
حُرّاس الوعي بين الحرفة والرسالة: وصفي شاهين نموذجاً ، بقلم: الدكتور عماد سالم
في زمن التحوّلات المتسارعة على كافة المستويات – القيمية والاجتماعية والاقتصادية – تزداد الحاجة إلى أولئك الذين يحرسون الوعي، ويقفون في وجه التفاهة والزيف والانحدار القيمي. هؤلاء هم من نسميهم “حُرّاس الوعي”؛ ليس لأنهم يحتلون مناصب أكاديمية أو يُديرون مؤسسات فكرية، او لديهم مصالح عمل التي تخصهم، بل لأنهم يمارسون الموقف، ويجعلون من مهنتهم منبراً للكرامة، ومن يومياتهم مساحة للنضال الصامت.
ومن بين هؤلاء، يبرز اسم وصفي شاهين ( ابو طارق) من محافظة بيت لحم ومن بلدة حوسان بالتحديد، المهني في قطاع خدمات المركبات وبالتحديد في مهنة دهان بودي وتجليس هياكل السيارات والنقابي والمواطن الملتزم، كنموذج نادر لحارس وعيٍ في ثوب الحرفة.
وصفي شاهين ( أبو طارق)
حُرّاس الوعي… من الجامعة إلى ورشة العمل
لطالما تم حصر مفهوم “الوعي” في أروقة الجامعات أو في صالونات النخبة. لكن الواقع يثبت، يوما ًبعد يوم، أن الوعي الحقيقي يُصنع في الميدان، حيث يعيش الناس التحديات اليومية، ويواجهون اختبارات الضمير في كل قرار بسيط.
حُرّاس الوعي هم أولئك الذين يرون في المعرفة مسؤولية، وفي الموقف التزاماً، وفي الصمت خيانة. إنهم خط الدفاع الأول عن كرامة الإنسان، وعن القيمة وسط سيل الانحدارات.
وصفي شاهين: الوعي عندما يرتدي ثياب العمل
وصفي شاهين، من محافظة بيت لحم، لم يكن يحمل شهادة دكتوراه ولا بكالوريوس ولا دبلوم ولا حتى الثانوية العامة، لكنّه امتلك ويتلك ما هو أعظم، وعياً مجتمعيًا يقظاً، وضميراً حياً، وخبرةً تقنيةً عميقة. شغل موقع رئيس نقابة أصحاب المهن الميكانيكية في بيت لحم، وارتقى بهذا الدور إلى ما هو أبعد من كونه وظيفة نقابية بمفهوم العمل التطوعي؛ لم يكن يبحث عن المكانة والظهور بقدر إيجاد الاثر الايجابي منطلقاً من فلسفة انما الانسان أثر وهذا جعله منبراً للدفاع عن الحقوق، ومساحة لتأطير الكرامة المهنية، وميدان لتكريس قيم العمل الشريف والانتماء.
وصفي شاهين: حارس الوعي ومهندس الحضور المجتمعي
في زمن تتعدد فيه التحديات وتتنوع المسؤوليات، يبرز السيد وصفي شاهين كأحد الأسماء اللامعة في مجال المهن الميكانيكية في محافظة بيت لحم. من خلال قيادته لنقابة أصحاب المهن الميكانيكية، ساهم في تعزيز الوعي المهني والاجتماعي، مؤكدًا على أهمية الدور الذي يلعبه المهنيون في بناء المجتمع.
المساهمة في التدريب المهني
كان للسيد شاهين دور بارز في دعم وتطوير برامج التدريب المهني، حيث شارك في مبادرات تهدف إلى تأهيل الشباب وتمكينهم من دخول سوق العمل. من خلال التعاون مع مؤسسات تعليمية ومهنية، ساهم في تصميم وتنفيذ برامج تدريبية تلبي احتياجات السوق المحلي.
الحضور المجتمعي والوطني
لم يقتصر دور السيد شاهين على المجال المهني فحسب، بل كان له حضور فاعل في الأنشطة الوطنية والاجتماعية في محافظة بيت لحم. من خلال مشاركته في الفعاليات والمناسبات المختلفة، أكد على أهمية التفاعل المجتمعي ودور المهنيين في خدمة قضايا المجتمع.
التحديات والإنجازات
واجه السيد شاهين العديد من التحديات في سبيل تطوير القطاع الميكانيكي، إلا أنه تمكن من تحقيق إنجازات ملموسة من خلال إصراره وعمله الدؤوب. ساهم في تحسين بيئة العمل، وتعزيز مكانة المهنيين، وتوفير فرص التدريب والتأهيل، مما انعكس إيجابًا على جودة الخدمات المقدمة في هذا القطاع.
