
اتفاق الهدنة تحت الضغط: هل تؤدي الانقسامات الإسرائيلية إلى انهياره؟ بقلم : د. خالد جاسر سليم
يكشف أحدث استطلاع للرأي أجراه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في يناير 2025 عن تحولات في توجهات الإسرائيليين اليهود فيما يتعلق بالأمن القومي وارتدادت ذلك على اتفاق الهدنة. يُظهر الاستطلاع، الذي يتتبع المواقف بشكل شهري منذ نوفمبر 2024، تفاعلًا معقدًا بين عدد من القضايا. من المهم الإشارة إلى أن نتائج الاستبيان الكلية، والتي تشمل آراء الفلسطينيين في الأرض المحتلة 48، قد قمت باستثنائها من عملية التحليل للتركيز على رأي الإسرائيليين اليهود تجاه هذه لقضايا، ومن ثم استشراف السيناريوهات المحتملة وسط ارتدادات اتفاق الهدنة.
الثقة بجيش الاحتلال:
على الرغم من حرب الإبادة المستمرة، لا تزال الثقة في جيش الاحتلال بين المستطلعين اليهود مرتفعة نسبيًا عند 77%. ومع ذلك، فإن هذا الرقم يمثل انتعاشًا طفيفًا من ديسمبر (74.5%) ولكنه لا يزال أقل مما كان عليه في نوفمبر (78%). يُعكس التراجع أيضًا في صورة الناطق باسم جيش الاحتلال، حيث انخفضت مصداقيته من 64% في نوفمبر إلى 59% في يناير، مما يشير إلى تزايد الشكوك حول التقارير العسكرية الرسمية والشفافية.
الثقة بنتنياهو:
ربما يكون الاتجاه الأكثر وضوحًا هو استمرار انخفاض الثقة في القيادة السياسية للعدو. يحظى رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو بموافقة 33% بين المستطلعين اليهود، بزيادة طفيفة عن 28% في ديسمبر، لكنه لا يزال يعكس عدم رضا عميق. الثقة في حكومة العدو راكدة عند 23%، مما يُظهر عدم حدوث أي تعافٍ يُذكر على الرغم من الجهود العسكرية والدبلوماسية المستمرة. تشير البيانات إلى أنه على الرغم من التحسن الطفيف في دعم نتنياهو، إلا أن الثقة العامة في الحكم لا تزال منخفضة للغاية، ولا توجد مؤشرات على حدوث تحول كبير في الرأي العام.
تراجع الاعتقاد بالنصر:
انخفض اعتقاد الجمهور بانتصار جيش الاحتلال في عدوانه على غزة من 74% في نوفمبر إلى 61% في يناير. وبالمثل، انخفضت الثقة في تحقيق أهداف العدوان بالكامل من 58% إلى 47% خلال نفس الفترة. تعكس هذه الأرقام تزايد الإرهاق من العدوان والشكوك حول جدوى الأهداف العسكرية. من أبرز الاتجاهات المتغيرة هو الموقف من ما إذا كان ينبغي استمرار العدوان في غزة. زاد دعم إنهاء العدوان بين المستطلعين اليهود من 31% في نوفمبر إلى 41% في يناير، بينما انخفض دعم استمرار العدوان من 55% في نوفمبر إلى 46% في يناير. رغم أن الأغلبية لا تزال تدعم استمرار العدوان، فإن التحول يشير إلى تزايد الرغبة في خفض التصعيد، لا سيما مع استمرار حرب الإبادة والعدوان دون حل واضح.
ترامب والراي العام الإسرائيلي:
ومع إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، ورغم دعواته وتساوقه مع اليمين الصهيوني، لا يزال الإسرائيليون اليهود متفائلين بحذر بشأن دعم الولايات المتحدة، على الرغم من انخفاض الثقة قليلاً. في نوفمبر، اعتقد 70% أن ترامب سيعطي الأولوية لأمن إسرائيل، لكن هذا الرقم انخفض إلى 66.5% في يناير. رغم أن الشعور العام لا يزال إيجابيًا، فإن التراجع الطفيف يشير إلى تزايد عدم اليقين لدى اليمين الإسرائيلي المتطرف بشأن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في ظل الإدارة الجديدة. تشير هذه النتائج إلى استمرار التحولات في الرأي العام الإسرائيلي اليهودي، مما قد يؤثر على القرارات السياسة المستقبلية، خاصة مواصلة التزام إسرائيل بتنفيذ اتفاق الهدنة.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل اتفاق الهدنة:
في ظل التحولات في المزاج العام الإسرائيلي، يمكن تصور أربعة سيناريوهات رئيسية لمصير اتفاق الهدنة، تتراوح بين الالتزام الكامل به، الانهيار، أو إعادة التفاوض.
