
الأستاذ الفاضل خضر بكر ، سيرة طيبة وأثر خالد بين الناس ، بقلم: د. تهاني رفعت بشارات
في زمنٍ قلّ فيه حضور النُبل في تفاصيل الحياة، يظل بعض الأشخاص كالأشجار الوارفة في صيفٍ لاهب، يُظِلّون من حولهم، ويغرسون الطمأنينة في القلوب بمجرد حضورهم. أولئك هم من لا يعرّفهم المنصب، بل تُعرّفهم القيم، ولا تصنعهم المكاتب المغلقة، بل تصوغهم المواقف النبيلة والعطاء الصادق. ومن هؤلاء الكبار الذين يكتب الزمن أسماءهم بحروف النقاء والصفاء، الأستاذ الفاضل خضر بكر، الذي يجمع بين المهنية الرفيعة، والإنسانية النادرة.
الأستاذ خضر بكر ليس مجرد مديرٍ لمؤسسة مالية، بل هو عنوان للسموّ الأخلاقي، والنموذج الحقيقي للقيادة التي تنزل من برجها العاجي، لتكون بين الناس، تسمع نبضهم، وتلامس احتياجاتهم، بكل أدبٍ وتواضعٍ واحترام. لا يحب الأضواء، بل يُضيء للآخرين، ولا ينتظر التصفيق، بل يعمل بصمتٍ وثباتٍ وتفانٍ قلّ نظيره.
أتذكّر قبل سنوات طويلة، حين كان يعمل في أحد البنوك ، وذهبتُ لأخذ ورقة تخص الجامعة، فإذا بي أُفاجأ بالأستاذ خضر، لا جالساً في مكتبه وراء الحواجز، بل واقفاً بين الناس، يجيب على استفساراتهم، ويُتابع معاملاتهم، يبتسم لهذا، ويطمئن على ذاك، ويتنقل كخيوط الشمس بين أركان البنك، يمنح الدفء، ويبدّد الانتظار والقلق. كنت أظن أن المدير مكانه خلف الطاولات العالية، لكن خضر بكر كان مدرسة في التواضع، ومثالاً للقيادة الخادمة التي ترفع غيرها، لا نفسها.
لم يكن ذلك الموقف سوى ومضة من نور شخصيته، ومرت الأيام وتباعدت الخطى، حتى قادتني الصدفة بعد سنوات إلى موقف آخر، وهذه المرة في بنك آخر في مدينة جنين. كنتُ بصحبة أختي، وهي حامل آنذاك، وقد واجهت مشكلة في حسابها البنكي. وبينما كنا ننتظر، فإذا بي أراه من جديد… الأستاذ خضر، بذات البساطة والنشاط، يتنقّل بين الموظفين، يتابع، يدقّق، يطمئن، كما لو أن كل زبون هو قضيته الخاصة. ولمّا عرض أحد الموظفين عليه مشكلة أختي، لم يتردد لحظة، بل باشر بالإجراء، وتم حلّ الأمر بيسر وسلاسة تامة، وخرجنا شاكرين لهذا القلب الكبير والعقل الحكيم.
هو ليس رجل أرقام فحسب، بل رجلُ القلوب…
قلوب الزبائن الذين يرونه قبل أن يسألوا، ويجدونه حاضراً قبل أن يشتكوا.
هو ليس فقط مديراً لمؤسسة، بل راعياً لأمان الناس، حافظاً للثقة، ومُتّكأً لكل من يلتمس في عمله احتراماً وتقديراً.
كم من الأسماء تعبر مشهد الحياة سريعاً، وكم من القلوب تترك خلفها وقعاً لا يُنسى.
الأستاذ خضر بكر من هؤلاء القلائل الذين كلما مررت بهم، شعرت أنّ في هذا العالم بقية من خير، وأن الطيبة لا تزال تسكن في بعض الملامح، وتفيض من بعض الأيادي، وتخفق في بعض القلوب.
حقًا، إنما الإنسان أثر،
وأثر الأستاذ خضر بكر ليس مجرد توقيع على معاملة، أو إشراف على عملية مصرفية،
بل هو أثر كعطرٍ باقٍ في المكان بعد الرحيل، وكنهرٍ يسقي العابرين ثم يمضي، دون أن ينتظر شيئًا في المقابل.
له منّا كل الاحترام والتقدير،
ولأمثاله تُرفع القبعات،
وتُكتب الكلمات من نور،
وتُسجَّل المواقف في سجلّ الكرام والأنقياء.