11:06 مساءً / 14 يونيو، 2025
آخر الاخبار

عندما تُطارد إسرائيل الشهود: مادلين نموذجاً ، بقلم : فادي أبو بكر

عندما تُطارد إسرائيل الشهود: مادلين نموذجاً ، بقلم : فادي أبو بكر

عندما تُطارد إسرائيل الشهود: مادلين نموذجاً ، بقلم : فادي أبو بكر

في بداية شهر حزيران/ يونيو 2025، أبحرت سفينة “مادلين” من ميناء كاتانيا الإيطالي متجهةً إلى قطاع غزة، في مهمة إنسانية تهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على أكثر من مليوني إنسان في القطاع. وقد حملت السفينة على متنها 12 ناشطاً دولياً من دول متعددة، بالإضافة إلى شحنات من المواد الإغاثية شملت الغذاء والدواء والمعدات الطبية، وكانت رسالتها واضحة: التضامن الإنساني يتجاوز الحدود، ويكسر الحواجز السياسية عندما يتعلق الأمر بكرامة الإنسان وحقه في الحياة.


وقد سُمّيت السفينة باسم “مادلين كلاب”، أول فتاة فلسطينية احترفت صيد الأسماك في غزة، حيث أن اختيار هذا الاسم لم يكن مجرد اختيار رمزي، بل تجسيد لروح الصمود والمقاومة اليومية التي تخوضها النساء في غزة، في مواجهة الحصار والحرب والفقد، دون أن يتوقفن عن المضي قدماً.


لكن المهمة الإنسانية لم يُكتب لها الاكتمال، فبعد أن أبحرت السفينة في المياه الدولية، أقدمت القوات البحرية الإسرائيلية على قرصنتها واقتادتها قسراً إلى ميناء أسدود، حيث احتجزت المتطوعين الدوليين الذين كانوا على متنها. ولم يكن هذا التصرف مجرد انتهاك للقانون الدولي، بل كان تجسيداً صارخاً لمدى القمع الذي يمارسه الاحتلال بحق كل من يسعى إلى كسر جدار الصمت المحيط بالمأساة الفلسطينية. حيث باتت السياسة الإسرائيلية تمارس إرهاب دولة منظّم، لا يكتفي بتطويق الجغرافيا بحصار خانق، بل يلاحق أيضاً كل صوت يحاول إيصال معاناة المحاصرين إلى العالم.
الناشطون الذين تم احتجازهم من تركيا وفرنسا وألمانيا والبرازيل وهولندا، لم يكونوا جنوداً أو سياسيين، بل أناساً عاديين اختاروا أن يقفوا إلى جانب المظلومين. وبحضورهم على متن السفينة، جسدوا استمرار التضامن العالمي مع غزة، وأثبتوا أن صوت الإنسانية لا يزال حاضراً في وجه آلة القمع والاحتلال. لقد صاروا شهوداً على جرائم الإبادة والتجويع، وشهادتهم وحدها باتت تشكل تهديداً لمن يخشى الحقيقة.


الاحتجاز القسري لهم، والتعامل القاسي الذي واجهوه داخل إسرائيل، ليس سوى دليل على الخوف العميق من الرسالة التي يحملونها، ومن القصة التي قد تُروى للعالم، فحين يطلق الاحتلال النار على الدبلوماسيين في جنين، ويمنع الوفود الدولية من دخول فلسطين، ويعترض السفن الإنسانية المتجهة إلى غزة، يصبح واضحاً أن الاحتلال لا يحارب خصوماً، بل يطارد شهوداً، لأن من يخشى أن تُروى القصة، يعلم أن كل خطوة إنسانية تفضح وحشيته أكثر من أي تقرير أو إدانة.


في هذا المشهد القاتم، يصبح الناس البسطاء أبطالاً حين يقفون في وجه الظلم بإنسانيتهم، لا يملكون سوى ضمائرهم، ولكنهم يواجهون الاحتلال بسلاح التضامن، والشجاعة، والإيمان بأن الكرامة لا تُقهر، وأن العدالة لا تُلغى.


سفينة “مادلين” لم تكن مجرد قارب في عرض البحر، بل كانت ضوءاً في عتمة الإبادة والحصار، وصوتاً في زمن الخرس، ورسالة بأن غزة ما زالت في وجدان العالم، مهما حاول الاحتلال عزلها.

  • – فادي أبو بكر – كاتب وباحث فلسطيني .

شاهد أيضاً

رشقة صاروخية من قطاع غزة على مستوطنة نير عوز في الغلاف

شفا – أعلن الجيش الإسرائيلي، مساء اليوم السبت، سقوط صاروخين أطلقا من قطاع غزة باتجاه …