11:14 صباحًا / 29 مارس، 2024
آخر الاخبار

انتصار صديق فلسطين لولا دا سيلفا ، بقلم : نهى نعيم الطوباسي

انتصار صديق فلسطين لولا دا سيلفا ، بقلم : نهى نعيم الطوباسي

وسط سيل من الأخبار الحزينة والكئيبة، تلقى الشعب الفلسطيني بشرى خير جديدة، حيث فرح الفلسطنيون لفوز صديقهم لولا دا سيلفا على منافسه اليميني المتطرف جايير بولسونارو، في انتخابات البرازيل الأخيرة.

حظي فوز دا سيلفا باهتمام عالمي، بعدما عاد ليتألق كقائد ومناضل وطني حارب الظلم في بلاده، وكنصير للفقراء والمقهورين، وليثبت أن لا شيء ينتصر على العدل والديمقراطية والحقيقة، كما قال في خطابه: ” لقد حاولوا دفني حيا وها أنا ذا”، وكان يشير إلى تلفيق التهمة التي أدت إلى عزله وسجنه لتثبت براءته لاحقا. لولا المناضل الذي نال شعبية على مستوى العالم، حتى باراك أوباما قال عنه أنه “الشخصية السياسية الأكثر شعبيه في العالم”.

ثمة بعد إنساني في حياة هذا القائد الاستثنائي، إلى جانب البعد السياسي لفوزه وأثر ذلك على القضية الفلسطينية. وسيجد من يقرأ سيرة هذا المناضل الذي عاد ليستلم الرئاسة في عمر ال77 وبهمة شاب بالعشرين، أنها ملهمة للإنسانية و فيها كثير من الدروس. فهي تعطي الحماسة والشجاعة، وتبث الأمل في نفس كل من يقرأها، فمن ماسح أحذية وعامل حدادة في صغره إلى رئيس لأكبر دولة في أميركا اللاتينية وإحدى القوى الدولية الصاعدة، يبرهن في سيرته أن لا شيء يوصل الإنسان إلى القيادة وقلوب البشر أكثر من الدفاع عن حقوق الناس والتواصل معهم. قال عنه رئيس أوروغواي السابق خوسيه موخيكا: “يعرف لولا الكثير عن ثقافة وعادات الشعب البرازيلي. والسياسة هي أيضا فن التواصل وهذا ما يبرع به لولا”.

ولد لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في الشمال الشرقي للبرازيل. لأسرة فقيرة جدا، لم يستطع الالتحاق بالتعليم إلا بعد سن العاشرة، بسبب ظروفه الصعبة، وعاش طفولة قاسية متجولا في الشوارع يعمل ماسحا للأحذية في ساو باولو، ثم عمل في محطة وقود، وورش تصليح السيارات، ليمتهن بعدها الحدادة ويؤسس أول نقابة للحدادين، ويقود بعد ذلك حركة التغيير في البرازيل مدافعا عن حقوق العمال، وحمايتهم من استغلال أصحاب رؤوس الأموال. ورغم أنه لم يمكل دراسته، إلا انه نال الكثير من درجات الدكتوراة الفخرية، تقديرا لإنجازاته الإنسانية والسياسية والاقتصادية.

في عام 2003 انتخب المناضل والمدافع عن حقوق العمال والفقراء رئيسا للبرازيل وحرص على أن تكون تركز البرامج التي أطلقها على الفقراء، فاستطاع تمكين نحو 43 مليون برازيلي من ذوي الدخل المتدني من الحصول على العلاج المجاني. منحته المنظمة العالمية للأغذية( الفاو) لقب “بطل مكافحة الجوع.” بعد أن ذاع صيته كأبرز المناضلين ضد العنصرية والجوع في العالم.

سياسيا شكل فوز لولا صعودا للحزب اليساري، وتراجعا للحزب اليميني الشعبوي المتطرف في البرازيل بعد خسارة جايير بولسونارو وهو من أشد الداعمين لإسرائيل. وكان قد وعد بنقل سفارة البرازيل إلى القدس، وربطته علاقات متينة مع دولة الاحتلال وقادتها. حتى أن زوجته ظهرت في الانتخابات وهي ترتدي قميصا عليه علم إسرائيل.

