10:20 مساءً / 17 يونيو، 2025
آخر الاخبار

(تأشيرة دخول إلى الجنة) قصّة قصيرة ، بقلم : سعاد محمد الطميزي

(تأشيرة دخول إلى الجنة) قصّة قصيرة ، بقلم : سعاد محمد الطميزي

(تأشيرة دخول إلى الجنة) قصّة قصيرة ، بقلم : سعاد محمد الطميزي

هأنذا أكتب إليكم هذه القصة، وقلبي يغصّ بصنفٍ جديد من الألم، ألمٍ غير معهود، غير عادي. لعل بعضكم قد سمع بها، وربما مرّت على أذن البعض مرور الغريب، لكن قهري وعجزي وألمي يدفعونني إلى أن أبكيها على الورق الأبيض، أن أرثي شخصياتها وأشيّعها، ولو خانتني المفردات، وعجزت الكلمات عن اللحاق بعاصفة الوجع.

الساعة تشير إلى الثانية والنصف بعد منتصف الليل. الليل أسود، دامٍ، يصرخ في الجوار، ينادي:
“أبيع الموت، فمن يشتري؟؟”.
ليلٌ أعمى يُبصر الجثث كلّها، يهتف من أعماق الظلمة:
“أشتري كلّ الجثث جملةً؛ لأبيعها إرْبًا إرْبًا، فمن يدلّني؟؟”.

ينادي وينادي؛ كي أراه ويراني، كي ينهض بي، ويأخذني إليه. لا يعلم أني فقدتُ النطق، فقدت السمع، وذبلت روحي في حضرة الذهول. يا لحالي! ويح خوفي منه! لم أكن أعلم إلى أين أفرّ منه؟! لكنه هناك، في انتظاري، يريدني أن أجيبه، يريد ردّي، وأنا أعرفه جيدًا، هو وحشٌ كاسر، وأنا فريسته الثمينة التي طال انتظارها.

سيبتلعني بكلّ شراهة، لولا أنها جاءتني…
أمّي “أمل”.

كانت تحمل بين يديها أخي الرضيع “الباسل”، وبلطفٍ حنون، نغزتني بإصبعها على كتفي، وأشارت إليّ ألّا أُخرج صوتًا.
قالت بصوت خافت:
“اهدأ، يا صغيري، أعلم أنه في الخارج”.

اجتاحتني رجفة قاسية، أخذت تهزّني بعنف، ولم أستطع التوقّف.
مسحت أمّي “أمل” بيديها على وجهي، ثم أطلقت ابتسامة نورانية ساحرة، كأنها الفجر الموعود. يا إلهي، أيّ امرأةٍ هذه؟! أيّ نورٍ ينبثق منها؟! وكأنّ الشمس بزغت من ملامحها ونحن ما نزال في الثلث الأخير من الليل.

في تلك اللحظة، أدركت أنني أقف على باب الجنة، ومعي أمّي “أمل” وأخي “الباسل”، ولا يفصلنا عنها سوى خطوات قليلة، بل وقليلة جدًّا.

أُعجبت أمي بذكائي وفطنتي -كما أخبرني أخي “الباسل”- تحيةً واحترامًا لكنها قالت:
“ما يزال هناك شيءٌ أخير يجب علينا فعله”.

فقلت:
“أسرعي يا أمّاه، لم يعد لدينا متّسع من الوقت”.

أخرجَتْ من جيبها قلمَ حبر أحمرَ، كانت تحبّه، وتضعه دومًا في درج مكتبها. أمسكت يدي الصغيرة، وبدأت تكتب على جلدي، بحنان الأم ووجع الوطن معًا.

كتبت اسمي الرباعي، وأتبعت الاسم بعبارة:
“عصفور الجنة الذي اغتالته يدُ الموت بصواريخ الطاغية إسرائيل”.
ثم كتبت فصيلة دمي: (O موجب)، ومكاني: غزّة.
وكتبت على كفّي اليمنى واليسرى، وعلى ذراعيّ، وعلى ظهري، وعلى فخذيّ، وعلى بطني، وحتى على قدميّ وصدري، كتبت بكل اللغات:
“شهيد، كان يحب الحياة”.

ثم انتقلت إلى أخي “الباسل”، وكتبَتْ على جبينه:
“ابن العام والنصف، تعلّم الطيران، وحلّق إلى السماء قبل أن يخطو خطوةً واحدةً على أرضه”.

ثم أمسكَتْ جسدها، وكتبَت عليه بوضوح:
“أنا فلسطين، أمّ الشهيدين المذكورَيْن أعلاه، وزوجة الشهيد صابر”.

سألتُها:
“أمّاه، لماذا لم تكتبي على جسد الباسل كما كتبتِ لنا؟!”.

فأجابت بابتسامة تمزج فيها النور بالوجع:
“جسد الباسل، يا ولدي، لن يتّسع لكل هذا الكلام، سأكتفي فقط بطبع قُبلاتي عليه”.
ثم طبعَتْ قُبلة على كتفه الأيمن، والأيسر، وعلى ذراعيه، وعلى ظهره، وفخذه، وبطنه، وباطن قدميه، وصدره، كأنها ترسم عليه خارطة النجاة.

ثم نظرت إليّ برأس مائل وبابتسامةٍ عظيمةٍ كأنها النصر الكبير، وقالت:
“ها قد أنهينا متطلّبات تأشيرة الدخول إلى الجنة”.

ثم أغمضَتْ عينيها، وهمسَت:
“فلننمْ بسلام”.

فنمنا تلك الليلة والناسُ قيام،
ولا نزال -إلى هذا الوقت- نيامًا.

  • – سعاد محمد الطميزي – الخليل
    نادي أحباب اللغة العربية الفلسطيني

شاهد أيضاً

الاحتلال ينصب بوابة حديدية جديدة شمال غرب سلفيت

الاحتلال ينصب بوابة حديدية جديدة شمال غرب سلفيت

شفا – نصبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، بوابة حديدية جديدة في المنطقة الواقعة …