1:00 صباحًا / 3 يونيو، 2025
آخر الاخبار

من سيرسم وكيف خرائط النفوذ في الشرق الأوسط الجديد ؟ بقلم : كريستين حنا نصر

من سيرسم وكيف خرائط النفوذ في الشرق الأوسط الجديد ؟ بقلم : كريستين حنا نصر


توماس باراك، عينه الرئيس الامريكي ترامب مبعوثاً للادارة الامريكية الى سوريا، وهو الذي قام برفع العلم الامريكي على السفارة الامريكية وبنفسه في العاصمة السورية دمشق، والتي كانت مغلقة منذ عام 2012م، ويعتبر باراك ملياردير ورجل اعمال في مجال العقارات، ولكنه في الوقت نفسه مهتم بالسياسة والتاريخ، وقد غرد على منصة إكس(( X قبل اقامته في العاصمة دمشق ، بقوله :”منذ قرن من الزمان، فرض الغرب خرائط وحدودًا مرسومة ووصايات وحُكماً أجنبياً، فقد قسّمت اتفاقية سايكس بيكو سوريا والمنطقة الأوسع لتحقيق مصالح إمبريالية، لا من أجل السلام… وقد كلّف هذا الخطأ أجيالاً كاملة، ولن نسمح بتكراره مرة أخرى”.


السؤال هنا، ما هي الرسائل وراء هذه التغريدة؟، من الواضح بالنسبة لي أنها اعادة صياغة لمنطقة الشرق الاوسط، وبالاخص الشرق العربي، وضمن رؤية امريكية جديدة، وذلك بدلاً من خرائط سايكس بيكو التي مرّ عليها أكثر من مائة عام ، وقد وقعت عام 1916م، حيث أن هذه الاتفاقية السرية وقعت من قبل فرنسا وبريطانيا وايطاليا و روسيا، وتمّ الاتفاق خلالها على اقتسام تركة الدولة العثمانية في الشرق الاوسط بين هذه الدول، والتي استعمرت المنطقة خاصة بلاد الشام وقبل استقلال هذه الدول، مثل سوريا والعراق وفلسطين ، كما استعمرت مناطق اخرى منها تلك التابعة للاستعمار والانتداب الفرنسي مثل لبنان وسوريا، ومناطق تحت الاستعمار البريطاني مثل الأردن وفلسطين ، ومنذ استقلال هذه الدول وحتى اليوم ، فقد مرّت المنطقة في عدة تقلبات وتطورات، منها الانقلابات والاضطرابات، والحروب بما فيها العرقية والطائفية ، خاصة ما كان منها نتيجة لما سُمي بالربيع العربي أي بشكل أصح الخريف العربي، الذي نزف فيه الدم العربي، كما جرى على سبيل المثال في العراق وسوريا وغيرها من البلدان، وبحسب الرؤية الامريكية خاصة ما يُفهم من هذه التغريدة السابقة الذكر، بأن هذه الحدود أو حدود الدم، بقيت مشتعلة بالحروب والمواجهات الدامية منذ تقسيم سايكس بيكو للمنطقة وحتى اليوم.


الآن وفي هذه المرحلة الحساسة والمتصفة بالتطورات المتسارعة في شرقنا العربي بالتحديد، السؤال هو من سوف يقوم برسم خرائط الشرق الاوسط الجديد؟، أعتقد وبحسب ما نلمسه، أننا أمام تحول تدريجي من النفوذ الاوروبي القديم في بلاد الشام، تجاه نفوذ قوي امريكي جديد، وهذا بات واضحاً وبصورة جلية بعد اسقاط نظام الاسد البائد في الثامن من ديسمبر، حيث بدأت بوادر العلاقات تتعمق خاصة في المجال الاقتصادي بين سوريا وامريكا، حيث أُبرمت مؤخراً صفقات اقتصادية ووقعت خلالها اتفاقيات في مجال الطاقة قبل أيام، بين كل من حكومة الشرع وشركات امريكية وتركية وقطرية، كما اتضح أيضاً أن سوريا دخلت تحالف وشراكة جديدة مع امريكا ولاول مرة طوال التاريخ السوري، لتدخل امريكا على الخط وبقوة سياسياً واقتصادياً، كما عززت أمريكا شراكتها مع المملكة الاردنية الهاشمية ومنذ زمن بعيد، في النواحي الاقتصادية والسياسية والتنموية، بما في ذلك مساهمة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية(USAID) ، في المشاريع التنموية المختلفة في الاردن، وربط الدينار الاردني بالدولار الامريكي والمساهمة المادية الامريكية في دعم الموازنة العامة للدولة الاردنية الى جانب المنح المادية السنوية بقصد دعم الاقتصاد الاردني.


وايضاً في العراق توجد تحالفات جديدة بعد سقوط نظام صدام حسين، تتمثل بعلاقات امريكية عراقية، كذلك اتفاقيات مع اقليم كردستان العراق، وسوريا الجديدة الان هي في مرحلة بناء للدولة السورية الجديدة وسوريا المستقبل وفي كافة النواحي السياسية والاقتصادية ، الى جانب التحالفات الجديدة، ومنها بوادر لمعاهدة سلام مع اسرائيل تلوح في الأُفق، وبوساطة إماراتية وتم في البداية مفاوضات غير معلنة بين سوريا واسرائيل.


ومن الواضح الان النفوذ الامريكي الجديد في سوريا وايضاً في منطقة الشرق العربي، وحتماً سوف ترسم على ما يبدو بقلم النفوذ الأمريكي الملاحظ تواجده في المنطقة، حيث وجود القواعد الامريكية في الاراضي السورية والمنتشرة الان فيها، كذلك في الاراضي العراقية والاردن وغيرها أيضاً.


السؤال هنا، هو كيف سوف ترسم امريكا نفوذ هذه الخرائط الجديدة في الشرق الاوسط الجديد؟، أعتقد وبحسب التطورات الجارية المتسارعة وطوال السنوات الماضية وحتى الان، والتي تعرضت لها منطقتنا في الشرق العربي، نلاحظ في العراق نشوء اقليم كردستان العراق والذي تكون بشكل كامل بعد سقوط حكم صدام حسين فيها علماً بأنه نشأ باتفاقية الحكم الذاتي مع نظام صدام حسين عام 1970م، وهذا الاقليم الكردي لم يحصل فيه الاكراد على الترسيم والتقسيم القديم من سايكس بيكو، ولكن مع تزايد النفوذ الامريكي في المنطقة نشأ أقليم كردستان جديد، وذلك ضمن خرائط جديدة للشرق الاوسط الجديد ايضاً، وهذه التغييرات الجذرية هي نتيجة تزايد واضح للنفوذ الامريكي في المنطقة، والآن النفوذ الجديد في سوريا بعد اسقاط نظام الاسد البائد.


وحسب النظرة الامريكية ومن خلال خبرتي الشخصية المعرفية التي توفرت لي خلال دراستي وتخرجي من الجامعات الامريكية ، أعتقد أنه تتوفر لهم رؤية تقوم على نظرية المبادلة والشراكة بين الطرفين ليستفيد الجميع منها على المستوى السياسي والاقتصادي، ويسعى الامريكيون الى تطوير هذه الشراكات المتبادلة والتعاونية نحو رفع المستوى المعيشي للفرد، والعمل على تحسين المستوى الثقافي للمواطن العربي وفي عدة مجالات، فعلى سبيل المثال في الاردن نجد أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية(USAID) دعمت العديد من المشاريع بما في ذلك التطوير السياحي، مثل دعم المدن التراثية القديمة كالسلط من ترميم الاداراج والبيوت والشوارع في المدينة وذلك بهدف ترويجها سياحياً، وبالطبع اضافة لغيرها من المدن الاردنية.


وحسب ما صرح الرئيس الامريكي ترمب مراراً بأن السياسة الامريكية في الشرق الاوسط الجديد هي استبدال الحرب في المنطقة بالسعي نحو احلال السلام فيها، والمضي قدماً في الانتعاش الاقتصادي والأمن في الدول وللشعوب العربية أيضاً، والسؤال هنا، هل الشرق الاوسط الجديد سوف يتحقق له السلام خاصة في شرقنا العربي، بدلاً من الحروب، وهل سوف تستبدل حدود الدم القديمة بحدود جديدة سمتها السلام؟، أعتقد ان الجواب نعم، ولكن الأهم هو ضرورة العمل الجاد على تعزيز التعليم وترسيخ قيم ومعنى الوسطية، والقضاء على العقلية المتطرفة التي تعمل على اقصاء المكونات الاخرى المختلفة في الوطن وتكفرهم أيضاً، بل تعمل على تكفير بعض المسلمين الغير متطرفين وتحلل قتلهم لانهم لا يتماشون مع أفكارهم .


