9:01 صباحًا / 27 يوليو، 2024
آخر الاخبار

استراتيجية الدبلوماسية الوقائية في ظل النظام الدولي أحادي القطبية، بقلم : أماني الشريف

استراتيجية الدبلوماسية الوقائية في ظل النظام الدولي أحادي القطبية، بقلم : أماني الشريف

استراتيجية الدبلوماسية الوقائية في ظل النظام الدولي أحادي القطبية، بقلم : أماني الشريف


برزت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصارها في الحرب الباردة على الاتحاد السوفييتي اثر تفكك المعسكر الاشتراكي الأوروبي الشرقي في مطلع تسعينيات القرن الماضي.


تشكل النظام الدولي على يد الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والتي سعت لتكريس نظام دولي أحادي القطبية بما يؤمن لها غاياتها ومصالحها ويحقق لها استراتيجيتها الكبرى وهي أن تبقى القوة العظمى في العالم انطلاقا من مبدأ أن هذا النظام قائم على العدل والمساواة والازدهار والحرية لدول العالم قاطبة.


وبالنظر الى مفهوم النظام الدولي، فقد عرفه محمد طه بدوي على أنه: ” مجموعة من الوحدات السياسية بقوى متدرجة يقود علاقات القوى فيما بينها عدد صغير من القوى القطبية الكبرى”.، وعرفه آخرون على أنه “نمط التفاعل بين الفاعلين الدوليين في كافة المجالات”. ولا يقتصر مفهوم الفاعلين الدوليين على الدول فقط، وانما يشمل المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسية والأشخاص الدوليين وغيرها ومثال على ذلك الأمم المتحدة وأجهزتها الستة وهي الجمعية العامة، مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مجلس الوصايا، محكمة العدل الدولية، والأمانة العامة للأمم المتحدة. ان قرارات الجمعية العامة هي قرارات غير ملزمه بينما قرارات محكمة العدل العليا ومجلس الأمن الذراع التنفيذي فهي ملزمة.


وبمجرد قبول الدول أعضاء في الأمم المتحدة، فإنه يترتب عليها القبول بالالتزامات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة ومقاصدها والذي أنشأ عام 1945، وأهمها حفظ السلم والأمن الدوليين، تنمية العلاقات الودية بين الأمم، وتحقيق التعاون في حل المشاكل والنزاعات الدولية. الأمم المتحدة ليست حكومة عالمية ولا تعمل على وضع القوانين وانما تعمل على توفير وسائل العون لحل النزاعات المختلفة تاركة المجال أمام جميع دول العالم لتعرب عن آرائها ومقترحاتها والإدلاء بأصواتها في الأمور والنزاعات الدولية.


وفي ظل النظام الدولي أحادي القطبية، فإن الولايات المتحدة تهيمن على الساحة الدولية وتتفرد بالقرارات والنفوذ بما يتلاءم مع استراتيجيتها ومصالحها الخاصة مما يجعل النظام الدولي في حالة اضطراب وفوضى دائمة، الأمر الذي انعكس سلبا على قوة الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة التي باتت غير قادرة على تحقيق ما جاء في ميثاقها ومبادئها الرامية الى حفظ السلم والأمن الدوليين.


ان استخدام الدول الخمس دائمة العضوية لحق النقض الفيتو سبب اخفاقا واضحا في مجلس الأمن خاصة وأن الدول الخمس دائمة العضوية( روسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة ) لها الحق في الاعتراض على أي قرار يقدم لمجلس الأمن دون ابداء الأسباب، فقد أتاح هذا الحق للولايات المتحدة الاعتراض وبشكل روتيني على أي قرار ضد حلفائها خاصة الكيان الإسرائيلي، فقدمت أفضل دعم سياسي للكيان الإسرائيلي بإفشال صدور أي قرار من مجلس الأمن يلزم «إسرائيل» بضرورة وقف احتلال أراضي فلسطين وأعمال العنف ضد الشعب الفلسطيني أو إفشال أي قرار يدين «إسرائيل» باستخدام القوة المفرطة وخصوصا في حرب لبنان 2006 والحرب على قـطاع غـزة في نهاية عام 2008 ونهاية عام 2023، وفي الفترة بين عام 1946 و1971، استخدمت الصين حق الفيتو لإعاقة عضوية منغوليا في الأمم المتحدة. وقد استخدمت الصين حق الفيتو مرتين عام 1972، الأولى لإعاقة عضوية بنغلاديش، ومرة أخرى مع الاتحاد السوفيتي حول الوضع في ،. كما استخدم حق الفيتو عام 1999 لإعاقة تمديد تفويض قوات الأمم المتحدة الوقائية في مقدونيا وفي عام 1997 لإعاقة إرسال 155 مراقبًا من مراقبي الأمم المتحدة إلى غواتيمالا.


