6:45 مساءً / 18 يونيو، 2025
آخر الاخبار

الالكسيثيميا ، حين تفقد المشاعر صوتها ، بقلم : هنادي طلال الدنف

الالكسيثيميا.. حين تفقد المشاعر صوتها ، بقلم : هنادي طلال الدنف

الالكسيثيميا.. حين تفقد المشاعر صوتها ، بقلم : هنادي طلال الدنف

في خضمّ الأزمات والنكبات التي يعيشها الفلسطيني، قد يتسلل إلينا نوع من الألم لا يُرى، ولا يُبكى عليه، ولا يُحكى عنه. ألم صامت، يتخفّى خلف عبارات مثل: ما إلي نفس، أو مش عارف شو حاسس، أو ذلك الصمت الثقيل الذي يسبق الانفجار. نحن لا نتحدث هنا عن الاكتئاب أو القلق، بل عن حالة أقل شهرة وأكثر شيوعًا مما نتصور: الالكسيثيميا، أو ما يُعرف بعُسر التعرّف على المشاعر.

الالكسيثيميا هي حالة نفسية يعاني فيها الإنسان من صعوبة في تمييز مشاعره، وفهمها، والتعبير عنها بالكلمات. قد يشعر الشخص بشيء داخلي يُثقله، لكنه لا يعرف إن كان حزنًا، غضبًا، خوفًا، أم مجرد فراغ. في السياقات التي تتوالى فيها الصدمات بلا فُسحة للتعافي، قد تتحول هذه الحالة إلى وسيلة بقاء. حين يُجبر الإنسان على التحمل المستمر، دون مساحة للراحة أو التفريغ، تبدأ المشاعر بالانطفاء، أو التجمّد، وتصبح كأنها ضباب داخلي لا يُرى ولا يُمسك.

الذين يعيشون هذه الحالة لا يفتقرون إلى المشاعر، بل يفتقرون إلى اللغة التي تعبّر عنها. قد تجد أحدهم يبكي فجأة دون أن يعرف لماذا، أو يعاني من صداع مزمن، أرق، آلام في الجسد، وربما نوبات هلع… دون أن يربط ذلك بما يعيشه داخليًا. الطفل الذي كبر وسط الدمار، والمراهق الذي لم يُسمح له بالبكاء، والأم التي كتمت وجعها لتبدو قوية أمام أطفالها — جميعهم يعيشون هذا النمط الصامت من الألم، دون أن يسمّوه.

تتعدد أسباب الالكسيثيميا، منها ما يرتبط بالطفولة الصادمة أو النشأة في بيئة لا تعترف بالمشاعر، ومنها ما يتعلّق بأساليب تربية تعتبر البوح بالضعف عيبًا. أحيانًا، تكرار الصدمات يجعل الدماغ يفصل المشاعر عن الوعي، كوسيلة لحماية النفس. وهناك أيضًا عوامل بيولوجية تتعلّق بكيفية معالجة الدماغ للمشاعر. في المجتمعات التي تتعرض لصدمات جماعية متكررة، وتُجبر أفرادها على التحمّل بدل التفريغ، يصبح من المفهوم تمامًا أن تنتشر هذه الحالة بصمت بين الأطفال واليافعين والبالغين.

لكن هناك طريقًا للخروج من هذا الصمت. والخطوة الأولى تبدأ بالاعتراف: الاعتراف بأن هناك شيئًا بداخلنا نجهله، لكنه موجود. يمكن التخفيف من هذه الحالة عبر العلاج النفسي، وخصوصًا العلاج المعرفي السلوكي، الذي يساعد الشخص على تسمية مشاعره وتفكيكها. ويمكن للتعبير الفني، أو الكتابة، أو حتى الرقص والحركة، أن تفتح أبوابًا داخلية مغلقة. التعافي ليس سهلًا، لكنه ممكن، وخاصة حين يكون هناك مختصون يفهمون هذه الحالات، ومجتمع يرحّب بالمشاعر بدل أن يُخزيها.

نكتب عن هذا اليوم لأننا، وسط واقع ضاغط يُجبرنا على الركض خلف لقمة العيش والدواء والمأوى، لا يجب أن ننسى أننا نحتاج أيضًا إلى شفاء داخلي. نحتاج إلى مساحة نشعر فيها، لا أن نعيش بنصف قلب. الجيل القادم يستحق أن يكبر وهو يعرف كيف يسمّي حزنه، كيف يعترف بخوفه، وكيف يبكي دون أن يُقال له “عيب”.

في ظلّ كل ما نفقده في معاركنا مع الخارج، لا يجوز أن نخسر أنفسنا من الداخل. فلنمنح أنفسنا لحظة صدق… لا هروب فيها ولا كبت. لحظة نستمع فيها لما لا يُقال، لما لا يجد اسمًا… لما نحمله في صدورنا من دون أن نعرف له طريقًا للخروج.

وربما تكون البداية بجملة بسيطة تقول:
أنا لا أفهم تمامًا ما أشعر به… لكنني أريد أن أعرف.

شاهد أيضاً

7 شهداء بينهم طفل في قصف الاحتلال مخيم البريج وسط قطاع غزة

7 شهداء بينهم طفل في قصف الاحتلال مخيم البريج وسط قطاع غزة

شفا – استُشهد 7 مواطنين، بينهم طفل، وأصيب آخرون بجروح، إثر قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي …