4:56 صباحًا / 27 يوليو، 2024
آخر الاخبار

بناء استراتيجية دعم واسناد المؤسسات الشعبية العربية لقطاع غزة ، بقلم : د. عابد الزريعي

بناء استراتيجية دعم واسناد المؤسسات الشعبية العربية لقطاع غزة ، بقلم : د. عابد الزريعي

بناء استراتيجية دعم واسناد المؤسسات الشعبية العربية لقطاع غزة ، بقلم : د. عابد الزريعي

تميزت معركة طوفان الأقصى بمداها الزمني الطويل والمتواصل، وبإنجازاتها السياسية والعسكرية غير المعهودة، وبالتحديات غير المسبوقة المترتبة عليها. الأمر الذي جعل من الإجابة على سؤال الكيفية التي يمكن بها صيانة وتكريس الإنجازات، ودرء المخاطر المحيطة بها، تحديا بذاته. خاصة وان العدو الصهيوني، ومن خلفه كل القوى الامبريالية، قد القى بكل ما يحوز عليه من قوة عمياء، بهدف مسح ما خطه وسجله الطوفان في الذاكرة والوجدان والواقع، واستبداله بصور الدمار والخراب والموت، ليصل الى غايته المبتغاة المتمثلة في انتزاع فكرة المقاومة من وعي ووجدان الأمة.

الأسئلة المثارة في جوهرها ليست موجهة فقط للمقاومة الفلسطينية التي تخط سفر الملحمة، ولا للشعب الفلسطيني الذي جعل من دمه مدادا لكتابة ذلك السفر العظيم، ولكن وبشكل رئيس الى المؤسسات الشعبية العربية المنوط بها توفير كل ما يدعم صمود الشعب الفلسطيني في وجه الالة الجهنمية، خاصة وان القاصي والداني بات يدرك ان معركة طوفان الأقصى طرحت على تلك المؤسسات، سؤال: ما هو المطلوب في هذه اللحظة التاريخية.؟

هذه المقالة محاولة متواضعة للإجابة، من خلال تقديم تصور وبناء استراتيجية عمل للمنظمات الشعبية العربية من اجل توفير الدعم والاسناد لمعركة طوفان الأقصى. وهي تقتصر على مستويين هما:

المستوى الأول: الإطار العام للاستراتيجية:


تستمد معركة طوفان الأقصى البطولية مشروعيتها أولا من مبدأ الحق: حق الشعب الفلسطيني الثابت في استعادة وتحرير وطنه السليب بكل اشكال النضال، من اجل العودة وتقرير المصير، وبناء دولته على كامل ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف، وثانيا من مبدأ الدفاع: حق الشعب الفلسطيني الثابت في الدفاع عن نفسه ومواجهة الجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني يوميا ممثلة في تغول الاستيطان وجرائم المستوطنين في الضفة الغربية والاعتداء على المسجد الأقصى، والتنكيل بالحرائر، والاستفراد بالأسرى الفلسطينيين في غياهب المعتقلات. وثالثا من مبدأ درء المخاطر: للتأكيد على استمرار المقاومة الفلسطينية وثبات موقف الشعب الفلسطيني في ظل تطبيع عديد الأنظمة الرسمية وارتمائها في أحضان الكيان الصهيوني بما يترتب على ذلك من التفاف على القضية الفلسطينية وتغييب حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة.