وكأن هذه المعركة الإنتخابية كانت بين فلسطين واسرائيل، فطالما كانت مواقف دا سيلفا وتصريحاته داعمة للشعب الفلسطيني وتطلعاته لإقامة دولة مستقلة، وهو القائل بأن حلمه “أن يرى فلسطين حرة مستقلة، وتحيا بسلام في الشرق الأوسط”. وأيضا في عام 2010، اعترف باستقلال دولة فلسطين على حدود 1967. وكان هذ الاعتراف حافزا لمعظم دول أميركا الجنوبية للاعتراف بدولة فلسطين.

عند الوقوف عند نسبة فوز لولا دا سيلفيا، وهي 50.9 في المئة من الأصوات. يتضح أنه ما زالت هناك نسبة مهمة تدعم اليمين المتطرف، ليس فقط في البرازيل ولكن في سائر أميركا الجنوبية. ما يستدعي الحذر والانتباه لتأثير القوى الصهيونية في تلك الدول. وتعزيز دور الجالية الفلسطينية والجاليات العربية والصديقة، حيث يزيد عدد الفلسطينيين في أميركا الجنوبية، عن ثمانمئة ألف، منهم ستون ألفا في البرازيل.

إن اعتراف دول أميركا اللاتينية بفلسطين لا يعني ان المعركة مع اسرائيل في تلك الدول قد انتهت، ستبقى إسرائيل تحاول قلب الموازين لصالحها، وضخ الاموال وبث السموم في أوساط الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية للتأثير على الرأي العام لصالحها، وهذا يتطلب تعزيز دور الدبلوماسية الفلسطينية ومنظمة التحرير، ودور النقابات العمالية والمهنية والاتحادات الشعبية بالتواصل مع الحركات الشعبية والأحزاب في دول أميركا اللاتينية، لرفع الوعي بالقضية الفلسطينية وتفنيد الدعاية الصهيونية ومحاولات تشويه الرواية الفلسطينية، وشرعنة الاحتلال.

من المهم الإشارة إلى أثر الدبلوماسية الشعبية، وبالتحديد الدور التاريخي لاتحادات العمال والنقابات العربية في دول أمريكا الجنوبية في حشد الدعم والتضامن مع قضيتنا ودعم الثورة الفلسطينية. على سبيل المثال كان دور اتحاد العمال العرب في بداية السبعينات، وإيصال صوت القضية الفسلطينية، وتسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، الأثر في أن يعلن حينها الحزب الاشتراكي التشيلي في بداية، ضرورة التلاحم بين قوى العمال في أميركا اللاتينية مع قوى العمال العرب لمواجهة الامبريالية والصهيونية.

يمثل فوز دا سيلفا فرصة ذهبية لإعادة العمل مع اميركا اللاتينية، وخاصة أنه سبقه فوز المرشح اليساري الشاب غابرييل بوريك برئاسة تشيلي وهو الذي رفض استقبال السفير الإسرائيلي بسبب قتل جيش الاحتلال فتى فلسطينيا، كما انتخب غوستافو بيترو كاول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا وهي دولة مهمة وكبيرة في أميركا اللاتينية.

يمكننا استثمار ذلك ببناء تحالف مع رئيس قوي على مستوى البرازيل وله شعبيه على مستوى العالم، للتأثير بالسياسة الخارجية والضغط لمحاسبة إسرائيل على جرائمها وانتهاكاتها بحق الشعب الفلسطيني، وعزلها كنظام عنصري. فوز لولا هو انتصار للإنسانية والعدالة، وكما قال في خطابه: هذا ليس انتصارا لي ولا لحزب العمال ولا للأحزاب التي دعمتني في هذه الحملة.. إنه انتصار لحركة ديمقراطية هائلة تشكلت فوق الأحزاب السياسية والمصالح الشخصية والأيديولوجيات لتنتصر الديمقراطية”. وبالتأكيد انتصار لولا انتصار لفلسطين ولقضيتها العادلة.

شاهد أيضاً

شهداء وجرحى بقصف اسرائيلي على قطاع غزة

شفا – استشهد وأصيب عشرات المواطنين، الليلة، في غارات شنها طيران الاحتلال الإسرائيلي على أنحاء …