⦁ التزام إسرائيلي بمراحل الاتفاق الثلاث (احتمالية متوسطة-مرتفعة للمرحلتين الأولى والثانية، وضعيفة للثالثة): رغم معارضة اليمين المتطرف، قد تلتزم إسرائيل بتنفيذ المرحلتين الأولى والثانية لضمان استقرار حكومة نتنياهو، خاصة إذا حصل اليمين المتطرف على امتيازات استيطانية. كما أن تزايد التأييد الشعبي لإنهاء الحرب والضغط من أهالي الأسرى قد يدعم هذا الاتجاه. ومع ذلك، تبقى احتمالية تنفيذ المرحلة الثالثة ضعيفة، لانها ليست ذات أهمية استراتيجية لإسرائيل، وهي حاجة فلسطينية اكثر منها إسرائيلية، ولا توجد قوة ضاغطة لانفاذها
⦁ استئناف العدوان بحجة انهيار الاتفاق (احتمالية متوسطة): قد تلجأ إسرائيل إلى تصعيد عسكري تحت ذريعة خرق المقاومة للهدنة، في محاولة لاستعادة تماسك الرأي العام اليميني بعد صدمة التجمع الإسرائيلي من طريقة افراج المقاومة عن الاسرى الاسرائيليين. ومع أن هذا الخيار قد يلقى دعماً من اليمين المتطرف، إلا أن الإرهاق من الحرب والتكاليف السياسية والعسكرية والاقتصادية قد تجعل إسرائيل مترددة في تبنيه، على الأقل الى ما بعد انتهاء المرحلة الأولى والثانية من الاتفاق، ولكه خيار ترتفع احتماليته مع بدء المرحلة الثالثة من الاتفاق.
⦁ انهيار الحكومة وإعادة تشكيل المشهد السياسي (احتمالية ضعيفة): رغم الأزمات الداخلية، أثبتت حكومة نتنياهو قدرتها على الصمود بفضل المصالح المشتركة بين مكونات الائتلاف اليميني الحاكم وضعف قوى المعارضة، مما يقلل من فرص انهيارها. كما أن نتنياهو يدرك أن إسقاط الحكومة قد يؤدي إلى فقدان اليمين المتطرف لمكاسبه السياسية، ويعرضه للمسائلة القانونية عن جرائم الفساد المتهم بها، ما يعزز احتمالية استمرار الائتلاف الحكومي الحالي حتى موعد الانتخابات القادمة. ولكن هذا السيناريو قد ترتفع اجتمالته في حال مواصلة التزام إسرائيل باتفاق الهدنه في مرحلته الثالثة، فضلا عن ان متطلبات التطبيع الإسرائيلي السعودي الذي تتصاعد احتمالاته في ظل إدارة ترامب قد يستدعي تشكيل حكومي مختلف.
⦁ إعادة التفاوض على اتفاق الهدنة (احتمالية مرتفعة): بعد ان تستعيد إسرائيل الأسرى الأحياء في المرحلة الأولى والثانية، قد تسعى لإعادة التفاوض على الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بالمرحلة الثالثة التي سيتم فيها إعادة رفات الاسرى الإسرائيليين، وسيتم اطلاق خطة كبرى لاعادة اعمار قطاع غزة. ان إعادة التفاوض على ما تم الاتفا، بل تم التوقيع عليه من سمات النهج التفاوضي الإسرائيلي، ولعل أوسلو ، أو عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان الذي كان مقررا في السادس والعشرين من الشهر الماضي خير امثلة. يدعم هذا السيناريو ضعف النظام العربي الرسمي، وتشظي الموقف الفلسطيني وغياب برنامج وطني مشترك، ما يمنح إسرائيل هامشًا واسعًا للمناورة وإعادة صياغة الاتفاق وفق مصالحها الأمنية والسياسية.
خلاصة القول:
يُظهر استطلاع يناير 2025 أن اتفاق الهدنة مع المقاومة الفلسطينية لم يكن مجرد حدث سياسي، بل تحول إلى عامل رئيسي في إعادة تشكيل المشهد الداخلي الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن المرحلة الأولى والثانية من الاتفاق قد تشهدان استعادة إسرائيل للأسرى الأحياء، إلا أن المرحلة الثالثة قد تصبح نقطة تحول حاسمة، حيث ستجد إسرائيل نفسها أمام معادلة جديدة: الالتزام بالاتفاق، او التراجع عنه لصالح تصعيد عسكري، ما يجعل مستقبل الاتفاق غير محسوم، ويضعه في إطار سيناريوهات مفتوحة تتراوح بين الاستمرار، الانهيار، أو إعادة التفاوض وفق المصالح الإسرائيلية المتغيرة والمتدحرجة.