8:20 مساءً / 26 أبريل، 2024
آخر الاخبار

العرب تسببوا في غياب شمسهم! بقلم : فاطمة المزروعي

النظرة لما قدمه العرب للحضارة الإنسانية من علوم ومخترعات ومنجزات علمية، تنقسم إلى فئتين، الفئة الأولى تؤمن أن الحضارة العربية أسهمت بشكل فعال في الرقي بالحضارة الإنسانية، وكان للعلماء العرب الدور الأكبر في تأسيس مختلف العلوم. الفئة الأخرى تنكر هذا الفضل وتدعي أن كل ما قام به العرب هو نقل العلوم من الحضارة الإغريقية إلى الشرق، مثل ما جاء به مؤلف كتاب «أثر العلم على المجتمع» برتراند راسل الذي يقول: «العرب رغبوا في اكتشاف حجر الفلاسفة وإكسير الحياة وفي معرفة كيفية تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب، وأثناء تتبعهم للبحوث وراء هذه الأهداف اكتشفوا العديد من حقائق الكيمياء، لكنهم لم يتوصلوا إلى أي قوانين طبيعية مهمة ومثبتة، كما بقيت تقنياتهم بدائية».
راسل توجّه في حديثه نحو الكيمياء خصوصاً، ولم يذكر أثر العلماء العرب أو المسلمين في الطب أو الفيزياء أو الجبر، ورغم ذلك فإن العرب في مجال الكيمياء لم يكن شأنهم قليلاً، بل أسسوا الكيمياء ووضعوا القوانين الطبيعية المهمة لهذا العلم، فعلى سبيل المثال العالم العربي جابر بن حيان يعتبر هو من نقل الكيمياء من كونها مجرد سحر وشعوذة أو صناعات بسيطة كالصباغة والعطور والتحنيط، إلى علم عميق يدخل في جوف الأرض، ويصل إلى عنان السماء، ليدرس أعماق المادة ومكوناتها. قرأ جابر المؤلفات اليونانية في الكيمياء ودرسها، ولكنه لم يكن مجرد ناقل لهذه المؤلفات، بل عدّل وقام بتصحيح كثير من النظريات الخاطئة، فقد قال إن الفلزات تتكون عن طريق تفاعل عنصر الكبريت مع الزئبق، وفسر اختلاف الفلزات بتباين نسبة الكبريت في كل فلز، إذ وضع هذه النظرية رغبةً في تصحيح ما جاء في أحد مؤلفات أرسطو حول تكون الفلزات. ترجمت كتب جابر بن حيان إلى اللاتينية، وبقيت هي المرجع والمنهج الأول للكيمياء ما يقارب ألف عام، ودرسها مجموعة من الكيميائيين العظام الذين قد تجد أسماءهم في مناهج مدارسنا، رغم أنهم تلاميذ لعالم عربي، أمثال هولميارد وكراوس وسارتون الذي تحدث عن جابر قائلاً: «من المذهل أن الكتب التي ألّفها جابر لا يمكن أن تكون من وضع رجل عاش في القرن الثاني للهجرة، لكثرتها ووفرة ما بها من معلومات!»، إذاً هل يمكن أن تكون التقنيات التي استخدمها جابر بن حيان وغيره من العلماء العرب والمسلمين تقنيات بسيطة؟ أو هل يرضي العقل والمنطق أنهم خلال أبحاثهم الطويلة في شتى العلوم لم يتوصلوا إلى حقائق ونظريات علمية مثبتة؟! هذه النقطة تحدثت عنها الدكتورة زيغريد هونكه في كتابها «شمس العرب تسطع على الغرب» عندما قالت: «إننا نقرأ 98% من الكتب ولا نجد فيها إشارة إلى فضل العرب وما أسدوه إلينا من علم ومعرفة، إلا تلك الإشارة العابرة إلى أن دور العلماء العرب لا يتعدى دور ساعي البريد، الذي نقل إليهم التراث اليوناني. العرب ظلوا طوال ثمانية قرون يشعون على العالم علماً وفناً وأدباً وحضارة، كما أخذوا بيد أوروبا ونشروا لواء المدنية، ثم تُنكر أوروبا على العرب الاعتراف بهذا الفضل!».
ورغم أن زيغريد ألمانية الأصل والمنشأ، فإن كتابها وجّه نقداً لاذعاً لأوروبا، عارضة كل الحقائق حول تاريخنا المجيد وأثره على العالم أجمع، ولكني لا أدري كيف ستكون ردة فعلها إذا ما رأت أن العرب أنفسهم ينكرون فضل علمائهم ويتجاهلونهم ويهمّشون حضارتهم، مفتونين بالثقافة الغربية لا أكثر! ربما تؤلف كتاباً آخر بعنوان «العرب تسببوا في غياب شمسهم».

شاهد أيضاً

الخارجية الروسية ترد على اتهامات أمريكية لبوتين بتنظيم احتجاجات مؤيدة لفلسطين

الخارجية الروسية ترد على اتهامات أمريكية لبوتين بتنظيم احتجاجات مؤيدة لفلسطين

شفا – اعتبرت متحدثة الخارجية الروسية اتهام رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي الرئيس …