
ماذا سيحدث في شرق أوسط جديد؟ بقلم : محمود جودت محمود قبها
قراءة في التحولات القادمة ومصير شعوب المنطقة
منذ أكثر من قرن والشرق الأوسط يشهد تحولات جذرية تبدأ بثورات وتنتقل إلى حروب تمرّ بانقلابات وتصل إلى تطبيع وتحالفات متغيرة ومع بداية الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين يتزايد الحديث عن “شرق أوسط جديد” لا على مستوى التحليل السياسي فقط بل كعنوان رسمي للمرحلة المقبلة تتبناه قوى إقليمية ودولية.
لكن ماذا يعني هذا الشرق الأوسط الجديد؟ ومن الذي يخطط له؟ وهل سيكون أفضل من سابقه؟ وما موقع الشعوب والقضية الفلسطينية، ومحور المقاومة من هذه التحولات؟ هذا المقال محاولة لقراءة سيناريوهات المستقبل القادم في ضوء الواقع المركب والمعقد للمنطقة.
أولًا: من يُشكّل الشرق الأوسط الجديد؟
الشرق الأوسط الجديد لا يُشكّل من طرف واحد فهناك أكثر من قوة تسعى لصياغته حسب مصالحها:
الولايات المتحدة وإسرائيل: تسعيان لإعادة ترتيب المنطقة وفق رؤى أمنية واقتصادية تخدم “أمن إسرائيل” أولًا من خلال اتفاقيات التطبيع وتكوين تحالفات ضد إيران ومحور المقاومة.
إيران ومحور المقاومة: لديهم مشروع بديل يقوم على دعم المقاومة ورفض التبعية الغربية ومحاولة كسر الحصار المفروض على قوى التحرر في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن.
تركيا و قطر : تسعيان للعب أدوار متقدمة بالجمع بين النفوذ السياسي والاقتصادي والديني في ظل تراجع الثقة بالأنظمة التقليدية.
روسيا والصين: تحاولان الدخول كلاعبين جدد عبر الاستثمار والعقود العسكرية والبنية التحتية وتقديم بدائل للتبعية للغرب.
من هنا يتبين أن الشرق الأوسط الجديد ليس مخططًا واحدًا بل ساحة صراع مشاريع متناقضة كل منها يسعى لفرض رؤيته على شعوب المنطقة.
ثانيًا: فلسطين وموقعها من التغيرات
رغم محاولات التهميش تبقى القضية الفلسطينية هي قلب الشرق الأوسط الجديد لأنها تمثل معيارًا أخلاقيًا وسياسيًا لما إذا كان التغيير في صالح الشعوب أم ضدها في الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى له بعض الأنظمة تُحوّل فلسطين إلى قضية إنسانية أو مجرد “نزاع قابل للحل” لكن في مشروع المقاومة تبقى فلسطين قضية تحرر وكرامة وهوية عربية وإسلامية.
ومع تنامي قدرات فصائل المقاومة في غزة والضفة الغربية وتزايد عمليات الاشتباك الشعبي والعسكري يبدو أن فلسطين لن تكون ملفًا قابلًا للإغلاق بل حجر عثرة أمام أي نظام إقليمي يتجاهل العدالة والحق التاريخي للشعب الفلسطيني.
ثالثًا: مصير الشعوب بين الأمل والخوف
الشعوب العربية وخاصة الشباب لم تعد كما كانت قبل عقدين بعد الربيع العربي ورغم الانتكاسات أصبحت الشعوب أكثر وعيًا بمصالحها وأكثر جرأة في التعبير عن رفضها.
لكن رغم هذا الوعي فإن التحديات كبيرة:
أنظمة استبدادية تسعى للبقاء بأي ثمن حتى لو كان ذلك على حساب حرية الشعوب أو تحالفها مع الاحتلال.
وضع اقتصادي متردٍ يهدد استقرار المجتمعات ويزيد من نسب البطالة والفقر.
تهديدات مناخية وبيئية مثل نقص المياه وارتفاع درجات الحرارة ما يهدد الأمن الغذائي والسكاني.
كل هذه العوامل تضع الشعوب أمام خيارين إما أن تكون حاضرة في صياغة مستقبلها أو أن تُفرض عليها أنظمة وهياكل تخدم مصالح الآخرين.
رابعًا: نحو شرق أوسط متعدد الأقطاب؟
الشرق الأوسط الجديد لن يكون شرقًا تحت سيطرة قطب واحد كما كان في السابق نحن أمام منطقة متعددة الأقطاب والنفوذ:
لن تعود واشنطن قادرة على فرض إرادتها وحدها دول الخليج أصبحت أكثر جرأة في بناء علاقات مع الصين وروسيا.
محور المقاومة أصبح لاعبًا لا يمكن تجاهله خصوصًا بعد الانتصارات المعنوية والعسكرية التي حققها.
القوى الصاعدة مثل تركيا وإيران تحاول فرض نفوذها الإقليمي بعيدًا عن الهيمنة الغربية.
هذا التعدد في القوى قد يؤدي إلى مزيد من التوتر لكنه في الوقت ذاته يفتح نافذة لاستقلال القرار العربي إذا ما استغلت الشعوب ذلك بحكمة.
خامسًا: سيناريوهات المستقبل
السيناريو الإيجابي: تفرض الشعوب إرادتها ويُعاد ترتيب العلاقات الإقليمية على أسس العدالة وتحرير فلسطين وبناء أنظمة تمثل الشعوب.
السيناريو السلبي: مزيد من التفكك وانهيارات اقتصادية وفرض تطبيع كامل مع الاحتلال وتصفية القضية الفلسطينية تدريجيًا.
السيناريو الواقعي: استمرار التوازن بين المشاريع المختلفة مع صراع بارد ومجالات للتقدم في بعض الدول وانتكاسات في أخرى مع استمرار المقاومة كقوة ردع وحفظ للكرامة.
الشعوب تصنع شرقها الجديد
الشرق الأوسط الجديد يُكتب الآن ليس فقط في غرف السياسة بل في الشوارع والمخيمات والجامعات وعلى جبهات المقاومة من يعتقد أن التاريخ يُصنع فقط في المؤتمرات مخطئ فالمستقبل تصنعه إرادة الشعوب وكرامة المقاومين ووعي الجيل الجديد.
ويبقى السؤال:
هل سيكون الشرق الأوسط الجديد مشروع حرية… أم خارطة جديدة للهيمنة؟
الجواب لا تحدده أمريكا ولا إسرائيل بل تُحدده أصواتنا، ودماؤنا، وثباتنا على الحق.
باحث في درجة الدكتوراه في العلوم السياسية و العلاقات الدولية