
قسم اللغة الإنجليزية في جامعة النجاح جدار الروح، بقلم : إيمان مرشد حماد
هناك أماكن ترافقنا ولا تغادرنا لأنها في سويداء القلب، وهي نقشٌ عريق على جدار الروح. إنها مكاننا الذي تبقى أصواته مختبئة بين تجاعيد الذاكرة، تطلُ علينا في لحيظاتٍ بلا موعد أو ترتيب مسبق ، هناك أماكن تسكنُ في تفاصيلنا كما لو أنها نبضٌ آخر في القلب.
قسم اللغة الإنجليزية في جامعة النجاح الوطنية هو بمثابة القلب لكلية العلوم الإنسانية. انضممتُ لهذا القسم منذ عقدين من الزمن، فكان البيت الذي قضيتُ فيه معظم اوقاتي بين الطلبة وقاعات التدريس والمكتبة فهو القسم العريق الذي تزهو به الجامعة.
أما طلبة قسم اللغة الإنجليزية المتميزين بطموحهم وكفاءتهم فهم من خيرة طلبة الجامعة ويقوم على تدريسهم أعضاء هيئة التدريسية يتميزون بالخبرة والكفاءة وما يميزهم هو روح التعاون والمودة التي أعطتْ القسم طابعاً اسرياً دافئاً. فما أجمل الصباحات التي تبدأ بتحايا طالباتي وطلابي الذين يحرصون على الوقوف على باب مكتبى لدقائق يسألون عني وأسأل عن أحوالهم ودراستهم. بعضهم يطلب مشورة ، وبعضهم يسأل سؤالاً وبعضهم يبدع في عمل أدبي ويطلب مني قراءته وإبداء الرأي فيه. شعور بديع ان يكون لك أسرتان وعدد كبير من الأولاد والبنات.
اما الجمال الفريد فهو هو تبادل الابتسامات في ممرات القسم أو إطلاق طرفة صغيرة سريعا ًلرسم ابتسامة في صباح مكتظ بالمهام. كل يوم هو ماراثون صغير نحو القاعات حتى لا ندخل وقد تأخرنا وهو ايضا بدايات باذخة بالنشاط، أو تحايا تُلقى سريعاً مع الزملاء الذين يقفون مع طلبتهم لبرهة قبل دخول المحاضرات.
وكثيرا ما تبدأ المحاضرة ببث شكوى أحدهم مما يضايقه أو بطلبٍ لإعادة نقطة مبهمة نُوقشت مسبقاً فقسم اللغة الإنجليزية لديه خطة دراسية دسمة تم إعدادها بعناية فائقة على مر أجيال من الأساتذة الذين اجتهدوا وخاضوا نقاشات حادة لإختيار الافضل.
كما أنه قسم ضمّ الكثير من جهابذة اللغة والأدب ؛ بعضهم لا زال يقاتل من أجل هذا القسم والبعض توفاهُ الله وهو لا يزال مرابطاً على مرافقه. ومن هذا القسم تخرج قادة فكر يتربعون على قمم النجاح ومنه تمّ اختيار خريجين لمناصب ريادية وحساسة في هذا الوطن. انه بحق القسم الذي لا ينقطع فيه التواصل مع الأبناء فجلهم برّرّة نفتخرُ بهم ونعتز بمرورهم في حياتنا المهنية. كيف لا ومنهم قد استوحيت خمسين ذكرى لكتابي المنشور عن تجاربي معهم ألا وهو كتاب ( طلبة في الذاكرة) .
قسم اللغة الإنجليزية هو المكان الذي علّمني كيف تكون انت مهنتك، وكيف تصبح انت ذكرياتك، وكيف تُربي اجيالاً يصبحون عائلتك الممتدة التي تعرف عن عائلتك الصغيرة كلّ التفاصيل. نعم لا يوجد على الأرض فردوس وكان هناك الكثير من المعاناة والجهد والتعب والمشاكل ولكني الآن فخورة بنفسي وبهذا المكان الذي ترك بصمته على شخصيتي ووضعتُ بصمتي عليه وعلى رواده على مدار عقدين من الزمن ؛ فالذكريات تحتاج إلى ضياء وشمس وموسيقى وقهوة ، فاما الشمس فقد كانت دوما بين كتفيّ وانا على ذلك الكرسي الذي يواجه إشراقتها الصباحية ، والموسيقى كانت في روحي واحيانا تنطلق من هاتفي النقال وانا اعد القهوة ، معشوقتي السمراء التي يتضوع اريجها في الممرات وكانها آية مقدسة في سفر صباحات كنتُ ارتلها مع دعوات الصباح.
كان النور والعمل الدؤوب
يطلُّ على كل الجهات،
يغمر الشوارع والساحات،
والردهات والقاعات،
وأشجارٌ تطلُّ من نافذتي،
تبدو الحدودُ لا نهائية،
فقد نسجتها الأمنيات والذكريات.
الأماكن ليست حجارة او جدران، بل شواهد على لحظاتٍ أحببناها، ودموعٍ سقطتْ فرحاً أو حزناً، وضحكاتٍ ترددت في فضاء الزمن، وفيها، عشنا أجزاءً منا لن تتكرر، وحينما سيأتي وقت المغادرة يوماً، قد لا نجدها كما كانت ولكنها حتماً ستجدنا كما كنا.
واخيراً أرسلُ قوافل من الياسمين لكل من كانوا السطور الأجمل في حكايا قسم اللغة الإنجليزية التي كتبت على جدار الروح ولم يتركوا وجعاً ولا الماً عليه.
إيمان مرشد حماد
