والمقاومة.


وكنا قد تحدثنا في مقالات سابقة عن الاحتلال الإسرائيلي و المخدرات – الأولى كانت بعنوان (الاحتلال الإسرائيلي والمخدرات) وعرضنا فيها الطرق والوسائل والأساليب التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي في نشر المخدرات في المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية قديما وحديثا، – الثانية كانت بعنوان ( المخدرات في فلسطين في فترة ِالحرب 2023-2025) وعرضنا فيها عن واقع المخدرات خلال فترة الحرب التي بدأت في أكتوبر 2023 ولغاية الان (منتصف 2025) ، من خلال دراسة احصائيات الشرطة الفلسطينية في الضفة الغربية، ومحاولة تفسيرها والتعليق عليها، واستعراض جهود الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي نجحت في خفض نسب الاتجار والزراعة والترويج للمخدرات، وتحدثنا فيها عن دور الوقاية والتوعية في المكافحة من المخدرات.


وسوف نستكمل في هذه المقالة ( الاحتلال الإسرائيلي والمخدرات في فلسطين-2) الحديث عن الوسائل والأساليب الأخرى والتي يستغلها الاحتلال الإسرائيلي في نشر المخدرات في مدن الداخل المحتل (فلسطينيو 48) وفي مدن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية منذ قيامه على ارض فلسطين الى الان.

أساليب وطرق الاحتلال في نشر المخدرات في المجتمع الفلسطيني قديما وحديثا:


1- في 1948 باشر الاحتلال الإسرائيلي بتجميع أكبر عدد ممكن من اليهود، من جميع دول العالم ومن قوميات مختلفة وشجعهم على الهجرة الى فلسطين، وقد قدموا بثقافات وعادات غريبة جدا على الشعب الفلسطيني، ولان فلسطينيو الداخل المحتل (فلسطينيو 48) ظلوا في بيوتهم ولم يهاجروا، أصبح وجود المحتلين امر واقع والاحتكاك بهم مفروض على الجميع، ومن خلال التعايش المفروض بالقوة، انتقلت بعض العادات السيئة منهم الى ضعاف النفوس في الجانب الفلسطيني وكان من بين هذه العادات تعاطي المخدرات.
2- واستمر الحال لغاية 1967 وتطور ليأخذ شكلا اخر وهو انشاء عصابات إجرامية من اليهود المحتلين ومن بعض ضعاف النفوس في المجتمع العربي في الداخل، الهدف منه تحقيق أكبر قدر ممكن من الأموال وبشتى الوسائل والأساليب ومن ضمنها تجارة المخدرات والتشجيع على انتشارها بين اليهود والفلسطينيين سواء في الداخل المحتل او في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
ان العلاقات بين المجرمين وشبكات التوزيع لا تحده حدود سياسية أو قومية أو جغرافية، لذى نرى صلات وثيقة بين مروجي المخدرات سواء بين فلسطينيي (الضفة الغربية-القدس الشرقية – قطاع غزة – فلسطيني 48) وإسرائيليين وحتى مع مروجين إقليميين من منطقة سيناء، حيث يسقط المعيار الديني والقومي ويبقى المعيار الإجرامي الذي يربط بينهم، وبالمنطق التجاري لتجارة المخدرات حين نتحدث عن مكان وطرق التهريب وصولا لبعض كبار مروجي وتجار المخدرات في إسرائيل وفلسطين، ومنهم إلى الموزعين الذين يتعاملون أحيانا مع المتعاطي مباشرة، فإن كل هذا يمثل فهم ومنظور عمل العصابات وموزعي المخدرات، وبالتالي حتى وإن كنّا نتحدث عن تعاون أفراد بين بعضهم البعض، الا اننا نعتبرهم جماعات إجرامية او عصابات او ما يطلق عليه حديثا لفظ مافيا .
3- تنبهت سلطات الاحتلال الإسرائيلي لهذا النشاط وسخرت كل طاقاتها للسيطرة عليه، لتحقيق عدة اهداف وغايات تحدث عنها عبد الجواد صالح بالتفصيل في كتابه ( الاحتلال والمخدرات).
4- ولتحقيق غاياتها واهدافها انتهجت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مجموعة من الوسائل والأساليب والإجراءات والتي سوف نتحدث عنها في هذه النقطة، فعملت على ما يلي:
⦁ تشجيع هذه العصابات على العمل داخل المجتمع العربي والابتعاد عن المجتمع الإسرائيلي، إذ ان هناك تفاهمات ضمنية ولكنها غير معلنة وغير مخفية، وهي ملموسه على ارض الواقع ما بين الجهات الإسرائيلية والتجار الذين يتم القبض عليهم، تنص على أن على التاجر الاكتفاء ببيع المخدرات للعرب دون اليهود إذا ما أراد ان يتم التغاضي عنه وعن نشاطه في الاتجار بالمخدرات ، حيث يهمهم تعاطي العرب للمخدرات للإلهاء، إذ انه حتى لو حاول بعض الأشخاص أو الأهالي أن يعملوا أي شيء ضد تجار المخدرات فيتم حبسهم بتهمة أخذ القانون باليد، وقد تم القاء القبض على عدد من الشباب من الداخل المحتل من الذين حاولوا التصدي لتجار المخدرات لعدة سنوات، ولذلك نلمس ان بعض التجار يمكن أن يستمروا في تجارتهم لسنوات دون ان يتم القبض عليهم ، الأمر الذي يعطي انطباع بأن هذا التاجر لربما لديه تصريح من الإسرائيليين بالبيع، أما إذا ما بدأ التاجر وعبر المحطة أو الوكر في المنطقة العربية ببيع المخدرات لليهود، فخلال فترة قصيرة تكون هذه المحطة مغلقة ويسجن التاجر.
⦁ تسليح هذه العصابات بكافة الوسائل والأساليب لنشر الجريمة المنظمة بين افراد المجتمع العربي، وما نسمعه ونشاهده يوميا في المجتمع العربي في الداخل من جرائم مروعة يندى لها الجبين أكبر دليل على ذلك، ولا تقدم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أي حلول او متهمين لمقاضاتهم.
⦁ مساعدة تجار ومروجي المخدرات للوصول الى مناطق الضفة الغربية لممارسة نشاطاتهم من خلال تواجدهم في مناطق ( C ) او بالقرب من الحواجز العسكرية او بالقرب من المستوطنات، ليكونوا تحت حماية الأجهزة الأمنية الإسرائيلية .
⦁ استبدال الاحكام العسكرية المشجعة على التعاطي والاتجار بالمخدرات والغير رادعة والتي تقتصر على دفع الغرامات المالية والخروج من السجن، بالقوانين الأردنية الصارمة التي كانت سارية في الضفة الغربية قبل احتلالها من القوات الإسرائيلية.