غير ان انخراط المؤسسات الشعبية العربية، خاصة المهتمة منها بالقضية الفلسطينية إضافة الى مهماتها الوطنية، في عملية الدعم والاسناد لمعركة طوفان الأقصى ولأبناء الشعب الفلسطيني في غزة لم يرتق الى الحد المؤثر، على الرغم من تعبيرها عن ذلك الانخراط من خلال كثير من النشاطات التي تقوم بها. حيث يتبدى ضعف الانخراط في محدودية التأثير في الشارع العربي الذي بات متكيفا مع الاحداث الجارية، وشبه عاجز عن الفعل، الامر الذي بات يفرض وضع البرامج والاليات الكفيلة بتوفير كل اشكال الاسناد والدعم المادي والمعنوي لقطاع غزة، وذلك من خلال بناء رؤية محددة تنبثق عنها اهداف واضحة يتم السعي الى تحقيقها. وتحديد القوى الساعية والمهتمة بإنجاز تلك الأهداف، والتكتيكات العملية الواجبة واللازمة لذلك، مع ضرورة الانتباه للقوى المعرقلة التي يشكل انجاز تلك الأهداف تهديدا لمصالحها.

المستوى الثاني: مرتكزات الاستراتيجية

أولا: الرؤية الملهمة: تتلخص الرؤية الملهمة والمحرضة في انخراط جميع أبناء الأمة ــ في كل المواقع ــ عبر منظماتها ومؤسساتها الشعبية في عملية الدعم والاسناد، للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي تدشين مرحلة جديدة لنضال حركة التحرر الوطني الفلسطينية، بوصفها موقعا متقدما في صراع الأمة العربية مع المشروع الصهيوني على طريق دحره وتحرير ارض فلسطين التاريخية.

ثانيا: الأهداف المرجوة: تنبثق عن الرؤية الملهمة مجموعة من الأهداف، التي يشكل تحقيقها وانجازها شرطا ضروريا وحاسما لتجسيد الرؤية وتحويلها من إمكانية الى واقع. وتتمثل هذه الأهداف في ثلاثة مجموعات. أولها أهداف الحماية وهي: حماية أبناء قطاع غزة من تداعيات العدوان الصهيوني، وتوفير الاحتياجات الاغاثية اللازمة. وحماية الإنجازات الاستراتيجية لمعركة طوفان الأقصى، بإسقاط مشاريع الإجهاض المطروحة. وحماية النضال الفلسطيني بوصفة نضاليا تحرريا من اجل التحرير والعودة وتقرير المصير. وحماية ظهر المقاومة الفلسطينية، بمنع الكيان الصهيوني من التمدد في البلدان العربية. وثانيها اهداف المحاصرة وهي: محاصرة وملاحقة الكيان وعزله دوليا، قانونيا وسياسيا، بوصفه مجرم حرب. ومحاصرة وملاحقة المتواطئين مع الكيان ومن ضمنهم قوى التطبيع مع العدو الصهيوني. وثالثها أهداف الكسر وهي: كسر دائرة الرتابة والتكيف والغرق في القضايا ال قطر ية التي باتت تحيق بالجماهير العربية. وتوسيع دائرة انخراط الجماهير العربية في عملية الاسناد والدعم بوصفها عملية نضالية تشاركية. وكسر دائرة الحصار المضروبة على قطاع غزة وفي هذا السياق تأتي أهمية فتح معبر رفح لإدخال المساعدات للقطاع.

ثالثا: القوى الموكلة: وهي القوى المنوط بها السعي والعمل من اجل تحقيق وإنجاز الأهداف المشار اليها، بوصفها تجسيدا للرؤية المحددة. وتتمثل القوى الموكلة في المؤسسات الشعبية العربية المنضوية تحت مصطلح منظمات المجتمع المدني العربية، وهي عبارة عن خارطة كبيرة ومتنوعة من القوى والهيئات والمؤسسات والأحزاب المنخرطة في النشاط الاجتماعي والطبي والسياسي والحقوقي على كامل الوطن العربي. وهي تختلف في بناها وحدود صلاحياتها وادوارها عن المؤسسات الرسمية. كما انها تختلف فيما بينها بحكم مجالات عملها والقطاعات الجماهيرية التي تنشط في وسطها، الامر الذي يجعلها ويمكنها ــ فعلا وليس قولا ــ من تغطية كامل الخارطة الاجتماعية والاهتمامات والتخصصات المهنية على مستوى الوطن العربي. ويستدعي الأمر من اجل تعزيز فاعليتها وقدرتها على انجاز الأهداف المحددة، توحد هذه القوى سواء في اطر تنظيمية او تنسيقية، يما يوفره ذلك من إمكانية وضرورة التواصل والتنسيق مع الأطر المشابهة على المستويين الإقليمي والدولي.

