10:18 مساءً / 28 مارس، 2024
آخر الاخبار

حق التنقل بحرية وسلام في الأرض المحتلة عام 1967 ، بقلم : ليندا العبادي

ليندا العبادي

حق التنقل بحرية وسلام في الأرض المحتلة عام 1967 ، بقلم :ليندا العبادي

يشكل موضوع التنقل والسفر هاجساً دائما للفلسطينيين بسبب الصعوبات التي تواجههم أثناء التنقل سواء داخل الأرض المحتلة، أو عند الخروج منها أو الدخول إليها، ويرجع ذلك إلى وجود الاحتلال الذي ينتهك حقهم في حرية التنقل والإقامة.

تؤكد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان على حق الفرد في حرية التنقل داخل وخارج الإقليم الذي يقيم فيه، وحقه في اختيار مكان إقامته، حيث أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والعديد من المعاهدات الإقليمية على هذا الحق، بحكم أنه مرتبط بباقي حقوق الإنسان التي هي حقوق متكاملة وغير قابلة للتجزئة.

تاريخياً، ومنذ عهد الانتداب البريطاني عانى الشعب الفلسطيني من استلاب حقه في التنقل واختيار مكان إقامته، بحكم أن القوانين التي فرضها الانتداب، وبخاصة قانون الدفاع والطوارئ للعام 1931 وتعديلاته قيّدَ هذا الحق؛ مثل عقوبة الإقامة الجبرية، والحبس المنزلي، وعقوبة النفي أو الابعاد. وبعد احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، اتخذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، العديد من السياسات والإجراءات والتدابير الهادفة إلى تكريس واقع استعماري يُمكّنها من إحكام سيطرتها على الأرض والسكان، وتجريد المواطنين الفلسطينيين من حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بحيث لا يتمكن الفلسطيني من العيش بشكل طبيعي وآمن، لا بل إجباره على العيش ضمن سياسة فصل عنصري، إحدى تجلياتها هي حرمان الفلسطيني من حرية التنقل داخلياً ومنعه من السفر إلى خارج الأرض المحتلة، وإن سمحت له بممارسة هذا الحق تجعل منه وابلاً قد تؤدي ممارسته إلى فقدان الفلسطيني لمواطنته، وبخاصة عند سفره إلى الخارج.

قَسّمت سلطات الاحتلال الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، إلى ثلاثة مناطق هي: الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة، تخضع كل واحدة منها إلى سياسات وإجراءات وتدابير خاصة بها، فيما يخص حرية الحركة والتنقل فيما بينها، ومنها إلى المناطق المحتلة عام 1948، أو الخروج منها إلى الخارج والعودة إليها، وزيادة على ذلك فقد تم عزل مدينة القدس عن الضفة الغربية بشكل كامل، وجرى تقسيمها _ أي الضفة الغربية -، بحسب اتفاق أوسلو، إلى ثلاثة مناطق “C، B، A” عادة ما يقطع أوصالها الاحتلال بحواجز عسكرية إما دائمة أو مؤقتة، فبحسب توثيقات مجموعة الرقابة الفلسطينية في وحدة دعم المفاوضات، أقامت سلطات الاحتلال خلال العام 2022، قرابة (3320) حاجزاً مفاجئاً على الطرق في الضفة الغربية المحتلة، وخلال ذات العام فرضت قرابة (1760) اغلاقاً على المعابر والمنافذ الدولية، في مخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني الذي يُلزم الدولة القائمة بالاحتلال باحترام حقوق سكان الأرض المحتلة بما فيها حقهم في حرية التنقل.

ويُنتهك الحق في التنقل في قطاع غزة، بسبب الحصار الشامل الذي تفرضه سلطات الاحتلال عليه منذ العام 2006، فسكان القطاع يسمح لهم بالسفر إلى خارجه عبر معبر رفح الحدودي الذي يربطه بمصر، وما يرافق ذلك من صعوبات جمة، بسبب الازدحام الشديد، وتكرار إغلاقه. أما في الضفة الغربية، فيستطيع الفلسطينيون المغادرة والعودة إلى الضفة فقط عبر معبر حدودي واحد وهو معبر الكرامة، الذي يخضع بالكامل لسيطرة سلطات الاحتلال، وهي من يتحكم بساعات عمله، وهي التي تسمح أو تمنع المواطنين من استخدامه، حيث أنها تتبع سياسة المنع من السفر لمئات المواطنين الفلسطينيين سنوياً تحت حجج واهية، وبدون حكم قضائي.