⦁ فتحت الأبواب امام العمالة الفلسطينية القادمة من الضفة الغربية او قطاع غزة بدون شرط او قيد، للسعي الى مزيدا من الاندماج مع المجتمع اليهودي، هذا أدى الى مغادرة عشرات ألوف الشبان الفلسطينيين مقاعد الدراسة، والتوجه إلى العمل داخل إسرائيل، ما سهل من إمكانية الاحتكاك والتواصل مع تجار المخدرات ومتعاطيها الإسرائيليين، الأمر الذي أدى إلى وقوعهم في مستنقع المخدرات والجريمة، والذي كان له الدور البارز في انتقال المخدرات إلى الأراضي الفلسطينية، وتوزيعها وانتشارها بين الشبان الفلسطينيين.
⦁ اتباع سياسة غض البصر وعدم محاسبة من يتاجر بالمخدرات او يوزعها في المناطق العربية سواء في الداخل المحتل او في الضفة الغربية او في القدس الشرقية او في قطاع غزة.
⦁ سياسة التجهيل التي تقودها وزارة المعارف الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية 48 ، حيث ان نسبة كبيرة من الطلبة لا تعرف القراءة والكتابة ولا تعمل الوزارة على إيجاد حلول لمشكلة التسرب من المدارس ،بل على العكس تشجعها من خلال إيجاد عوامل الجذب المتنوعة خارج المدرسة.
⦁ الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع المدمنين في الداخل المحتل وفي القدس الشرقية على انهم حالات شؤون اجتماعية ويقدم لهم الأموال كمخصصات شهرية والتي تصرف على شراء المخدرات.
⦁ الاحتلال الإسرائيلي يتبع سياسة التمييز العنصري في الداخل المحتل في كافة المجالات التربوية والتعليمية والصحية والاجتماعية والسياسية والعمرانية وغيرها من المجالات وهذا يشكل دافع قوي للاتجاه نحو الإدمان على المخدرات.
⦁ الاحتلال الإسرائيلي يمنع الباحثين الفلسطينيين من الحصول على المعلومات الخاصة بظاهرة الإدمان والتعاطي في الداخل المحتل لأسباب امنية.
⦁ يمنع الاحتلال الإسرائيلي افتتاح مراكز لتأهيل وعلاج المدمنين، وتمنعهم من الحصول على تراخيص لإنشاء مثل هذه المراكز وخاصة في القدس الشرقية.
كل ذلك أدى الى اختلاف واختلال المعايير الثقافية والاجتماعية في المجتمع الفلسطيني سواء في مناطق 1948 او مناطق 1967، وهذا أدى الى انحدار بعض عينات من الشباب الفلسطيني نحو الجريمة بكافة اشكالها وخاصة جريمة المخدرات تعاطيا وترويجا وتجارة.
وما نشهده يوميا من جرائم في الداخل المحتل من قتل وسرقة وتهديد وابتزاز لهو خير دليل على ما تم تقديمه سابقا، وان تقاعس أجهزة الامن الإسرائيلية عن التحقيق في تلك القضايا دليل اخر على ان هذا من تخطيط جهات عليا في دائرة صنع القرار في الكيان الإسرائيلي.
كل ذلك من اجل إشاعة الفوضى بين افراد المجتمع الفلسطيني سواء في الداخل او في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، لإشغالهم ببعضهم البعض عن هدفهم العظيم وهو دحر الاحتلال عن الأراضي التي احتلها وتحقيق الاستقلال والحرية.
5- في الانتفاضة الأولى 1987 ولأسباب كثيرة تراجعت أسواق المخدرات في الضفة الغربية وقطاع غزة ولكنها لم تتوقف وكان الاحتلال الإسرائيلي يستخدم المخدرات لإيقاع الفلسطينيين في شبكات التجسس والعمالة ضد المناضلين من أبناء مجتمعهم ونجح في بعض الحالات، الا أن الفصائل الوطنية، في الانتفاضة الفلسطينية الأولى ، لعبت دورا مهما في مواجهة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي عمدت إلى إغراء شبان فلسطينيين بالمخدرات، لإسقاطهم أمنيا، حيث استطاعت الفصائل أن تسجل إنجازاتٍ كثيرة في محاربة المخدرات وغيرها من الجرائم الأخرى، كالرذيلة والسرقات ونشر الخوف والقلاقل والفتن في المجتمع الفلسطيني، على الرغم من أن معظم نشاطاتها وأعمالها وفعالياتها كانت تتم سراً، وقد حققت إنجازات كثيرة، في ظل غياب أية سلطة وطنية فلسطينية، ولا أجهزة أمنية، حيث كانت المنطقة برمتها خاضعة لسيطرة الأجهزة الأمنية والمخابراتية الإسرائيلية وتحكّمها.
6- وفي 1993 استغل الاحتلال الإسرائيلي اتفاقية اوسلوا لتصنيف بعض أراضي الضفة الغربية الى ما يسمى مناطق ( C ) والتي تخضع من الناحية الأمنية لسيطرته وقد استغلها اسوء استغلال ، حيث أصبحت مرتعا للمروجين والتجار والمزارعين للمواد المخدرة بدعم وحماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي وهيأ بيئة لتجار المخدرات لتوسيع رقعة الترويج والاتجار.
7- استغلال الاحتلال الإسرائيلي للاتفاقيات الموقعة بينه وبين السلطة الوطنية والتي تتلخص في عدم قدرة السلطة على ملاحقة أو اعتقال حملة بطاقات الهوية الإسرائيلية الذين يقومون بإدخال المخدرات إلى المناطق الفلسطينية.
