
من لم تكن أرواح الناس أولوياته فليراجع عقيدته ، بقلم : الصحفي سامح الجدي
عن غزة التي تنزف .. وعن الضمير الذي غاب تحت ركام الشعارات
في قطاع غزة، حيث تتكثف المأساة، وتتشظى الأرواح تحت قصفٍ لا يميز بين طفلٍ ومقاتل، يعود السؤال الأشدّ إلحاحًا: من أولى الناس بحمايتهم؟ من يستحق أن توضع حياته في قمة الأولويات؟ وهل يمكن لعقيدة – أي عقيدة – أن تبرر مشهد الأشلاء والدمار المستمر، كلما أرادت نخبة حزبية إشعال “مواجهة” جديدة؟
لقد أصبحت أرواح الناس في غزة وقودًا لمعادلات سياسية مريضة، ومادة للمزايدات بين فصائل لا تعبأ كثيرًا بعدد الشهداء، بقدر ما تهتم بالصورة والبروباغندا وحسابات الربح والخسارة في بورصة الإقليم. وبينما يسقط آلاف الأطفال والنساء والشيوخ تحت القصف الإسرائيلي الوحشي، لا تزال هناك منابر تُمجّد “الصمود” و”الردع”، دون أن تجرؤ على السؤال: من الذي قرر أن توقيت الحرب مناسب؟ ومن الذي جرّ شعبًا محاصرًا إلى هاوية مفتوحة من الدم والنار؟
حماس، التي تدّعي تمثيل المشروع المقاوم، تحوّلت في كثير من محطات الصراع إلى حركة مغامرة، تملك القرار العسكري منفردة، وتستدعي الحروب متى شاءت، دون مشاورة أحد، ودون محاسبة لاحقة. ولعل ما يجري اليوم من إبادة جماعية في غزة – والتي لا يبررها أي فعل فلسطيني أمام بشاعتها – هو نتاج مباشر لتلك السياسة الأحادية التي تعتبر الدم وسيلة مشروعة لتحقيق مكاسب سياسية أو تحسين شروط التفاوض.
في ميزان العقيدة، لا شيء أغلى من النفس البشرية.
والدين الذي نزل به القرآن، وسار به محمد صلى الله عليه وسلم جعل حفظ النفس من أعظم المقاصد. أما الذي يدفع الناس إلى الموت، ويفسر كل خسارة بشرية على أنها “ثمن ضروري”، دون حساب دقيق، ولا مكاشفة صادقة، فهو يُفرغ العقيدة من معناها، ويجعلها أداة في يد مشروع سياسي قد ينحرف في أي لحظة.
إن ما يحدث في غزة ليس فقط عدوانًا إسرائيليًا بربريًا، بل هو أيضًا انهيار أخلاقي لبعض النخب التي استمرأت تقديم الناس كقرابين على مذبح السيادة أو “الممانعة”. وإن لم يراجع أولئك عقيدتهم، ويعيدوا ترتيب أولوياتهم بما يضع الإنسان الفلسطيني أولًا، فإنهم شركاء في الجريمة، ولو حملوا شعارات المقاومة، أو تغنوا بالنصر القادم.
غزة ليست ميدانًا للتجريب السياسي، ولا بنك دمٍ لتبييض رصيد طرف على حساب شعب.
غزة مدينة حية، مليئة بالأمهات، والمدارس، والأسواق، والمستشفيات.
فمن لم تكن أرواح أهلها أغلى عليه من بيانات النصر، فليُراجع ضميره .. ومن لم تكن كرامة أطفالها أعز عليه من هيبة التنظيم، فليُراجع عقيدته.