5:22 مساءً / 8 يونيو، 2025
آخر الاخبار

سراديب المعنى ، تحليل لعنوان وغلاف رواية “عودة الموريسكي من تنهداته” للروائي عدوان عدوان أنموذجًا ، بقلم : مريم المصري

سراديب المعنى ، تحليل لعنوان وغلاف رواية "عودة المريسكي من تنهداته" للروائي عدوان عدوان أنموذجًا ، بقلم : مريم المصري

سراديب المعنى: تحليل لعنوان وغلاف رواية “عودة الموريسكي من تنهداته” للروائي عدوان عدوان أنموذجًا ، بقلم : مريم المصري

إن التفاعل مع الخطاب الروائي يتطلب وجود عنصرين أساسيين لا غنى عنهما، وهما: القارئ والنص المقروء. والنص الروائي لا يُعدّ مجرد حكاية تُروى؛ بل هو نسيج مترابط من مكونات داخلية وخارجية، يتشكل عبر عناصر فنية وأسلوبية، وأخرى تُعرف بـ (العتبات النصية) التي ترافق الخطاب الروائي، مثل: العنوان، والغلاف، والتقديم، وكل ما يسبق المتن السردي من إشارات تمهيدية ودلالية. ومن هنا، فإن فهم الرواية لا يتم فقط من خلال التفاعل مع متنها؛ بل من خلال قراءة العتبات التي تشكل بوابات الدخول إلى عالم الرواية، وتمنح القارئ مفاتيح أولية لتأويل مضمونها.


وإذا أخذنا رواية “عودة الموريسكي” نموذجًا hgصادرة عن مركز أوغاريت، رام الله، عام 2010م، نلحظ كيف جاءت العتبات النصية لتؤدي دورًا حاسمًا في تشكيل التوقعات القرائية؛ فالعنوان يحمل دلالة تاريخية وثقافية عميقة، تشير إلى الماضي الأندلسي المقهور، وتحفّز القارئ على التساؤل حول أبعاد هذه “العودة”: هل هي عودة هوية؟ أم عودة سردية؟ أما الغلاف، فقد صُمّم بطريقة تستثير البصر وتوحي بمناخ الرواية، مما يجعل منه عتبة بصرية ذات دلالة مزدوجة، جمالية ووظيفية.


وعند التفاعل مع السرد الروائي، لا بد من أن تكون هناك علاقة تبادلية بين القارئ والنص؛ إذ يطرح القارئ أسئلته، ويأتي النص ليقدّم أجوبته عبر رموزه ودواله. وهذا التفاعل العميق لا يتم إلا عبر وعي ثقافي وتأويلي يمتلكه القارئ، يمكنه من الحفر في طبقات المعنى والكشف عن العلاقات الكامنة بين العتبات والمتن.


أولًا: التحليل اللغوي والتركيبي والدلالي للعنوان:


يتكون العنوان من كلمتين، هما: “عودة”، وهي مصدر يدل على الرجوع إلى شيء سابق، فالكلمة مشحونة بالحنين والرفض للانقطاع، وتحمل في طياتها توقًا للهوية، وللوطن، وللذات، أما “الموريسكي”، فهو اسم يُطلق على المسلمين الذين أُجبروا على التنصّر في إسبانيا بعد سقوط الأندلس في القرن الخامس عشر، وتعرضوا لاحقًا للطرد، أو الاضطهاد الشديد، بالإضافة إلى تركييب لاحق يتبعها يتكون من مضاف ومضاف إليه، ما يعطي شعورًا بالتماسك والدلالة التخصيصية. ليست أي “عودة”؛ بل “عودة الموريسكي” تحديدًا، فيحصر الفعل في شخصية تاريخية لها حمولة ثقافية، وسياسية عميقة تتمثل في تركيب “شبه الجملة” من تنهداته، ما يعطي جرسًا حسيًا عميقًا يشير إلى الألم والمعاناة من حدث غير متوقع أو شبه مستحيل، وهو عودة الموريسكي، أي عودة المهزوم والمطرود، لا بمعنى مادي فقط؛ بل عودة الذاكرة، والهوية، والروح المطموسة.


إن “العودة” هنا ليست مجرد حركة مادية من مكان إلى آخر؛ بل رمز للتمرد على التاريخ الرسمي؛ لاستعادة الكرامة الثقافية والدينية، ومقاومة النسيان القسري، ورفض الانصهار في ثقافة المنتصر، أما “الموريسكي”، فهو أكثر من فئة تاريخية؛ بل أصبح رمزًا للإنسان العربي/المسلم المنفي أو المقصي، سواء في الماضي (في الأندلس)، أو في الحاضر (في فلسطين أو الشتات).


فالعنوان يُفكّك الحدود بين الماضي والحاضر، ويُعيد تشكيل الشخصية المقهورة كفاعل تاريخي قادر على العودة – ولو رمزيًا – ليستعيد ما سُلب منه”.