8- عمل الاحتلال الإسرائيلي على اضعاف الأجهزة الأمنية الفلسطينية بكافة تشكيلاتها وخاصة إدارة مكافحة المخدرات ومنعها من القيام بعملها وقام بحماية التجار والمروجين من أجهزة الامن الفلسطينية.
9- الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على معظم الأراضي الفلسطينية بشكل كامل ويتحكم بكافة مجالات الحياة فيها الاقتصادية والامنية والسياسية وغيرها من المجالات، ويتحكم بجميع الحدود والطرق الخارجية ويسهل عمليات الزراعة والاتجار والترويج للمخدرات بكافة اشكالها وانواعها.
10- يشجع الاحتلال الإسرائيلي على انتشار ما يسمى المخدرات القانونية والمخدرات الكيماوية في الداخل المحتل وفي مناطق القدس الشرقية من خلال سن بعض القوانين التي تجيز استخدام بعض أنواع المخدرات وبكميات محددة.
11- يعمل الاحتلال الإسرائيلي وبالتنسيق مع المستوطنين في مستوطنات الضفة الغربية لترويج المخدرات في المناطق الفلسطينية وخاصة في المدن الواقعة على الطرق الالتفافية. وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية والقناة الإسرائيلية العاشرة قد نشرتا تقارير، أشارت فيها إلى تحول مستوطنات الضفة الغربية أوكار ومراتع للمخدرات والحشيش، وذلك بحكم وجود عشرات ألاف العمال الفلسطينيين في المستوطنات، وأصبح نقل تلك المخدرات والحشيش إلى المناطق الفلسطينية أكثر يسرا، في وقتٍ حقق فيه تجار جشعون أرباحا مالية طائلة، في ظل شعورهم بالأمن والأمان، لعدم قدرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على الوصول إليهم.
12- يعمل الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة وفي ظل حرب الإبادة التي يمارسها على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية على تشجيع جرائم المخدرات من تعاطي الى تجارة الى زراعة الى ترويج، ففي الضفة الغربية تم اكتشاف شحنة من حبوب الكبتاجون وتمت تعبئتها في أرجل طاولات خشبية جاءت من تركيا، ومرت بمواني، وتعرضت لإجراءات فحص أمنية، ومن ثم نقلت عبر حدود، ووصلت إلى الضفة الغربية، وكان من المخطط لها أن يعاد ترتيبها وشحنها لتمر بحدود وموانئ أخرى حتى تصل إلى قطاع غزة، وهذا دليل على دور الاحتلال في نشر المخدرات في الضفة الغربية ويتهاون في الكشف عن المخدرات، وإلا كيف نفسر وصول الشحنة للضفة بعد أن مرت في ميناء حيفا، ومن ثم دخلت عبر الحدود للضفة، ومن ثم كان يراد لها أن تنقل عبر معبر ترقوميا في الخليل لتستقر في القطاع.
13- حتى قطاع غزة وهو تحت الإبادة الجماعية لم يسلم من نشر المخدرات فيه من خلال قوات الاحتلال الإسرائيلي وما نشر على موقع “واللا العبري” خير دليل على ذلك ، حيث افاد انه وفي خضم العمليات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة في مايو من عام 2025، أعلن عن تفكيك شبكة تهريب ضمت جنوداً وضباط في الخدمة النظامية ومدنيين، لقيامهم بنقل مخدرات الى قطاع غزة وذلك بعد تحقيقات استمرت نحو شهرين، تشمل مواد محظورة كالسجائر والمخدرات.
14- يتعمد الاحتلال الإسرائيلي على اقتحام المدن في الضفة الغربية وتدمير البنية التحتية وإتاحة الفرصة امام الطابور الخامس لنشر وبيع المخدرات تحت ظلال بنادق المحتل الإسرائيلي، حيث تماهت اجندتاهم مع اجندات المحتل الإسرائيلي الذي يريد اغراق المجتمع الفلسطيني في غزة والضفة الغربية بالمخدرات.
15- يحاول الاحتلال الإسرائيلي بشكل مستمر زعزعة النسيج الاجتماعي الفلسطيني في الداخل المحتل وفي الضفة الغربية وفي قطاع غزة وفي القدس الشرقية، فساهم وبشكل فعال في ترويج المخدرات الحديثة والمخدرات القانونية وحبوب الهلوسة بين الشباب الفلسطيني بهدف إتلاف أموالهم، وجرهم إلى الضياع والدمار، وإبعاد أنظارهم عن الأخطار الإسرائيلية.
16- وظف الاحتلال الإسرائيلي امكاناته المالية والفنية والتكنولوجية الضخمة لبناء عددا من تلك المشاتل الكبيرة والضخمة، والتي تؤكد أن إنجازها استغرق سنوات، وبمشاركة جماعية ترتقي إلى العصابات الكبرى، حيث تم الكشف عنها في الأسابيع القليلة الماضية، عندما ضبطت الأجهزة الأمنية الفلسطينية المشاتل في مناطق ( C) (A) ، حيث لا يمكن أن تتم بدون المشاركة والمساعدة من قبل الإسرائيليين، أو أضعف الإيمان غض البصر الأمني الإسرائيلي عنها.


