11:29 مساءً / 4 مايو، 2025
آخر الاخبار

الكاتبة الدكتورة سارة الشماس ، باحثة تقاوم بالكلمة وتوثّق المسجد الإبراهيمي في وجه التهويد ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الكاتبة الدكتورة سارة الشماس ، باحثة تقاوم بالكلمة وتوثّق المسجد الإبراهيمي في وجه التهويد ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

من بين محطات العمر التي تترك أثراً لا يُمحى في الروح، كانت معرفتي بالدكتورة الرائعة والباحثة الفلسطينية المتألقة سارة الشماس من أجمل ما مرّ في حياتي، فقد كانت لحظة لقائنا بمثابة نبعٍ صافٍ فاض بالعِلم والنور والانتماء. في أمسية بهية تليق بعظمة الرسالة وعراقة المكان، تشرفت بحضور حفل إشهار كتابها المميز “المسجد الإبراهيمي بين عراقة التاريخ وتحديات التهويد”، وكم كنتُ فخورةً بابنة بلدي، وهي تقف كالنخلة الفلسطينية الباسقة، شامخة، صلبة، تفيض معرفةً وتوقداً، وتخاطب الحضور بلسان الباحثة والمقاومة، لا تحمل بندقية، بل تحمل فكراً ينير، وكلمة تقاوم، وبحثاً يوثق الحقيقة في وجه محاولات الطمس والمحو.

لقد بدت في تلك الأمسية كقنديل في ليل طويل، وكأنها تحمل شعلة الوعي في زمن كثرت فيه محاولات التزييف. حديثها كان أشبه بخرير نهر صافٍ يجري في وادٍ منسجم مع التاريخ، عميقٌ كجذور شجرة زيتون مقدسية، وراقٍ كغناء قُدسيّ يُتلى في محراب الذاكرة. لم يكن الحفل عادياً، بل كان محفلًا للانتماء والعلم، حضره نخبة من أعلام الفكر والتاريخ، يتقدمهم معالي الأستاذ الدكتور صلاح جرار، الوزير السابق للثقافة، رمز الفكر القومي والأدب الرفيع، ومقدمة الكتاب التي خطها الأستاذ الدكتور معاوية إبراهيم، أحد أعمدة علم الآثار، جاءت كتوثيق من عالمٍ كبير يكرّس جهده للدفاع عن هوية فلسطين. أما إدارة الحفل، فكانت للدكتور رياض ياسين، بحضوره البهيّ وعلمه الغزير في التاريخ الإسلامي، مما أضفى على الأمسية عمقاً وبهاءً.

وقد أجمع الحضور على تميّز الكتاب علمياً وأكاديمياً، وأشاد الجميع بأسلوب الدكتورة سارة الذي جمع بين الرصانة البحثية والجمال اللغوي، فتجلّى الكتاب كتحفة فكرية لا تقل شأناً عن أي أثر معماري خالد. كان من حسن حظي أن أهدتني الدكتورة نسخة موقعة من كتابها، ففرحتي بها لا تقل عن فرحة من يُهدى قطعة من تراب الوطن. هذا الكتاب، الذي أراه جديراً بأن يُدرّس في جامعات الوطن ومدارسه، جاء في أربعة فصول، كل فصلٍ بمثابة فصل من فصول مقاومة الكلمة والحبر.

في الفصل الأول، غاصت الدكتورة في أعماق التاريخ لتستلّ من بين دفاته حكاية المسجد الإبراهيمي الشريف، منبع القداسة وملتقى الأنبياء. وفي الفصل الثاني، أفاضت في الحديث عن المسجد بكل تفاصيله المعمارية والدينية والتاريخية، أما الفصل الثالث، فكان شهادة دامغة على جرائم الاحتلال، حيث رصدت الاعتداءات الإسرائيلية منذ عام 1967، وتحديدًا مجزرة المسجد، بلغة موثقة، مدعومة بالمصادر والمراجع والمشاهد الموثقة. ثم تختم في الفصل الرابع بعرض شامل للجهود الفلسطينية والعربية والدولية في مواجهة هذه الانتهاكات، مما يجعل من الكتاب مرجعاً وطنياً بامتياز، ونبراساً لكل من يريد فهم القضية من باب الوعي والبحث.

ولم يكن اختيار غلاف الكتاب تفصيلاً عابراً، بل كان لوحةً تنطق بالهوية والوجع، بريشة الفنان الفلسطيني القدير الدكتور جمال بدوان، الذي استطاع بريشته أن يختصر التاريخ والرسالة والهوية في مشهد بصريٍ بليغ. لوحته لم تكن مجرّد غلاف، بل كانت بوابة تُمهّد للقارئ الولوج إلى روح المكان، وقد جسّدها الفنان بلغة اللون، حتى بدت مرآةً للكتاب وأبعاده.

أمثالكِ يا دكتورة سارة تُرفع لهن القبعات، وتُسطّر لهن الحروف بحبر الفخر، فأنتِ وجه مشرق من وجوه فلسطين، وصوت من أصواتها المقاومة. في زمن تتكاثر فيه المحن، تأتي أنتِ لتذكّري الجميع أن الجهاد ليس فقط بالبندقية، بل بالعلم، بالكلمة، بالبحث، بالتوثيق، بالتأريخ… فدمتِ حارسة لذاكرة الوطن، وراويةً للحق، وباحثةً تُنير درب الحرية.

شاهد أيضاً

الاحتلال يعتقل مواطنين من يانون جنوب نابلس

شفا – اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مواطنين من خربة يانون، جنوب نابلس. وأفادت مصادر محلية، …