و”عودة الموريسكي” في العنوان هي دعوة للمساءلة في هل يستطيع من تمّ طرده من التاريخ أن يعود؟ وهل يمكن لذاكرة جمعية أُريد لها أن تُمحى، وأن تنهض من رمادها؟


بهذا، يصبح العنوان حمّال دلالات تحررية، ووجدانية، ومعرفية، تتقاطع مع قضايا الاستعمار والتهجير وطمس الهوية.
والعودة تفترض غيابًا طويلًا، مما يمنح العنوان طابعًا زمنيًا يمتد من الماضي إلى الحاضر وربما يتطلع إلى المستقبل، وهنا تبرز دلالة الاستمرارية والربط بين التاريخ والآن.


وعليه فالعنوان “عودة الموريسكي من تنهداته” ليس مجرد وصف لحالة؛ بل هو إعلان سردي وموقف فلسفي. يُمهّد الطريق لرواية تبحث عن العدالة الرمزية، وتعيد طرح سؤال: من نحن حين نُجبر على أن نكون غيرنا؟ إنه عنوان موجز لحكاية شعب، وثورة ذاكرة، وانبعاث هوية.


ثانيًا: تحليل الغلاف.
يمثل غلاف رواية “عودة الموريسكي” مرآة بصرية مكثفة لثيمات الهوية المفقودة، والحنين الممزق، والانتماء المنقوص، حيث نرى في منتصفه صورة لوجه رجل يظهر نصفه فقط، في مشهد تتقاطع فيه الظلال مع النور، وتنطوي فيه المساحات الداكنة على قدر هائل من الرمزية، وهذه الصورة لا تقتصر على التعبير عن هوية فردية؛ بل تتجاوز ذلك إلى تمثيل جماعي لأمةٍ منسية ومقهورة: الموريسكيون، وأحفاد المسلمين الذين طُردوا من الأندلس، أو أُجبروا على التنصّر بعد سقوطها. إن وجود الوجه بشكل جزئي يوحي بانكسار الذات وتشتتها بين زمنين ومكانين، بين ماضٍ مجيد وواقعٍ منسلخ عن الجذور، كما أن العتمة التي تحيط بالصورة تكرّس الإحساس بالاختفاء القسري والطمس الثقافي، في حين أن الخط العربي المستخدم في كتابة العنوان يلمّح إلى جذور الشخصية وارتباطها العميق بالهوية الإسلامية التي تحاول العودة منها أو إليها، ما يكرّس عنوان الرواية نفسه باعتباره رسالة استعادة لما تمّ سلبه. ويبدو أن الغلاف يعبّر عن صراع داخلي حاد لا يخلو من الألم والتأمل في آن، فالرجل الذي يتوارى خلف الظلال لا ينظر مباشرة إلى المتلقي؛ بل يبدو كأنه غارق في ذاكرته، محاولًا استرجاع ماضٍ دُفن قسرًا. كما تحمل الخلفية القاتمة بدلالاتها اللونية رمزية تاريخية لحالة القهر والاستلاب التي عاشها الموريسكيون، حيث تحل الألوان الداكنة محل الضوء، في تأكيد على المعاناة والتغييب؛ لكنها في الوقت ذاته توحي بأن عودة الهوية ممكنة من عمق الظلام، وهو ما يتقاطع مع مسار الرواية الذي يسرد رحلة الإنسان في استعادة ذاته وتاريخه، مهما بدا ذلك مستحيلًا.


أما عن الغلاف الخلفي لصورة الغلاف؛ إذ يبرز السرد الآتي من الرواية نفسها: “سألته مَن أنت؟ فأجاب: الحبّ شهوة الأرواح، والعشق مَهْوة الأجساد. وأفضل ما يكونان عندما يُصبحان نغمة واحدة. هناك له كينونته، فذلك أجمل محفل، وقال لي: أبحث عني… وأشار إليه. وكان حفل حضوره محفل غيابه، وقال: إنْ أردتني، فلتبحثي عني هناك، حيث لا أحد، حيث لا يقين، حيث يمكن للعدم أن يُكمل المعنى. هنالك فقط أنا والعالم، ككائنين مفترقين بلا أمرٍ مسبق، يتناميان من وهمهما ويغادران العالم.”