وفي الخلاصة نقول ان الاحتلال الإسرائيلي وبتوجيهات من القيادة السياسية العليا، يعمد إلى استخدام كافة الأساليب المتاحة التي من شأنها تدمير وتفتيت المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل وفي الضفة الغربية وفي قطاع غزة وفي القدس الشرقية ، ومن بين هذه الأساليب إغراق الشارع الفلسطيني بالمخدرات بأشكالها وأنواعها المتعددة، من خلال ترحيل داء المخدرات إلى مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة ، ويعمل على تسهيل ترويجها والاتجار بها، واستنباتها، وزراعتها، وتصنيعها، بهدف إسقاط وتدمير عنصر الشباب، وجره إلى عالم الجريمة بكافة أشكالها؛ وبالتالي سهولة السيطرة على المجتمع الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، هذا بالإضافة تحقيق المكاسب المالية الطائلة التي يجنيها من هذا الباب، فدولة الاحتلال تعدُّ من أكثر الدول المنتجة للمخدرات إقليميًا.


وقد تحدثنا سابقا في مقالة بعنوان ( تحديات جهود الوقاية والمكافحة من المخدرات والمؤثرات العقلية في فلسطين في ظل الاحتلال الإسرائيلي ) عن المعيقات والتحديات التي تعيق جهود الوقاية والمكافحة من جرائم المخدرات في المجتمع الفلسطيني والمرتبطة ارتباطا وثيقا بوجود الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية تبدأ من اتفاقية أوسلو مرورا بالوضع الاقتصادي والسياسي والأمني والقانوني وغيرها من الأمور.


