4:12 مساءً / 18 يونيو، 2025
آخر الاخبار

تجريد الحب من الزيف ، بقلم : إيمان مرشد حماد

تجريد الحب من الزيف ، بقلم : إيمان مرشد حماد

تجريد الحب من الزيف ، بقلم : إيمان مرشد حماد


ما أكثر ان يتحدث الناس عن الحب بمفهومه الواسع وجوانبه المتشعبة، ولكن هل حقا يفهم الناس الحب بمعناه العميق البعيد عن التنظير والإنشاء والاقتباسات الأدبية النظرية؟! أم أن لدينا مفهوم سطحي عن الحب مفرغ من محتواه الحقيقي التطبيقي؟!

وعند الحديث عن الحب تبرز لنا قصص الحب الاستثنائية التي أخذت طابعاً ادبياً شعرياً فمن قيس وليلى، إلى جميل بثينة وإلى عنترة وعبلة ، وفي التراث الغربي تجد الشاعر الإيطالي بترارك ومحبوبته لورا اما القصة الأشهر على الإطلاق فهي قصة روميو وجولييت والتي استقاها شكسبير من مصادر متعددة واهمها “التاريخ المأساوي لروميو وجولييت” ، وهي قصيدة سردية طويلة كتبها الشاعر الإنجليزي آرثر بروك عام ١٥٦٢، واستند في قصيدته إلى ترجمة فرنسية لحكاية للكاتب الإيطالي ماتيو بانديلو.

وبغض النظر عن المصدر الحقيقي للمأساة الشكسبيرية يبقى هناك سؤال عالق في ذاكرتي منذ ان قرأتُ هذه المسرحية منذ سنوات عديدة ، وأود كثيراً ان يسأله كل من يتخذ روميو و جولييت انموذجاً للحب ألا وهو: هل حقاً احبَّ روميو جولييت ؟! أم أن حبه كان انجذاباً شديداً لجمالها الآخاذ وحسب ، وهل أحبت جولييت روميو حبا متكاملاً يتجاوز الانجذاب والرغبة في الاستقلال عن أهلها فيما يتعلق باختيار زوجها المستقبلي في محاولة منها للتمرد على تزويجها قسراً للكونت باريس مما دفعها للتضحية النسائية المعهودة عند الدخول في علاقة جدية.

للإجابة على هذا السؤال الجوهري لا بد من التفكير العميق في تفاصيل المسرحية. عند وقع روميو و جولييت في الحب كان روميو في ربيعه السادس عشر ، وكانت جولييت تستقبل عامها الرابع عشر مما يضع سؤالاً منطقياً حول اهليتهما لاتخاذ قرارات متعلقة بقرار مصيري كالزواج. ثانيا، قبل رؤية جولييت كان روميو يحب روزلين وكان يشكو الم هيامه للراهب لورانس، وبعدها بفترة وجيزة ذهب إليه وأخبره عن حبه لابنة عدو عائلته جولييت مما أثار حفيظة الراهب ودفعه للقول:” إني أرى أن حُب الشباب يقع في العين وليس في القلب ” بمعنى انه حب للمظهر وليس للجوهر. وبعدها مباشرة تزوج روميو بجولييت.

تفاصيل الزواج نفسها تدل على حجم تضحية جولييت . فهي الفتاة التي خرجت عن تقاليد أسرتها وهي التي وفرت مسكن الزوجية في بيتها بالاتفاق مع مربيتها وهي التي كانت ستتحمل العقوبة لو كُشِف الأمر حينها وهي التي كانت ستحمل العار لو أثمر هذا الزواج عن طفل، وهي التي شربت الخلطة المنومة التي كان يمكن أن تودي بحياتها لأن قلبها قد توقف ، وهي التي نامت في قبر بارد موحش، وحتى عند الانتحار روميو شرب السم اما هي فانتحرت بطريقة أكثر عنفا وهي الطعن بالخنجر. اما روميو فقد قدم شِعره وكلماته المعسولة وجثة ابن عم جولييت ( الذي كان بمثابة اخ لها) الذي قتله بعد يوم واحد ثارا لصديقه .

من هنا نقول هل الحُب هو كلمات منمقة وأبيات موزونة من الشعر؟ لو كان كذلك لكان روميو وأشباهه هم الأكثر حباً. اما لو كان افعالاً وتضحية فإن جولييت واشباهها من النساء هن الأكثر حباً.

خلاصة القول، الحب ليس كلمة تُقال وليس هدية ثمينة ، ولا وعد يتم نقضه بعد الزواج ولا مجرد استقبال تضحيات من الطرف الجياش المشاعر بينما يكتفي الطرف الآخر باقناع شريكه ان هذا هو الحب وعلى العلاقة ان تستمر بهذه التنازلات. الحب لا يمكن أن يقبل التنازلات من طرف واحد، ولا يمكن أن يكون حقيقيا بالأذى النفسي ولا العاطفي ولا الجسدي مثلما نسمع في بعض القصص. لا يمكن أن يكون محباً من يبخل بالمشاعر أو المال أو الكلمة الطيبة بحجة الإنشغال. المحب لن يسمح بدموع من يحب أو معاناته .


الحب بمفهومه الواسع الذي لا ينحصر بين رجل وامرأة هو عطاء من طرفين ولا يمكن أن يكون من طرف واحد -طبعاً إلا في الحب الذي يكون أصلاً من طرف واحد- وهذا ليس حباً بل هو استغلال ، الخب هو شعور بالآخرين الذين نحبهم ورغبة في مساعدتهم والبقاء إلى جانبهم في أوقاتهم الصعبة ليس باعتباره واجباً بل باعتباره شعوراً نابعاً من اعماق القلب. الحب هو ان نربت على الآخرين بحنان في لحظة انكسار وهو احتواء في لحظات الضعف وليس إسقاط واجب أمام الناس.

وفي النهاية اقول، الحب عندما يكون موجوداً يصبح الدينمو الذي يحرك كل شيء، فلا يعود احدنا يسأل ماذا يفعل. فمن يحب حقاً يبتدع الوسائل للتعبير عن هذا الحب. فصلة الرحم النابعة من إسقاط الواجب تأتينا شوهاء ، واما النابعة من الحب فتأتينا جميلة ومؤثرة في نفوسنا. والعطاء الناتج عن الحب يأتينا سخياً وليس بغيضاً. وحتى بر الوالدين النابع من الحب يكون اصيلاً ولا يكون كذلك البر الناتج عن الخوف من العقوبة الإلهية. وعلى ضوء ما ذُكر لذا لا بد من مراجعة مفهوم الحب لدينا جميعاً أو علينا أن نستبدل بكلمة أخرى. فالحب ليس وهماً ولا افتتاناً بل هو قوة وجودية.
إيمان مرشد حماد

شاهد أيضاً

محافظة القدس : الاحتلال يستغل التوتر الإقليمي لتوسيع الاستعمار وعزل المدينة

محافظة القدس : الاحتلال يستغل التوتر الإقليمي لتوسيع الاستعمار وعزل المدينة

شفا – أعربت محافظة القدس عن قلقها البالغ من تصاعد الإجراءات الإسرائيلية الميدانية التي تستهدف …