إن الحديث هنا يعكس جدلية فلسفية بين الحضور والغياب، وهي فكرة محورية في الرواية، حيث إن الموريسكي – بوصفه شخصية تاريخية منفية – حاضر في الذاكرة وغائب عن الجغرافيا، وحاضر في الوجدان وغائب عن الحاضر السياسي، والعبارة “حفل حضوره محفل غيابه” تعكس بذكاء عمق هذه الازدواجية، أما العبارة “ابحث عني… وأشار إليه” تفتح المجال لتأويل الرواية باعتبارها رحلة داخلية نحو الذات، نحو الهوية المسلوبة أو المموهة، وهي رحلة كل موريسكي فقد اسمه، لغته، وديانته، وأُجبر على أن يعيش حياة مزدوجة، وهذا يتقاطع تمامًا مع مضمون الرواية التي تسلط الضوء على صراع الهوية والانتماء والبحث عن الجذور في عالم يحاول اقتلاعها، بالإضافة إلى أن فكرة “حيث لا أحد، حيث لا يقين، حيث يمكن للعدم أن يُكمل المعنى” تتجاوز الإطار السردي التقليدي، لتدخلنا في فضاء صوفي وجودي، وكأن الرواية تقول إننا لا نجد الحقيقة في الامتلاء؛ بل في النقص، وفي التوق، وفي الأسئلة لا الأجوبة.
فالرواية لا تسرد فقط قصة تاريخية عن الموريسكيين؛ بل تستخدم التاريخ كمرآة لفهم واقع معاصر مليء بالتشظي والانفصال، سواء كان ذلك في فلسطين أو في أي سياق منفي، وعودة الموريسكي هنا ليست عودة جسدية؛ بل عودة من “تنهداته”، من آلامه، من ذاكرته، من لاوعيه الجمعي، من مكان غير مرئي؛ ولكنه عميق التأثير.


وعليه، فالخطاب المكتوب على الغلاف يحمل نبرة شاعرية تأملية تتناغم مع الأسلوب السردي للعمل، الذي غالبًا ما يستخدم لغة حُلمية، وتأملية، ورمزية، أكثر من كونها تقريرية.


وعليه، فالغلاف – بهذا التركيب البصري والرمزي – لا يُقدِّم مجرد صورة ترويجية للرواية؛ بل يعمل كمدخل تأويلي يُمهّد للقارئ ما هو آتٍ في النص السردي من توترات ثقافية وتاريخية، ومن هنا فإن كل عنصر في الغلاف، من اللون إلى الصورة إلى الخط، يؤدي وظيفة دلالية تصب في جوهر الرواية، ليغدو الغلاف خطابًا بصريًا قائمًا بذاته، يوازي الخطاب السردي؛ بل ويتواطأ معه ليُنتج تأملًا في معنى الهوية، والمحو، والعودة الرمزية إلى الذات الأصلية.
ثالثًا: ربط الغلاف مع المضمون.


يعكس غلاف رواية “عودة الموريسكي من تنهداته” بعمق التوترات التي تُشكل جوهر النص السردي للروائي “عدوان عدوان”، حيث تمثل الصورة المركزية – لوجه رجل يظهر نصفه فقط وسط ظلال داكنة – البعد الوجودي الذي يعيشه البطل، وهو الموريسكي العائد، الذي يمثل فئة تاريخية مُجبرة على الانفصال عن هويتها الدينية والثقافية. فالوجه المجتزأ يعبّر عن التمزق النفسي والاغتراب الذي عاشه الموريسكيون بين الإسلام الذي انتموا إليه والمسيحية التي فُرضت عليهم قسرًا، وبين الوطن الذي طُردوا منه والمهجر الذي لم يمنحهم الأمان. هذه الدلالات البصرية تتقاطع مع رحلة البطل داخل الرواية، حيث يبدأ بحثًا شاقًا عن الذات والحق والحقيقة، ضمن إطار درامي مشحون بالتاريخ والمعاناة.

أما الظلال في الغلاف، فهي ليست مجرد اختيار جمالي؛ بل تمثل عبء الماضي الثقيل، وطمس الهوية، والتغييب الذي مارسته قوى القمع في أوروبا ما بعد سقوط الأندلس. وتأتي الألوان القاتمة لتعزز الإحساس بالكآبة والحنين والضياع، وهو الإحساس الذي يتردد صداه في السرد من خلال العودة الرمزية التي يسعى إليها البطل. ولعل الخط العربي المستخدم في العنوان يؤكد البعد الحضاري الإسلامي الذي تشبث به الموريسكي في ظل محاولات المسخ والتشويه، كما يربط القارئ من اللحظة الأولى بعالم الرواية الثقافي والفكري. وبهذا، يصبح الغلاف مدخلًا بصريًا دقيقًا لما ينتظره القارئ داخل الرواية من صراع داخلي عميق بين الانتماء والمحو، بين الجذور والارتحال، بين “العودة” التي تحمل في طيّاتها معنى النجاة، والانتماء، والانبعاث من جديد.


يمكننا القول، إن بوابات المعنى للرواية تهمس للقارئ بما لا يمكن أن يُقال داخل الرواية صراحة؛ فهو ثالوث نصي لخطاب ذاتي عميق، يفتح للمتلقي باب التأمل الوجودي، ويهيئه لتلقي نص لا يحكي فقط عن الماضي؛ بل عن كل حاضر مهدد بالنسيان والاقتلاع.

شاهد أيضاً

حزب الشعب يرحب بقرار العمل الدولية الاعتراف بفلسطين كدولة مراقب

شفا – رحب حزب الشعب الفلسطيني بالقرار الذي اتخذته منظمة العمل الدولية بالاعتراف في بفلسطين …