
“إلى حيث لا أكون” بقلم : شهيرة مأمون
(1)
هل كان صعبًا لهذه الدّرجة؟
شعورٌ فتقَ قلبي، جعلني أحسُّ بأنّي في عوالمَ أخرى..
هل هذا شيءٌ خياليّ؟ بل حقيقة.. نعم نعم إنّه حقيقيٌّ يُرى، بل ويُلمس!
كيف لقلبي أن يفعل هذا بي؟ لقد حفّظته مرارًا أهمّية حماية نفسه من كلّ ما هو خارجيّ، حدّثتهُ طويلًا كم أنّ الحبّ مؤلم، وأنّه لا يناسبنا.. أخذتُ منه عهدًا، وأخلَفَه!
الليلة الماضية كتبتُ:
“أُسائلُ فؤادي: ماذا تنوي؟ أتخونُ عهدًا قائمًا بيننا! وبكلّ بساطات الدُّنى.. أريدُ أن أعرف، هل حقًا أحببتَ؟!
وربّما عجبي الأعظم، ومصابي الجلل أنّي لم أعهد أنّي نلتُ ما اعتصرت روحي من أجله، لم تكن العقَبة بِـ”مَن” بل بِـ”لماذا” وهذا طبيعيٌّ بالنّسبةِ لي، فعادةً ما أخوضُ حواراتٍ قاسيةً مع نفسي البليّة حولَ الهدف من وجودي (لماذا أنا هنا)، والكثير من “لماذا” التي أختمها بعباراتٍ تحرقُ روحي، وأعرفُ أنّي لا أحترقُ فحسب.. بل وأحرقُ كلّ ما أحبّ، لذلكَ أبعدُني عن مسمّى الحبّ، أهربُ منه، أجفلُ عند سماع أيّ حركَةٍ تخصّه، لكنّي اليوم وقعتُ، واحترقتُ، وابتعدتُ؛ كي لا أحرقَ…”
فيما مضى كتبتُ:
“… آسى على نفسي وأحزن، أغضبُ ولا أجدُ من أفرّغُ عليهِ سخطي سوى جسدي المسكين!
لا أُنكرُ أنّي مؤخرًا أدركت، بأنّي تعلّمتُ كيف أضحكُ على أحزاني، وكيف أقلقُ لوحدي، وكيف أقنعُهم بأنّي نائمةٌ وأنا غريقةٌ بينَ عبَراتي وشقائي..
نعم، ما زالت بعضُ الآثار تظهرُ جليًّا على ملامح وجهي، حبوبٌ لا زالت منثورة، شفةٌ مشقّقة، عينانِ ذابلتان، سوادٌ قبيحٌ يلتفُّ حولهما.. أعرف جيّدًا وأفهم ذلك..
وأعرف أيضًا أنّي فوضويّة، حتّى في عرضِ أفكاري، هذا طبعي ماذا عسايَ أفعل؟ ولا أعجبُ إن سمعتُ أحدهم ينعتني بالغريبة، معتادةٌ على سماعها، لم تعد تؤثّر بي فأنا متصالحةٌ مع معظم تفاصيلي العجيبة.”
هذه اللّيلة أكتبُ:
“لم أقدر على الابتعاد، شيءٌ به يشدّني، وإنّي لعلى يقينٍ بأنّه يسحبني إلى غيابةِ الأسى، وما حيلتي وأنا مبتلاةٌ بقلبٍ تُيّمَ هوًى بمَن لا أعرفُ سبب اختياره!
وبالمناسبة، كنتُ أسمعهم يحتارون بِـ” هل نحن من نجدُ الحبّ أو هو من يجدنا حقًا؟”
ربّما حيرةٌ لا طائلَ منها، لأنّي وبغضّ النّظر عمّن وجدَ الآخر بقيتُ أسيرةَ الحسرة، ولا أجدُ إجابةً أمام نفسي عن حُكمي المُسبَق لحالتي هذه.. ولا أريدُها.
أرغب الآن بأن أبقى منزويةً، من دون قلبي، وحتّى عقلي..
أن أكونَ خاويةً مفرّغةً من كلّ ما يخصّ الحياةَ من حياةٍ.”
ليست النّهايةُ بعد…
(2)
الآن، وفيما بعد المجهول، جهلتُ أكثر، ولم أستطع تحديدَ موقفٍ حتّى، كأنّي لا أستطيعُ فهمًا بعد ذلك! شعرتُ بيأسٍ محبط، كأنّما كلّ شيء اتفقَ أن يدعوني للجنون..
أعلنتُ أنّها ليلة انهياري،
وحدي..
ثمّ وحدي كنتُ أتلوّى هنا من الحزن!
وحدي من تأذّى هذه المرّة،
وحدي من تعست،
ولأوّل مرّة أشعرُ بأنّي تحطّمتُ دفعةً واحدة،
حتّى أنّ الوقت لم يسعفني لأن أُفهم نفسي ما جرى
كلّ شيءٍ بي كان يبكي..
عينيّ
جوارحي
قلبي
حتّى روحي، لأوّل مرّة شعرتُ بها،
شعرتُ بأنّها تصارعُ لتخرج من فرطِ ما أحسّت به
كيف للإنسان أن يشعرَ بروحه تتألّم؟
لا أدري، كلّ الذي أعرفه أنّها آلمتني، حدّ القهر!
من نفسي
منك
من كلّ شيء
من الحياة!
آهٍ لو ينتهي هذا العذاب
وأعود لما كنتُ عليه
من تفاهةٍ مفرطة
وقلبٍ لا يأبه
وعقل متحجّر لا يهمّه حتّى نفسه…
هذه المرّة لم أحرق من أحبّ،
هذه المرّة أحرقتُ نفسي
نفسي وحسب!
أستطيع أن أشعر بجحيمِ احتراقي
أستطيع رؤية رمادِ روحي
هذه جثّتي التي احترقت..
وانتهى.
- شهيرة مأمون
نادي أحباب اللغة العربية الفلسطيني