
من يكتب السطر الاخير في الحرب الجارية ، بقلم : عصام بكر
في نهاية المطاف كمحصلة لما يجري بعد ان شنت اسرائيل حربها على ايران ليل الخميس/ الجمعة الماضي يريدون ان يروا ان احدى اهم النتائج التي سعت وتسعى اسرائيل لتحقيقها هو الاجهاز نهائيا وتصفية القضية الوطنية للشعب الفلسطيني باعتبارها هدفا ثابتا في عمق المشروع الاحتلالي على فلسطين منذ بداية الاطماع الصهيونية الاستعمارية، ومن النتائج المباشرة وربما العاجلة التي تراود العقل الاحتلالي كنتيجة للحرب تنفيذ مخطط التهجير وترحيل اهالي قطاع غزة وفرض السيادة على الضفة الغربية بما فيها القدس التي شارفت على الانتهاء منه ولم يبقى سوى الاعلان رسميا عنه .
صحيح ان الهدف المباشر اليوم هو الحاق الهزيمة بايران واخضاعها عبر تحقيق هدفين اعلنهما رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو منذ اليوم الاول يتمثلان اولا في تفكيك المشروع النووي الايراني وثانيا ضرب ما تسميه التهديدات وخطر المس (بامن اسرائيل) عبر ضرب الصواريخ البالستية المتطورة والدقيقة التي يقدر ان ايران تملك الالاف منها لكنها في جوهر الامر واحدى اهدافها المبيتة تحمل في طياتها اهدافا بعيدة المدى كان يجري الاعداد لها منذ سنوات طويلة تتعلق بان تصبح اسرائيل (السيدة) بلا منازع في اية ترتيبات للمنطقة -اسرائيل كقوة عسكرية اولى- تتعدى حتى حدود المنطقة متوقع ان تعلن (خطاب النصر) يخضع الجميع خضوعا تاما لها واذا ما قمنا بنظرة سريعة لاستعراض الامور يمكن القول ان جميع دول الجوار تقيم علاقات(سلام) مع دولة الاحتلال او هي في طريقها (سوريا ولبنان) ان هي نجحت في مسعاها ثم ان دول اخرى تقيم اتفاقيات تتعدى السلام الى تحالفات امنية وعسكرية مع دولة الاحتلال وهي لا تربطها حدود مع دولة الاحتلال (فلسطين المحتلة) ودول اخرى هي نظريا في حالة عداء مع اسرائيل لكنها لا تشكل اي خطر ولا خطط لديها للعمل ضدها ضمن حالة عربية مريبة مفتتة يصعب بموجبها ليس ان يشكل العرب ظهيرا للقضية الفلسطينية وانما حالة من اللامبالاة والانقسامات التي تضرب ما كان يسمى البعد القومي العربي وموقع فلسطين كقضية مركزية فيه لم يعد بالحسبان .
اليوم اسرائيل ترى ان الفرصة سانحة امامها لتنفيذ مخطط من شقين الاجهاز على القضية الفلسطينية من جهة، وفرض شروطها على المنطقة بما فيها السيطرة على الموارد والنفط والمياه ومقدرات الشعوب بعد ان حققت “نجاحات” كبيرة خلال فترة قصيرة من دعم اسقاط نظام الاسد في سوريا، اضعاف حزب الله في لبنان الى حد كبير وبطبيعة الحال وقبل ذلك استمرار تصعيد حرب الابادة المفتوحة على قطاع غزة منذ نحو 20 شهرا بكل ما خلفت وتخلف من مآسي وسقوط نحو 200 الف شهيد وجريح ودمار 80% من القطاع واستباحة الضفة وتهويد القدس وتحويلها الى سجون ومعازل تمهيدا لفرض السيادة الاحتلالية عليها ضمن تكريس واقع الاحتلال كل ذلك بدعم ومباركة الولايات المتحدة والغرب الاستعماري الذي لا زال يتحدث عن (حق الدفاع عن النفس) ولم يتخلص من العقدة اليهودية وما يرافقها من حساسية من المصطلح الدارج معاداة السامية وهو في نفس الوقت يرى بام عينيه ما يجري وتتكشف الحقائق امامه على نحو غير مسبوق في التاريخ مع حجم وفداحة المجازر الدموية التي تمارسها بحق الشعب الفلسطيني الاعزل دون ان تحرك ساكنا .