رابعا: التكتيكات اللازمة: وهي الخطوات العملية التي تقوم بها القوى الموكلة من اجل تحقيق الأهداف المنوطة بها. والتي تسمح بالانتقال من المجال النظري (صياغة الرؤية وتحديد الأهداف) الى مجال الممارسة العملية الفعلية، الخاضعة للقياس، وتحديد مدى التقدم الفعلي نحو الأهداف، او المراوحة في المكان او الابتعاد عنها، بما يفرض إعادة التفكير في تلك الأهداف او الأدوات المستخدمة. ويمكن تحديد تلك التكتيكات ارتباطا بمجالات عمل تلك القوى فيما يلي:

1 ـــ التكتيكات القانونية والحقوقية: وهي الخطوات العملية اللازمة للنشاط وتوفير الدعم والاسناد القانوني والحقوقي، في كافة المجالات الوطنية والقومية والإقليمية والدولية. وتتبدى تلك التكتيكات في بناء اداة قانونية وحقوقية عربية موحدة ” اتحاد المنظمات والجمعيات القانونية والحقوقية العربية”. وانشاء مركز عربي موحد لرصد وتوثيق جرائم الابادة الجماعية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني. وتشكيل فرق قانونية (اقليمية ودولية) مختصة برفع القضايا امام المحاكم الدولية والوطنية ضد الاحتلال وقياداته، والمتواطئين معه. وتشكيل لجان عمل قانونية للاشتغال على اعادة الاعتبار لقرار الجمعية العامة رقم3379 العام 1975 الذي يسم الصهيونية بالعنصرية. وكذلك إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة بإسرائيل. وتأسيس محكمة شعبية عربية لمحاكمة كل المطبعين بما يشكلون من خطر على مصالح الأمة. وعقد المؤتمرات الإقليمية والدولية، واعداد البحوث والدراسات للتعريف بجرائم الكيان الصهيوني، وتفعيل القوانين والقرارات الدولية التي تشرع حركة التحرر الفلسطيني كحركة تحرر وطنية ضد الاستعمار.

2 ـــ التكتيكات الإعلامية: وهي الخطوات العملية ذات الطابع الإعلامي التي تقوم بها الأطر والمؤسسات الإعلامية بشكل يومي لإيصال رسالتها الوطنية والقومية التي تحمي قطاعات واسعة من الجماهير من السقوط فريسة للإعلام المضاد الرجعي والمتصهين. وتبدأ بإيجاد صيغة عمل موحدة سواء كانت تنظيمية او تنسيقية بين تلك المؤسسات. وبلورة ميثاق شرف اعلامي ملزم على قاعدة توحيد المصطلحات وتسميات الأمكنة الفلسطينية ودعم الرواية الفلسطينية. والقيام بحملات إعلامية ارتباطا بالأحداث التاريخية والجارية بعيدا عن التسطيح الإعلامي. وعقد الدورات الإعلامية التكوينية للإعلاميين الشباب وللناشطين في مختلف المجالات النضالية، خاصة وان الاعلام في صيغته الحديثة أصبح حاجة ضرورية للناشطين في مختلف المجالات غير الاعلامية.