الدور المجتمعي… وسمعة الحَكم
في كل فعالية وطنية، أو مناسبة مجتمعية، أو نقاش عام، كان وصفي شاهين حاضرًا بصوته العاقل، وتحليله المتزن، وموقفه الثابت. لم يكن يتحدث كثيرًا، لكنه حين يتكلم، كان الناس ينصتون، ويثقون أن ما يقوله صادر عن إخلاص وتجربة.
تحوّل شاهين إلى مرجعية محلية، ليس بفضل المنصب ولا بفضل مصلحة عمله التي تخصه، بل بفضل الموقف. صار رمزاً يُشار إليه في المحافظة، وشاهداً حياً على إمكانية الجمع بين الحرفة والرؤية.
وصفي شاهين… حارس وعي في زمن الحاجة إلى الشجعان
في هذا الزمن المعقّد، حيث يندر النقاء في القول، والثبات على المبادئ، والشجاعة في مقاومة التيار، يبرز وصفي شاهين كأحد أولئك الذين لا تنطبق عليهم فقط صفة “المثقف” أو “الخبير”، بل يليق به لقب “حارس وعي” بكل ما تحمله الكلمة من معنى ووزن.
لم يكن شاهين يوماً مجرد ناقل معرفة أو مكرّس للمسلمات، بل كان صوتًا حرًا في وجه التزييف، وعقلاً متبصرًا حين يتفشى السطح، وموقفًا شجاعًا حين يسود الصمت.
لقد جمع وصفي شاهين في شخصيته بين التكوين المهني الصارم، والحضور الاجتماعي المسؤول، والبوصلة الأخلاقية التي لا تنحرف مهما اشتد الظرف. في مداخلاته العامة، وفي كتاباته، وفي إدارته للنقاشات، كان دائمًا ينتصر للعقل، وللحق، وللإنسان. لم يكن تابعًا، ولا متعاليًا، بل كان كما يجب أن يكون المثقف الحق: منحازًا للوعي، ومدافعًا عن كرامة الناس، وساهرًا على نقاء المعرفة.
ولأن الوعي لا يُصان إلا بالتضحية، فقد اختار شاهين طريق الصبر، لا الطريق الأسهل. لم يجامل حين تستدعي اللحظة قول الحقيقة، ولم يختبئ خلف العبارات الرمادية حين يشتد غبار الزيف. ولذا، فإن الحديث عن حراس الوعي في هذا المقال لا يكتمل دون أن يُذكر اسمه، لا كتجسيد رمزي، بل كنموذج فعلي يجب أن يُحتذى به.
التحديات… والصلابة في وجه الانكسار
لم تكن مسيرة شاهين سهلة؛ فحُرّاس الوعي غالبًا ما يدفعون الثمن. من أبرز التحديات التي واجهها:
- تراجع القيم الأخلاقية لصالح الحسابات الشخصية.
- تهميش الكفاءات الحقيقية أمام ضجيج الإعلام أو المصلحة السياسية.
- ضغوطات داخل النقابات أو من خارجها تُحاول كبح مسارات الإصلاح.
- لامبالاة مجتمعية تُضعف جذوة الحماس وتُثقل كاهل الناشطين.
لكن ما ميزه – كما كل حُرّاس الوعي الحقيقيين – هو صلابته في وجه الريح، وقدرته على الاستمرار دون أن يُساوم أو ينكسر.
حين تتحول المهنة إلى منبر
تجربة وصفي شاهين تؤكد أن العمل المهني ليس مجرّد وسيلة لكسب الرزق، بل يمكن أن يكون أداةً للتغيير. مارس مهنته دهان بودي وتجليس هياكل السيارات في قطاع خدمات المركبات، لكنه حمل في قلبه قضية كل عامل، دخل ورشة التصليح كل صباح، لكنه دخلها بوعي القائد وضمير النقابي وموقف المثقف.
تحية لحُرّاس الظل
وصفي شاهين ليس حالةً استثنائية بقدر ما هو تذكير دائم بأن هناك كثيرين يشبهونه: لا يحملون الألقاب الأكاديمية، لكنهم يحملون الوطن في قلوبهم، والكرامة في سلوكهم، والشجاعة في مواقفهم.
تحية لكل من يشبه وصفي شاهين.
تحية لحراس الوعي، الذين لا تُغريهم المناصب، ولا تُرهقهم الضغوط، ولا تُشتري مواقفهم.
تحية للذين يُتقنون المهنة، ويربطونها بالرؤية، ويجعلون من اليومي المألوف عملًا نضاليًا يليق بكرامة الإنسان.
إن تكريم أمثال وصفي شاهين لا يكون بالمظاهر، بل باعتراف مجتمعي عميق بدورهم في تثبيت الوعي، وحماية العقول، وتغذية الضمير الجمعي بالأفكار النبيلة والمواقف الأصيلة.
هؤلاء هم الأبطال الصامتون في معركة الوعي… وصفي شاهين أحدهم.