9:31 مساءً / 25 أبريل، 2025
آخر الاخبار

رأس حمزة شاهد في محكمة الآخرة ، بقلم : بديعة النعيمي

بديعة النعيمي

رأس حمزة شاهد في محكمة الآخرة ، بقلم : بديعة النعيمي

في عتمة هذا العالم الصامت، المدّعي تطل صورة حمزة عيسى أبو عيسى كصفعة على وجه الإنسانية، كصرخة تختنق، كدمعة لا تجد من يمسحها.


لا كلمات تكفي لوصف قسوة المشهد وبشاعة الجريمة، ولا بيان يمكنه أن يبرر أو يفسر كيف يُفصل رأس طفل عن جسده في زمن المحاكم الدولية والجنائية المزعومة.

حمزة الذي قصف مع عائلته في دير البلح وسط قطاع غزة بتاريخ ٧/نيسان/٢٠٢٥ مأساة لا تحتاج إلى تعليق بقدر ما تحتاج إلى وقفة أمام ضمائرنا، أمام السياسات الدولية الملعونة التي شرعنت القتل حين أعطت الضوء الأخضر للقاتل تحت مسميات وذرائع باتت مستهلكة.

حمزة لم يكن رقما، لم يكن خبرا عابرا في شريط عاجل. كان يفترض أن يركض خلف ألعابه، يضحك حين تهرب كرته بعيدا عنه وهو يلاحقها. لكن في زمن الحرب بات حمزة وغيره من أطفال غزة مرعوبين يلحقون بأمهاتهم، يتشبثون بأثوابهن خوفا من صوت القنابل الغادرة التي تصم السمع وتوقف نبضات القلب. كان يفترض بحمزة أن يدخل الروضة، أن يتعلم كتابة اسمه، أن يحلم مثل كل أطفال الأرض. لكن الحرب التي لا ترحم، قررت أن تُطفئ هذا النور. صاروخ واحد أنهى كل شيء. لم يبقَ من حمزة إلا جسد صغير مفصول الرأس، تحمله يد رجل يُفترض أنه معتاد على إنقاذ الأرواح، لا جمع أشلاء الأطفال.

أي عالم هذا الذي يرى رأس طفل يُفصل عن جسده ثم يمضي في يومه بشكل اعتيادي؟


وأي قوانين هذه التي لم تستطع حماية طفولته، ولم تجرؤ على إدانة قاتليه؟ أي ضمير هذا الذي سكت عن المجزرة، وصمت عن الطغيان، وتوارى خلف عبارات الدبلوماسية الباردة؟


إن ما حدث لحمزة لا يبرر بكل ذرائع السياسة الهابطة، بل هو الجريمة بعينها، الجريمة التي لا تحتاج إلى محقق ولا دليل، لأن الجسد الصغير كان هو الدليل.

منذ أكثر من مئة عام، منذ أن حلم “ثيودور هيرتزل” بفلسطين كدولة يهودية والفلسطيني يُحاصر، يُشرد، يُقتل، يُنسى، لكن حمزة أعاد تذكير العالم أن هناك شعباً يُذبح كل يوم، لا لأنه يهدد أحدا، بل لأنه ببساطة يرفض أن يُمحى.

منذ أن تصدرت صورة حمزة شاشات الهواتف، وهي تعلق في قلوبنا كأنها خنجر مسموم. فكيف لأعيننا أن تغفو بعد أن رأت ما رأت؟ وكيف لقادة العالم “المتحضر” أن يستمروا في الحديث عن “العدالة” المزعومة بينما أطفال فلسطين يُدفنون بلا رؤوس؟ فحتى الأرض لم تعد تتسع لدموع الأمهات، ولا الهواء يتسع لصرخات الفقد.

إن لحظة الموت التي عاشها حمزة ليست لحظة عابرة، بل هي اللحظة التي خلخلت الوعي الإنساني كله. إنها لحظة سقوط لكل ما ظنناه سابقا بأنه قيم ومبادئ.

ما يحصل في غزة ليس مجرد حرب، إنها مجزرة متواصلة، إنها امتحان يومي لفكرة أننا بشر. وكل يوم يسقط فيه طفل مثل حمزة، يخسر العالم جزءا من إنسانيته.

وحمزة، رغم استشهاده سيبقى أيقونة. لا لأن صورة جسده الذي كان بلا رأس قاسية ومفجعة، بل لأن موته فضح الزيف، وكشف الخذلان، وجعلنا نعيد النظر في أنفسنا..


هل نحن بشر حقاً؟ أم أننا مجرد شهود زور على آخر فصول المأساة؟ حمزة رحل، لكنه أخذ معه شيئا من أرواحنا، وتركنا نتساءل بخجل موجع: من القادم؟ ومن يجرؤ على النظر في عيني أمّه؟.


فإلى متى سنشاهد المآسي في غزة ثم نخرس؟ إلى متى سيظل عار صمتنا وعقدة ذنبنا بحق ما نشاهد يرافقنا قبل أن ننتفض ونكسر قيد القمع والخنوع؟؟

شاهد أيضاً

السفير اشرف دبور يعزي السفير البابوي في لبنان بوفاة البابا فرنسيس

السفير اشرف دبور يعزي السفير البابوي في لبنان بوفاة البابا فرنسيس

شفا – قدم سفير دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية اشرف دبور اليوم الجمعة، واجب العزاء …