ورغم الصعوبات التي تواجه دولة فلسطين في هذا المجال الا انها تسعى دائما لمحاربة هذه الآفة، وقد تحدثنا سابقا في مقالة بعنوان ( إجراءات وجهود دولة فلسطين محليا ودوليا في الوقاية والمكافحة من المخدرات والمؤثرات العقلية ) عن الجهود الكبيرة والحثيثة ، محليا ودوليا والتي تقوم بها دولة فلسطين في الوقاية والمكافحة لآفة المخدرات وجرائمها وذلك التزاما منها لتكون عضوا فاعلا في المجتمع الدولي، تعزز جهوده في مكافحة آفة المخدرات ومواجهة مشكلة المخدرات العالمية.


وكذلك رغم القيود التي تواجه الأجهزة الأمنية الفلسطينية في السيطرة الكاملة على هذه الظاهرة، إلا أنهم لم يألوا جهدًا في ملاحقة من يعبثون بأمن الوطن ويتسببون في نشر هذه الآفة ، بحيث يواصلون الليل بالنهار من أجل إلقاء القبض على المطلوبين والمتورطين فيها، سواء ترويج وتجارة أو زراعة أو تصنيعًا أو تعاطيًا، من خلال نصب الكمائن أو المراقبة الدائمة والحثيثة للمناطق التي يتم الشك فيها، ومن خلال التعاون مع المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني، ويلاحظ ذلك من خلال الكم الهائل من أعداد مشاتل ومستنبتات زراعة المخدرات التي تم ضبطها في مختلف المحافظات الفلسطينية، التي احتوت على عشرات الآلاف من الأشتال المخدرة، وخاصة من مادة الحشيش والقنب الهندي المهجن، والماريجوانا، بالإضافة إلى أعداد من المصانع والمختبرات المنتجة والمصنعة لها.


مع تأكيدنا على ان الشرطة الفلسطينية وخاصة إدارة مكافحة المخدرات وبإسناد المؤسسة الأمنية وبتعاون واضح مع المواطنين الشرفاء، تسعى وبشكل جاد لمحاربة ظاهرة تعاطي المخدرات والحد منها، معتمدة في سعيها لذلك على عقيدة وطنية تؤمن من خلالها بضرورة المحافظة على ابناء الشعب الفلسطيني في ظل الاستهداف الكامل له من قبل الاحتلال الاسرائيلي في الداخل المحتل وفي قطاع غزة وفي الضفة الغربية وفي القدس الشرقية.


والمطلوب من الكل الفلسطيني وضع استراتيجية وطنية فلسطينية شاملة، تشارك فيها مؤسسات السلطة الأمنية والخدماتية والفصائل كافة، ومؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات الشبابية الأخرى، والمدارس، والجامعات، والمساجد والمؤسسات الإعلامية المختلفة، ومراكز التأهيل والإصلاح، وإعلان الحرب على العملاء، وتجار المخدرات ومروجيها، لاجتثاث هذه الآفة التي تهدد المجتمع الفلسطيني، وباتت خطرا جدّيا على تماسكه ومناعته وصموده، وكنا قد تحدثنا عن هذه الاستراتيجية سابقا في مقالتين- الاولى بعنوان ( الجهود الأمنية لا تكفي للوقاية والمكافحة من ظاهرة تعاطي المخدرات في فلسطين) والثانية بعنوان ( آفة المخدرات خطر داهم.. مكافحته واجب وطني وأخلاقي ) .


إلا أننا على يقين ان الشعب العربي الفلسطيني سوف يحجم ظاهرة تعاطي المخدرات والاتجار بها وزراعتها رغم كل تلك العوامل الجاذبة ورغم الأساليب والإجراءات والوسائل التي تنتهجها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وبتوجيهات من مراكز صنع القرار في الدولة الصهيونية ، وذلك بسبب قيّم الشعب الفلسطيني ومناعته الداخلية وضوابطه الدينية والأخلاقية والاجتماعية، ولكن رغم ذلك لا بد ان ترتقي مكافحة الشعب الفلسطيني للمخدرات الى مستوى مقاومة الاحتلال، وعليه فإن الجهود والطاقات الرسمية والخاصة يجب ان تنصب حول الربط بين انتشار تعاطي المخدرات بين الفلسطينيين واستمرار بقاء الاحتلال.

  • – الدكتور خالد أبو ظاهر – جامعة الاستقلال – فلسطين

شاهد أيضاً

استشهاد الفتى ريان ثامر حوشية برصاص الاحتلال في بلدة اليامون غرب جنين

استشهاد الفتى ريان ثامر حوشية برصاص الاحتلال في بلدة اليامون غرب جنين

شفا – استشهد الفتى ريان ثامر حوشية 15 عاماً، برصاص قوات الاحتلال الاسرائيلي في بلدة …