
العيد الأخير في غزة ، بقلم : ميمنة الرجبي
بالأمس كانت الشوارع تضجّ بالمُشاة ، هكذا كانت الأمسيات في هذا الحي الذي بالرغم من فقر سكانه إلا أنهم كانوا يستلذّون الطعام ويعّدونه طيبًا حتى أياديهم مباركة وإن صافَحْتَهم دخلت السكينة إلى قلبك .
أما الآن فلا الليل ليل ولا الأرض أرض ، كل شيء كأن لم يعد له وجود ، حتى السماء يوم أمس لونها يختلف عن أي لون آخر ترى ما الذي حدث ليحل علينا سخط بهذا القَدْر ؟ ربما قد أسأنا إلى الله حتى عاقبنا هذا العقاب القاسي كل معالم المحلات التجارية اختفت ، حتى الرسوم التي على الأزقة الخلفية لبيتنا الصغير لم يتبقَ لها أثر ، والرفاق لا أعلم أين هم ، كنا قد أخذنا في حفلة عيد الميلاد صورة جماعية لقد كانت قهقهاتنا تنبئ عن أمر جلل هل هذه آخر مرة سنلتقط لنا صورة؟ أم آخر مرة سنلتقي ؟ أم أن لعنة ما قد أدت غرضها في أن نكون نحن ضحاياها ؟
لم يخطر على بالي هذا عندما استيقظت على رفات الموتى من تحتي ولا عندما حاولت بكل قواي أن أدرك الحدث ، حجارة البيوت على الأرض حتى أنني عندما سمعت دوي الانفجارات تراءت إلى مسمعي صرخات الأيامى وما إن تحركت لأفعل ما بوسعي وجدت أن ما بيني وبين العائلة ميلان أو ثلاثة ، انتابني ألم فظيع وصدفة وضعت يدي على منبع الألم الذي في ّ حتى وجدت أن الحجارة في بطني قد توغلت إلى الأعماق ؛ فسحبت يدي حتى وجدت أنني فقدت اليد الثانية لم أفعل حينها شيئًا من العجز الذي قد سيطر عليّ إلى جانب بطء استيعابي ، وبعدها زِحت نظري إلى اليمين قليلًا فما لبثت أن رأيت أمي صفراء ووجها مشوه ، ليس لديّ سوى يد واحدة وضعتها على وجهها بعد معاناة شديدة من التحرك ؛ لأن الحجارة مزّقت جسدي فإذا بها ساكنة قلت أقبل رأسها وأتأكد أنها على قيد الحياة ولكنّ آمالي خابت إذ كنت قد فقدت مأمني فالحياة بأكملها لا تعنيني أي شيء.
ميمنة الرجبي
نادي أحباب اللغة العربية الفلسطيني