وأفادت منظمة العفو الدولية أن الأعضاء الخمسة الدائمين استخدموا حق النقض «لترويج مصالحهم الشخصية السياسية أو مصالحهم الجيوسياسية فوق مصلحة حماية المدنيين». ، ويرى المحللون السياسيون أن حق النقض قد أدى إلى إخفاق الأمم المتحدة وأجهزتها في إيجاد الحلول للنزاعات الدولية وإيقاف الحروب والانتهاكات بحق المدنيين وتحقيق الأمن الدولي.


وبالرغم من أن عدد كبير من المحللين والمفكرين السياسيين يرون أن النظام أحادي القطبية هو أفضل الأنظمة استقرارا، إلا أن هناك منهم من يرى أن النظام ثنائي القطبية هو الأفضل على الإطلاق مدعمين آرائهم بالحرب الباردة والتي استمرت ما بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ما بين 1949-1991 والتي لم تندلع فيها الحروب بسبب نظرية الردع. أما النظام متعدد الأقطاب فيسعى فيه كل طرف للتنافس مع الطرف الأطراف الأخرى وتظهر التحالفات ويؤدي في نهاية المطاف الى الحروب كما حصل في الحروب العالمية الأولى و الثانية.


وتسعى الولايات المتحدة جاهدة للمحافظة على قيادة النظام الدولي لتعزيز التعاون مع الدول بحجة تحقيق الأمن الجماعي والسلم والاستقرار من خلال الهيمنة الليبرالية، والأمثلة على ذلك كثيرة، ففي العام 2022، تدخلت الولايات المتحدة في العام لوقف صفقة شراء المملكة العربية السعودية لأسلحة صينية. وفي عام 2021 تدخلت الولايات المتحدة للتأثير على أبو ظبي حتى تمنع الصين من استكمال العمل في موقع بحري جزمت الولايات المتحدة أنه مخطط صيني يهدف لبناء قاعدة عسكرية.


ومع استمرار التوترات على الصعيدين الإقليمي والدولي، وفي ظل انعدام الأمن وانتشار الحروب في مختلف بقاع الأرض بات من الضرورة بمكان اصلاح النظام الدولي القائم واحداث تغييرات جذرية لاحتواء الازمات والصراعات وانتهاكات حقوق الانسان في شتى أرجاء العالم.


وبالرغم من اقرار اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها من قبل الجمعية العامة ، الا أن هذه المعاهدة لم تمنع من ارتكاب جرائم الإبادة بحق المدنيين في شتى أنحاء العالم ، وجاء في هذه المعاهدة طبقا للمادة الثالثة عشر والمؤرخة في 9 كانون الأول لعام 1948:” إن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بقرارها 96 (د – 1) المؤرخ في 11 كانون الأول / ديسمبر 1946، قد أعلنت أن الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي، تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها ويدينها العالم المتمدن، وإذ تعترف بأن الإبادة الجماعية قد ألحقت، في جميع عصور التاريخ، خسائر جسيمة بالإنسانية، وإيماناً منها بأن تحرير البشرية من مثل هذه الآفة البغيضة يتطلب التعاون الدولي. أقرت وعرضت للتوقيع وللتصديق أو للانضمام بقرار الجمعية العامة 260 ألف (د-3) المؤرخ في 9 كانون الأول /ديسمبر 1948″
ان الوسيلة الوحيدة لتجنب الخسائر البشرية الهائلة وجرائم الإبادة الجماعية للمدنيين العزل هي الدبلوماسية الوقائية طالما أن وجود المنظمات الدولية لم يمنع من إيقاف المجازر في ظل النظام أحادي القطبية والفيتو المستخدم من الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن وتضارب المصالح والغايات وفقا لنظرية الواقعية السياسية والتي تفترض أن القوة والمصلحة والمنفعة هي التي تحكم العلاقات بين الدول.


تهتم الدبلوماسية الوقائية باحتواء الازمات قبل وقوعها واستفحالها وتحولها الى حروب طاحنة تراق فيها الدماء، ويتم ذلك عن طريق الكشف المبكر للأوضاع التي لا بد وأن ينتهي بها الأمر الى الحروب المدمرة والنزاعات المسلحة الأمر الذي يتطلب تكاتف القوى الفاعلة في المجتمع الدولي والأمم المتحدة لنشر ثقافة المنع الوقائي للصراعات والتحرك في الوقت المناسب لإيقافها قبل اندلاعها، فالدبلوماسية الوقائية تُعد واحدة من أهم الآليات المستخدمة من قبل الأمم المتحدة لتخفيف حدة الأزمات في العلاقات الدولية، وللتسوية السلمية للنزاعات الدولية التي تُشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، لذا فإن الأساس القانوني للدبلوماسية الوقائية يستند في الأصل لميثاق الأمم المتحدة، ولدور الأمين العام في قيادة وتوجيه الدبلوماسية الوقائية، وتحقيق النتائج الإيجابية لما فيه خير للبشرية جمعاء.

شاهد أيضاً

حسين الشيخ يهاتف وزير خارجية سلطنة عُمان

حسين الشيخ يهاتف وزير خارجية سلطنة عُمان

شفا – هاتف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، وزير خارجية سلطنة …