3:42 مساءً / 25 أبريل، 2024
آخر الاخبار

الكتابة حق مشاع للجميع بقلم : فاطمة المزروعي

يكثر الجدل والحوار حول هوية المؤلف “الكاتب” وأيضاً حول الكتابة نفسها، إذ يرى البعض أن الكتابة ترف، وأنه يمكن للجميع ممارستها وخوض غمارها من دون حسيب أو رقيب، بل يستشهدون بنماذج موجودة تقريباً في كل بلد، كرجل عرف عنه الأعمال التجارية ومراقبة أسواق المال يفاجئك بأنه قد أصدر كتاباً لا يحكي عن تجربته في البورصة، بل يؤلف في مجال من الفنون الأدبية، مثل الرواية أو القصة القصيرة، أو حتى الشعر، نعم الشعر .

يرى البعض الآخر أن الكتابة والتأليف فن وموهبة لا يمكن الغوص في لجتها من دون معرفة وثقافة، وغني عن القول إن ممن يتبنى هذا الرأي هم بعض المؤلفين ممن ينحت من دون كلل أو ملل في عالم الكتابة ويعتبرها فناً لا يجيده الجميع، وهو لا يقل قيمة وأهمية عن الفنون الإنسانية الأخرى، وبالتالي لا يمكن لأي شخص الدخول في عالمه من دون معرفة ودراية بحبكته ودروبه وفنونه وأقسامه .

ومن دون رغبة مني في أن أوحي لكم أنني أميل لهذا الرأي أو ذاك، وحتى لا يفهم أنني أحاول أن أصادر حق الآخرين في الكتابة والتأليف، سواء أكان المؤلف غنياً أم فقيراً، موظفاً أم عاطلاً، يعمل في مجال بعيد عن الأدب والثقافة أو وسط غمارها، فإنني أجزم بأن الكتابة والتعبير عما يعتري النفس من مشاعر وأحاسيس هو حق طبيعي للجيع، ولعلنا نعلم أن هناك من يكتب يومياً مذكراته، ويسجل أفراحه وآلامه ويخرج ما تغمره النفس من هموم وأحزان، ويقول مع الورق ما لا يقوله لأي كائن آخر . إذن نتفق جميعاً على أن الكتابة حق مشاع للجميع لا يمكن تأطيره بقانون أو تسييجه بتنظيم، ويزداد هذا الرأي وجاهة عندما تكون الكتابة حاجة وراحة لمن يمارسها، بل عندما تكون علماً يهدف لتنمية ثقافة وفهم المجتمعات، وفي أي مجال من المجالات الإنسانية، فإن التأليف وإصدار كتاب مازال هو الوسيلة المناسبة لحفظ الأفكار والحقوق الأدبية .

الجميل في عالم التأليف أنه لا يقبل الأكاذيب والمجاملات، ولا يمكنك أن تمجد كتاباً فاشلاً كما لا يمكن أن ينتشر كتاب ضعيف، وحتى وإن حدث هذا فإنه أشبه برغوة الصابون سرعان ما تختفي، والسبب أن عالم الكتابة عالم مكشوف الحكم فيه للقراء، وللناس جميعاً من دون استثناء حتى وإن وجد هذا الكاتب من بعض زملائه من الصحافيين أو النقاد الدعم، فإن المحك الحقيقي هو القارئ لا أكثر، هذا القارئ هو الحكم الوحيد الأكثر جمالاً في عالم الكتابة، إنه تحد يومي، فأنت تقدم كل ما يمكنك من دون كلل أو ملل، ثم تنتظر قرار الحكم (القارئ) .

لعلي من هنا أقول لكل من يمارس شيئاً متعباً لكنه لذيذ يسمى الكتابة والتأليف، لا تلتفت إلا لذلك الإنسان العابر، إنه التحدي الحقيقي أمامك، ثم ليدخل إلى مجال الكتابة والتأليف من أراد- الأبواب مشرعة- فلن يبقى إلا القيمة الأدبية والاسم الذي يستحق أن يظل في ذاكرة الناس، ويبقى تساؤل مهم نوجهه لكل من أخذ على عاتقه الكتابة والتأليف، وهو ماذا ستقدم للناس من إضافة وفائدة، بمعنى ماذا سيضيف منجزك للقارئ بغض النظر عن موضوع كتابك، سواء كان في الأدب بصفة عامة أو الفلك أو الرياضيات أو غيرها من العلوم الإنسانية؟ وهناك تساؤل آخر لا يقل أهمية، وهو هل سيسهم مؤلفك في تغيير أو إعادة تشكيل حياة الإنسان؟ بمعنى ما هل سيلامس الحاجة الفعلية لأفراد المجتمع على مختلف طبقاته واهتماماته؟ خاصة إذا علمنا الحاجة الفعلية للاهتمام بالكتابة والتأليف، لحاجة الناس لها على مر العصور والأزمان، بل لكونها تسهم في تحسين الحياة ونشر المعرفة والإدراك وأن البشرية مازالت تنتظر المزيد من التنوير والكتابة والاختراع .

في كتابه “أثر العلم في المجتمع” قال برتراند راسل: إن معرفة الإنسان بالكتابة تعود لنحو ستة آلاف سنة، وأن العلم وجد كعامل مهيمن في تقرير معتقدات المثقفين من البشر قبل نحو 300 سنة، في حين أنه أصبح مصدراً للتقنية منذ 150 سنة فقط، وأضاف راسل: “إن العلم، التأليف والابتكار، برهنت على كونها قوة ثورية ذات قدرة هائلة، ونحن عندما نعتبر قصر المدة التي سمت فيها قوة العلم نرى أنفسنا مجبرين على الاعتقاد أننا مازلنا في بدايات عمله في إعادة تشكيل حياة الإنسان” .

إذن، فالأبواب مشرعة لكل من أراد أن يسهم بالكتابة والتأليف، سواء أكان شعراً أم رواية أو غيرهما من الفنون الأدبية، أو أياً من مجالات العلوم العلمية والتقنية، وكما قلنا يبقى الحكم للقارئ ولمدى ملامسة المنجز لحياته وحاجاته الحقيقية .

وغني عن القول إن البشرية بأسرها بحاجة للمزيد، بل هي في البدايات، وما ال 150 سنة إلا أعوام قليلة في عمر الإنسانية التي قدرها أيضاً برتراند راسل في كتابه بنحو مليون سنة .

ليكن توجهنا نحو التأليف وفق مبدأ ورسالة، لا وفق حب الشهرة والمظاهر، ليكن توجهنا نحو التأليف لرغبة نشر قيم وعلوم نعتقد أن الناس بحاجة لفهمها والأخذ بها، لتكن منجزاتنا صوتاً يوقظ الضمير العام في المجتمع، ويسلط الضوء على الطريق لنتمكن من السير عليه بسرعة لبلوغ مراحل عظيمة من التطور والرقي .

شاهد أيضاً

سيدة تسلم الشرطة ابنها المتعاطي ومواد مخدرة تعود له في بيت لحم

شفا – قامت إحدى المواطنات اليوم بالحضور إلى فرع مكافحة المخدرات بشرطة بيت لحم وقامت …