
المهندس الأستاذ محمد السعافين ، نبض التقنية وأثر الطيبين ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في رحلة الحياة، يمرّ بنا الكثيرون، لكنّ قلّة منهم يتركون في أرواحنا بصمات لا تُمحى، كأنهم نقشوا أسماءهم على جدران القلب بلطف تعاملهم، وجمال أخلاقهم، وصدق عطائهم. ومن هؤلاء الذين خلّدوا حضورهم في الذاكرة والوجدان، يبرز اسم المهندس الأستاذ محمد السعافين، الرجل النبيل والجندي الخفي في ركنٍ من أركان المعرفة والضوء، في المكتبة الوطنية الأردنية.
تشرفت بمعرفته يوم إشهار كتابي الثالث “إنما الإنسان أثر – الجزء الثاني”، وكان لي حينها أن أرى بعيني رجلاً من طرازٍ نادر، يجمع بين الرقي المهني، والذوق الإنساني، والتفاني الصادق في العمل. كان الأستاذ محمد يقف خلف الكواليس، لكنه في الحقيقة كان صانع المشهد وجماله. بعين يقظة ومهارةٍ فنية متميزة، تولّى مهمة تصوير الحفل، وأدار ببراعة كل ما يتعلّق بالبث المباشر، ليخرج هذا اليوم في أبهى حُلّة وأجمل إخراج، كأنه لوحة فنية رسمتها يد مبدعٍ يعشق التفاصيل.
ما ميّزه أكثر من شيء هو صبره الجميل وتعامله اللبق مع جميع الحضور، وكأن في قلبه فسحة تتّسع للجميع. كان يحرص على راحة الضيوف ويوثق اللحظات كما لو كان يؤرّخ لتاريخٍ وطنيّ لا يُنسى. وكان كرمه في التعامل، وتواضعه الجمّ، صورةً ناصعة لإنسان لا يعمل من أجل الواجب فحسب، بل من أجل القيمة والمعنى.
ذلك اليوم لم يكن مجرد حفل إشهار لكتاب، بل كان يومًا استثنائيًا في الذاكرة، يوثق لحظة من العمر تجسدت فيها المعاني السامية: الأدب، العلم، الاحتفاء، والإخلاص، وكلّها كانت حاضرة بصمتٍ جميل خلف عدسة الأستاذ محمد، وبصبره المضيء.
نعم، إنما الإنسان أثر، وأثرك يا أستاذ محمد خالدٌ، لا تُمحى سطوره، ولا تُنسى لمساته. لك الشكر بامتداد السماء، والامتنان كلّ الامتنان، على ما منحتنا من طيبك وأخلاقك وصدق حضورك.