3 ــ التكتيكات الثقافية: وتتعلق باليات وأدوات العمل الثقافي اللازمة والضرورية لبلورة الصيغ الفكرية والتنظيمية التي تساعد على تجاوز حالة الارتباك والتشوهات الفكرية، والاشتغال على بناء الوعي السياسي القادر على التعامل مع كل المتغيرات الجارية، وعلى الحماية من السقوط في دائرة الرتابة والتكيف. وتتبدى هذه الأدوات في تنسيق العمل بين الأطر الثقافية القائمة. وعقد الندوات والمؤتمرات وإقامة المعارض، والدورات التكوينية، وانتاج الأشرطة المرئية، وتشكيل لجان تربوية مختصة لتقديم تصورات واضحة تتعلق بدمج القضية الفلسطينية في البرامج الدراسية كما وكيفا. وتنظيم المسابقات الثقافية الشبابية التي تشمل مختلف جوانب الإنتاج الثقافي المتعلق بالقضية الفلسطينية، بعيدا عن هيمنة مراكز النفط الرجعية على هذا المجال.

4 ــ التكتيكات الاجتماعية: وتشمل مختلف الخطوات العملية المتعلقة بتوفير الدعم والاسناد الاغاثي بأبعاده المختلفة. وتتمثل في بناء لجان دائمة لجمع التبرعات العينية والمالية، والانتباه لأهمية وجود مثل هذه اللجان في المدارس والمعاهد لما يشكله ذلك من بناء وعي، وتحضير روافد جماهيرية نضالية دائمة. وتسيير قوافل الإغاثة من مختلف البلدان العربية نحو قطاع غزة. وتطوير صيغ الدعم المادي من خلال التنسيق مع اللجان والهيئات الفلسطينية، لشراء مواد الإغاثة من السوق الفلسطينية، لما لذلك من نتائج إيجابية على أكثر من مستوى، وبلورة الصيغ المحددة لكفالة الايتام ومعالجة الجرحى بعد توقف العدوان.. والتنسيق على مستوى الهيئات الطبية العربية والفلسطينية لإعداد اطقم مساعدة طبية احتياطية، من ممرضين ومعالجين بدنيين ونفسيين، وبناء شبكة عيادات الاحياء الصغيرة المجهزة.

5 ــ التكتيكات الجماهيرية: وتتعلق بالنشاط والحشد الجماهيري التحريضي والتعبوي اليومي، والذي يشكل ضمانة لاشتغال التكتيكات الأخرى. ويتمثل من حيث الشكل في المظاهرات والمسيرات والوقفات الاحتجاجية والعرائض والبرقيات والندوات والمؤتمرات وعقد الأيام الدراسية وغير ذلك. ومن حيث الإدارة فلابد من اعتماد الأساليب العلمية والمعرفية في تنظيم تلك النشاطات واداراتها، بما يضمن استمراريتها وتراكمها. ومن حيث التغطية فمن المهم الانتشار الجغرافي والاجتماعي، ليشمل مختلف المدن والبلدات على المستوى القطري، والبلدان على المستوى القومي، وان يكون موجها الى كافة الفئات الاجتماعية. وعلى أرضية الوعي والمعرفة بالقوى المضادة التي تقف حجر عثرة في طريق تحقيق الأهداف المشار اليها، والعمل من خلال تلك النشاطات والتكتيكات على عزلها ومحاصرتها.

خاتمة


إن الشحنة العاطفية وبالقدر الذي تشعل فتيل الرغبة في مجال الدعم والاسناد، الا انها سرعان ما تنطفئ إذا لم تحصينها بالأسس العلمية للعمل. وتتلخص بديهية هذه الأسس في وعي الفرق بين تحديد الرؤية التي نريد تحقيقها، والاهداف التي نصبو اليها، والذوات التي تمضي بنا نحو تحقيق اهدافنا، وتكتيكات العمل التي نعتمها في هذا السعي، مع الوعي العميق بالقوى المضادة التي تضع العثرات في طريقنا، والعمل على تحييدها ومحاصرتها وعزلها واسقاطها في نهاية المطاف. وضمن هذا التصور يمكننا ان نتحدث عن عملية دعم واسناد ناجعة لقطاع غزة.

شاهد أيضاً

حسين الشيخ يهاتف وزير خارجية سلطنة عُمان

حسين الشيخ يهاتف وزير خارجية سلطنة عُمان

شفا – هاتف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، وزير خارجية سلطنة …