نتائج الحرب التي تدور رحاها ومساحتها ايران التي تقاتل وحدها يريدون ان تمتد لتشمل استقرار النظام ذاته، وقلب نظام الحكم اضعاف النظام وحصول الشعب الايراني على الحرية قال نتنياهو(المنتشي) بما حقق فيما سمي (الضربة الافتتاحية) وهو يتحدث عن القدرة والانجاز الاسرائيلي الكبير ولكن يجب ان لا يغيب عن الحسبان ان شرق اوسط جديد يترسم ويتشكل يتم الانتهاء من فصوله وصولا لاعلان اسرائيل(السيدة) آلامر الناهي دون منازع دون ان يحق لاحد ان يرفع رأسه في المقابل لا جبهات اخرى على العكس النزعات الاثنية، العرقية المحتدمة في العديد من الدول العربية والانقسامات تتعزز لخدمة التوجه الاحتلالي منذ الربيع العربي حيث يتهددها خطر الطائفية، ونهب الموارد والخيرات العربية المستباحة فيما التحالفات العالمية تشهد هي الاخرى متغيرات جديدة لا سيما بعد التحذير من الانعكاسات المرتبة على الاقتصاد العالمي .
التوقعات باستمرار الحرب والانعكاسات المترتبة على الاسواق العالمية المواقف التي تعلنها باكستان، روسيا، الصين، دول اسلامية ولاتينية مع سرعة استيعاب ايران للضربة وقدرتها على توجيه ضربات متتالية للعمق الاسرائيلي اذهلت صناع القرار في اسرائيل ذاتها بعد ان قالوا في البداية (تم فصل الرأس عن الجسد) وانصب النقاش في اوساط الصحفيين والمحللين في اسرائيل على اللحظة التاريخية وعظمة اسرائيل التي لا تضاهيها قوة والتغني بما انجز كانت لحظة من الغرور بددت الى حد ما الخوف الذي سكن مخيلة وعقلية الإسرائيليين فايران ليست لبنان او قطاع غزة اجماع بين مختلف الاوساط على اهمية وتأييد الضربة بل ذهب الكثيرون للحديث ان (الدولة العظمى) التي بات الجميع يخشاها ويحسب حسابها وهي تتغلغل في مختلف المناطق ويدها تصل الى ايران على بعد اكثر من 1500 كيلو متر ثم سرعان ما لبثت الرواية ان سقطت من جديد بعد الرد الايراني، والقدرة على جمع الصفوف وتوجيه ضربات قوية، واستمرار انهاك الجبهة الداخلية في تنوع الاهداف، سرعة وصول الصواريخ، وبنك المعلومات للمناطق الحيوية، وادخال الجمهور الاسرائيلي الى الملاجئ وسط تصميم الجمهورية الاسلامية قبل كل شيء على الدفاع عن كرامتها بعد ما جرى ووقعه على استقرار ايران الداخلي كبلد رغم ادراكها ان الاستهداف ليس فقط بضوء اخضر امريكي وانما بمشاركة مباشرة بل يمكن القول ان الرئيس ترمب حصريا هو صاحب الاعلان الرسمي لبدء الضربات على ايران بعد تصريحه ان ايران قد تتعرض لضربات وشيكة ساعات قليلة قبل اقدام دولة الاحتلال على هجومها ثم الحديث عن ان الادارة كانت في صورة الخطط والتوقيت لتوجيه الضربة، الاوضاع الدولية والمتغيرات التي اشير اليها قد تتغير تبعا لتطور الامور على الارض اولا ومن شأن تغيرها ليس ربما حبا في ايران ان يشكل حالة دولية مختلفة اما في مسار عالم متعدد الاقطاب والمصالح او في عالم يسوده منطق القوة وفرض الهيمنة ضمن حساباتها في الحفاظ على استقرار اسعار النفط، والاقتصاد العالمي اجمالا .
الحرب بدأتها اسرائيل وايران مصممة ان تكتب السطر الاخير لها من اجل حماية نفسها وموقعها الاقليمي والدولي واولا وقبل ذلك صورتها امام الشعب الايراني قادم الايام سيحمل ويكشف ما اذا كانت مآلات النتيجة لإعادة ترتيب المنطقة وفق المنطق الاسرائيلي القائم على الغطرسة وفرض القوة! ام اعادة التوازن والاعتبار للمنظومة الدولية بعيدا عن اوهام الاستعلاء الاستعماري القديم الذي تمثل اسرائيل اليوم قوته المتجددة في المنطقة! والسؤال الاساس هو هل حقوق الشعوب وحريتها ما زالت مصانة بمنظور القانون الدولي والقرارات الدولية وهل لها شأن اصلا في قواعد سلوك الاحتلال؟ وهل حق التمتع بالموارد والمقدرات هو اليوم احدى الممنوعات التي يجب التفاوض حولها وتقاسمها! في كل الاحوال موقع القضية الوطنية للشعب الفلسطيني هو المقياس كيف سيتأثر بشكل مباشر بنتائج ما تفضي اليه الحرب القائمة فإما نحو ايجاد حل يعيد وضع القطار على سكة الخلاص من الاحتلال وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها بعيدا عن الهيمنة والتسلط وعلى اساس القرارات الدولية والقانون الدولي او لا سمح الله في حال نجحت اسرائيل سندفع ثمنا باهظا يفوق ما دفعناه ابان حرب الخليج الاولى اوائل تسعينات القرن الماضي الامر يتعلق بمن يكتب السطر الاخير للحرب الجارية .