وهناك العديد من الاحصائيات التي تشير إلى أن سلطات الاحتلال منعت خلال العشرة سنوات الماضية آلاف الفلسطينيين من المغادرة عبر معبر الكرامة، وفي سبيل مواجهة هذه السياسة فقد أطلق مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حريات” ومنذ العام 2015، حملة لمناهضة سياسة الاحتلال التي تنتهك الحق في حرية التنقل، والتي تطال فئات عديدة من الفلسطينيين، ذكوراً واناثاً وفئات عمرية مختلفة، وأشخاصاً من ذوي الإعاقة.

وفي ذات السياق فقد أشار تقرير صدر عام 2018، عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة (OCHA) إلى وجود (705) عائق “حاجز عسكري” في مختلف أنحاء الضفة، تقيّد حركة المشاة والمركبات الفلسطينية، وتشمل هذه العوائق (140) حاجزاً منها (64) حاجزاً يتمركز عليها جنود الاحتلال على مدار الساعة وبشكل يومي، و(165) بوابة طريق لا يتمركز عليها الجنود، -ونحو نصف هذه البوابات مغلق في الأحوال العادية-، و(149) ساترًا ترابيًّا و(251) عائقًا غير مأهول على شكل متاريس وخنادق وجدران ترابية وما شابه.

يشكل حرمان الفلسطينيين من حقهم في التنقل انتهاكاً صارخاً للشرعة الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وفيه مخالفة صريحة للمادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فعدى عن أن هذا الانتهاك يسلب من الفلسطيني حقاً طبيعياً من حقوقه الأساسية ويلحق به الأذى المعنوي، فهو أيضاً يُحمِلهُ خسائر مادية نظراً لسلوكه طرقاً بديلة، عادة ما تأخذ ضعف المسافة وضعف الوقت وبالتالي ضعف التكلفة، عدا عن كون هذه الطرق في مجملها فرعية أو زراعية وغير صالحة وغير آمنة لسير المركبات عليها، مما يشكل خطراً على صحة وحياة الفلسطينيين.

وتلقي سياسة الحد من حرية التنقل التي تنتهجها سلطات الاحتلال بحق الفلسطينيين بظلالها السوداء على قطاع النقل والمواصلات، فقد أظهرت دراسة، أجريت قبل عدة سنوات، بعنوان “أثر الإجراءات الإسرائيلية على قطاع النقل” بأن الفلسطينيين يفقدون حوالي (60) مليون ساعة في العام بتكلفة تصل إلى قرابة (270) مليون دولار لهذه الساعات المهدورة، وحوالي (80) مليون لتر وقود إضافي بتكلفة تفوق (140) مليون دولار بسبب القيود التي تفرضها سلطات الاحتلال على حرية التنقل، عدا عن زيادة تصل إلى حوالي (196) الف طن من انبعاث ثاني أكسيد الكربون سنوياً مما يؤثر سلباً على صحة الفرد الفلسطيني وبيئته الطبيعية المحيطة.

تنتهك الحواجز العسكرية، على اختلاف مسمياتها وتوصيفاتها، بما فيها منع الفلسطينيين من السفر خارج الأرض المحتلة عِبر النقاط الحدودية أساساً ، حق الفلسطينيين في الحياة، وفي الوصول إلى حقهم في التعليم، وحقهم في الصحة، وحقهم في العمل، وحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية، وتشكل أيضاً مصائداً لقتل الفلسطينيين واعتقالهم وهدراً لكرامتهم الإنسانية، زد على ذلك وجود المستوطنات التي تُقطع أوصال الضفة الغربية، هذا عدا عن الخطر الذي تشكله اعتداءات المستوطنين على السكان الفلسطينيين سواء أكانوا راجلين أو داخل مركباتهم، وتخصيص طرقاً للمستوطنين لا يُسمح للسكان الفلسطينيين من استخدامها كشكل من أشكال سياسة الفصل العنصري التي تتبعها سلطات الاحتلال بحق السكان الأصليين الواقعين تحت الاحتلال.

الاعتداء على حق الفلسطينيين في التنقل، هو جزء من سياسة الفصل والتمييز العنصري التي تتبعها سلطات الاحتلال، تخالف ما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وهي أيضاً تقع ضمن المحظورات المطلقة التي تنص عليها الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فالمطلوب ليس تحسين شروط الاحتلال بل إنهاءه، لأنه هو العائق الأساس ليس فقط أمام حصول الفلسطينيين على حقهم الطبيعي في التنقل، بل حصول الشعب الفلسطيني ككل على حقه الشرعي والطبيعي في تقرير مصيره.

  • مستشارة قانونية/ مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حريات”

شاهد أيضاً

د. منى ابو حمدية تزور منزل الاسير المحرر ناصر العورتاني

شفا – زارت عضو الامانة العامة لاتحاد المؤرخين والآثاريين الفلسطيني الدكتورة منى ابو حمدية منزل …