اعتقد أن الشرق الاوسط الجديد سوف يصون ويعزز دور وحقوق الجميع، ويحرص على المكونات المختلفة وجميع الاطراف، والعمل على اشراكهم جميعاً كمواطنين متساوين في الوطن الواحد ، وهذا بات اضحاً وبشكل خاص بعد القضاء على داعش أو ما يسمى دولة الخلافة الاسلامية المزعومة في العراق وسوريا (تحديداً مدينة الرقة)، ولكن الاهم هو الحرص على تنفيذ المطالب الامريكية في هذا الموضوع والتي على اساسها رفعت العقوبات عن سوريا، ومنها كانت مسألة اشراك جميع مكونات المجتمع السوري في مفاصل الدولة وفي الوظائف الحكومية، كذلك في تشكيلة الحكومة الجديدة التي شكلها الرئيس أحمد الشرع مؤخراً، حيث تمّ فيها تعيين عدد من الوزراء من الطوائف المختلفة من الدروز والعلويين والأكراد والمسيحيين.


وهنا يدخل مفهوم وعرف جديد في الشرق الاوسط الجديد، وهو بالغ الأهمية بأن كامل مكونات المجتمع في الوطن الواحد هم متساويين في الحقوق والواجبات ، وذلك خدمة لوطنهم المشترك ودون اقصاء لأي مكون على حساب مكون آخر، ولا يعتبر أي مكون مختلف أقلية يحق لأي كان أن يسلب منها الحقوق، بل هو جزء لا يتجزأ من المجتمع الذي يعيش فيه كامل شعب الدولة، ولا يجوز اقصاءه وتخوينه إذا استثمر في وطنه، بل من المهم أن ندرك وبوعي أن مسألة إقصاء الاخر في الوطن الواحد، هي سمة تُمارس للأسف من فئة سلبية اقصائية في المجتمع ، علماً بأن هذا الاخر هو من يساهم وبشكل ايجابي وفعّال ومهم في بناء وطنه وعبر تاريخ عريق يثبت وجوده الحضاري الأصيل ويؤكد أنه مكون رئيس في الشرق العربي ساهم مع غيره في بناء وترسيخ الحضارة العربية.


فهل سيخلع الشرق الاوسط الجديد ثوب الطائفية والاقتتال الطائفي والعرقي، ويدخل ويهتم بمرحلة بناء أوطاننا في الشرق العربي، لتصبح حقاً على مستوى من الحضارة والتقدم وعلى صعيد دول العالم العصرية الحديثة الديمقراطية؟، فهل سنمضي جميعاً معاً كشعوب متعددة متحدة نؤمن بعدم الاقصاء لاي مكون مجتمعي على حساب مكاسب ومصالح مكون آخر حاكم، كما هو حال حكم الحزب الواحد في سوريا سابقاً.


وهل ستتغير وتستبدل الحدود القديمة للدول وترسم خرائط جديدة للشرق العربي؟، وهل ستُخلع سمة حدود الدم والحروب الماضية دون رجعة، ويدخل الشرق الاوسط العربي الجديد مرحلة جديدة تتميز بالديمقراطية والانتعاش الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وتتلاشى مظاهر البطالة خاصة بين الشباب المتعلم، ويتم رفع مستوى دخل الافراد ليدخل الشرق الاوسط الجديد عملياً مرحلة جديدة من البناء والتقدم والحضارة ، لتصبح دول الشرق العربي منارة للدول العالمية المتقدمة.

شاهد أيضاً

5 شهداء في قصف للاحتلال جنوب مدينة غزة

شفا – استشهد خمسة مواطنين، في قصف للاحتلال الإسرائيلي على مدينة غزة. وأفاد مراسلنا بأن …