
القيادة بين الاسم والمعنى ، بقلم : محمد علوش
عندما تكون قائداً، أو حين تطمح لأن تكون كذلك، فإن المسألة لا تقاس بالمنصب، ولا تختزل في اللقب، بل تقاس أولاً وأخيراً بامتلاك شخصية فذّة، وبأن تكون جديراً بالموقع القيادي الذي تشغله، أخلاقياً وفكرياً ووطنياً، فالقيادة ليست حالة شكلية، ولا وظيفة إدارية، بل مسؤولية تاريخية تتطلب وعياً عميقاً، وقدرة على اتخاذ القرار، واستعداداً لتحمّل كلفته.
شتّان بين قائد بالاسم، يكتفي بالتلقي بدل المبادرة، وبالمسايرة بدل الفعل، وبالانتظار بدل القيادة، وبين قائد حقيقي يمتلك أساساً متيناً لقيادته، أساساً يقوم على وضوح الرؤية، وصلابة الموقف، والقدرة على الربط بين المبادئ والواقع، وبين الهدف والوسيلة، فالقائد الحقيقي لا يدار من خارج موقعه، ولا يتحوّل إلى صدى لأصوات أخرى، بل يكون صاحب قرار، حتى في أحلك الظروف وأصعب اللحظات.
في الحالة الفلسطينية، نعيش أزمة مركّبة في مفهوم القيادة، فقد اختلطت الأسماء بالألقاب، وتكاثرت المسميات حتى فقدت كثيراً من معناها، وانحرفت البوصلة الوطنية بين خطاب يدّعي الثبات، وممارسة تجيد التكيّف السلبي، وبين شعارات كبرى وسلوك سياسي لا يرتقي إلى مستوى التضحيات الجسيمة التي قدّمها شعبنا عبر عقود طويلة من النضال.
إن أخطر ما تواجهه أي حركة تحرر وطني ليس فقط عدوان العدو، بل ضمور القيادة، وتحولها من أداة للتغيير إلى أداة لإدارة الأزمة، ومن طليعة كفاحية إلى حالة استهلاكية للواقع القائم، فعندما يغيب الفرق بين من يقود ومن يقاد، وبين من يملك الرؤية ومن يكتفي بالتكيّف، تصبح القيادة عبئاً على القضية بدل أن تكون رافعة لها.
القيادة، في السياق الفلسطيني، يجب أن تكون فعلاً مقاوماً بحد ذاته، مقاومة للارتجال، ومقاومة للتبعية، ومقاومة لتحويل السياسة إلى مجرد توازنات شخصية أو فصائلية ضيقة، وهي لا تبنى على الخطابة، بل على الصدق مع الناس، والقدرة على الاعتراف بالأخطاء، والشجاعة في مراجعة التجربة بجرأة ومسؤولية، دون خوف أو تبرير.
إن استعادة البوصلة الوطنية تبدأ من إعادة تعريف القيادة: من هو القائد.. ولماذا يقود.. وعلى أي أساس يستمد شرعيته؟ فالقائد الذي لا ينحاز بوضوح إلى مصالح شعبه، ولا يجيد قراءة التحولات، ولا يمتلك الجرأة على قول «لا» حين يجب أن تقال، هو قائد بالاسم فقط، مهما علا موقعه، أو كثر المديح من حوله.
فلسطين اليوم لا تحتاج إلى مزيد من الألقاب، بقدر حاجتها إلى قيادات حقيقية تدرك أن الموقع تكليف لا تشريف، وأن التاريخ لا يرحم المترددين، ولا يكتب صفحاته إلا لمن امتلكوا الشجاعة ليكونوا قادة بالفعل، لا مجرد متلقين، في لحظة تاريخية تتطلب الفعل والقرار.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .