
العمُّ المهندس علي خليل بشارات ، ذاك الذي يشبه الوطن دفئاً، ويشبه الأب حضناً، ويشبه السند إذا مال الزمان ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
علّموا أبناءكم أن الأهل ليسوا مجرد صلة دم، بل صلة روح، وسند عمر، ومصدر عزّ لا يغيض. علموهم أن العم ليس مجرد أخٍ للأب، بل هو امتداد له، ظلّه إذا غاب، ووجهه الآخر حين يشتد الحنين. علّموهم أن الأقارب هم الوشائج التي تشدّ ظهورنا في مهبّ الحياة، وأن أثرهم الطيب لا يُشترى ولا يُصطنع، بل يُولد من قلبٍ أبيض ونفسٍ نقيّة.
ومن بين أولئك الذين وضعوا بصمتهم النبيلة في سجل أيامي، وتركوا في قلبي طيب الأثر كعطرٍ لا يزول، يظلّ عمي المهندس علي خليل بشارات، ذاك الرجل الذي يشبه أعمدة البيوت القديمة، راسخة لا تهتزّ، تحيط بك بالأمان وتحميك من الانهيار. لطالما كان مشجعاً لي، فخوراً بي، يرى في إنجازي امتداداً لفخر العائلة، وينطق باسمي كمن ينطق بشرفٍ يزدان به.
ولعلّ من أجمل اللحظات وأكثرها نقشاً في قلبي، تلك التي وقعت في عمّان، في رحاب المكتبة الوطنية الأردنية، يوم إشهار كتابي “إنما الإنسان أثر – الجزء الثاني”. كان يوماً مهيباً، كأنّ الحروف فيه لبست حلل الفرح، والصفحات صارت طيوراً تُحلّق في سماء الإبداع. وبين الحضور، كان عمي يجلس في الصف الأول، إلى جانب ابنتي، وجهه مُضيء كقنديل حبّ، وعيناه تبرقان بدموع فخر لم يستطع أن يحبسها، فكانت دموعه أبلغ من ألف كلمة، تحكي عن حبّ، وعن دعم، وعن امتداد اسم، وتاريخ، وسند.
في تلك اللحظة، شعرت أن روح أبي الراحل قد تجسدت فيه، وكأنّ دفء والدي الحبيب قد حضر بيننا، فكانت عيون عمي تتحدث بلسان أبي، وكانت نظرته تغلفني بأمان غائب لا يُعوّض.
ما أجمل أن يكون لك في الحياة شخصٌ يرى فيك شيئاً يستحق الفخر، وما أروع أن يكون هذا الشخص قريبك، دمك، وجزءاً من ماضيك وحاضرك. عمي، يا سَندي، يا ظل والدي الغائب، يا من كلما التفتُّ وجدتك في زوايا القلب حاضراً، دافئاً، رقيقًا كنسيم الفجر، قويّاً كجذع زيتونة لا تنحني، طيّب الأثر كعبير البرتقال في شباط.
شكراً لك، لأنك كنت ولا تزال من أوائل الداعمين، ومن أكثر الوجوه المحبّة التي تزرع الطمأنينة في روحي. حقّاً، إنما الإنسان أثر، وأثرك يا عمي لا يُنسى، لأنه مزروعٌ في الذاكرة كحنين، وفي القلب كنبض، وفي الدعاء كرجاء صادق أن يحفظك الله، كما حفظت فيّ الأمل ذات يوم.