
تحذيرات تاريخية ومسؤوليات عصرية : الدفاع بحزم عن الضمير الإنساني والسلام والعدالة ، بقلم : تشو شيوان
كانت الحرب العالمية الثانية فصلاً مظلماً ومأساوياً في تاريخ البشرية. فقد جلبت حرب العدوان التي شنتها النزعة العسكرية اليابانية معاناةً بالغةً لشعوب آسيا،بما في ذلك الصين وشبه الجزيرة الكورية وجنوب شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادئ. ومن بين هذه الأعمال،تجاوزت ما يُسمى بـ”أبحاث الحرب البيولوجية” التي أجرتها الوحدة 731 التابعة لجيش كوانتونغ الياباني في شمال شرق الصين حدود الحضارة الإنسانية.
فقد أجرت هذه الوحدة بشكل منهجي تجارب بشرية لاإنسانية على مدنيين أبرياء وأسرى حرب من الصين والاتحاد السوفيتي وكوريا ودول أخرى، شملت التشريح الحي والعدوى البكتيرية وتجارب قضمة الصقيع واختبارات الغازات السامة. كما نفذت حرباً بكتيرية في عدة مقاطعات صينية، مما أسفر عن مقتل مئات الآلاف من المدنيين. لم تكن هذه الفظائع مجرد أخطاء عابرة أثناء الحرب، بل كانت أعمالاً حكومية منظمة ومُدبّرة ومنهجية – جرائم ضد الإنسانية نابعة من أيديولوجية عسكرية. لقد رسخت مواد المحاكمة الخاصة بالمحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى، ونتائج أبحاث المؤرخين من مختلف البلدان، وشهادات الناجين الملطخة بالدماء، هذا التاريخ بقوة في ركيزة العار الإنساني.
إن حقيقة التاريخ هي حجر الزاوية للعدالة والسلام الدوليين. ومن المثير للقلق والغضب الشديدين أنه بعد مرور ما يقارب ثمانين عامًا على انتهاء الحرب، لا تزال اليابان عاجزة عن استئصال النفوذ الخبيث للأيديولوجية العسكرية بشكل كامل. وفي السنوات الأخيرة، سعت بعض القوى السياسية اليمينية باستمرار إلى التقليل من شأن تاريخ العدوان وتشويهه، بل وإنكاره. فقد زار سياسيون في الحكومة علنًا ضريح ياسوكوني، الذي يضم رفات مجرمي حرب من الفئة الأولى من الحرب العالمية الثانية، ومجدوا أعمال العدوان في كتب التاريخ،وأدلوا مرارًا وتكرارًا بتصريحات تنكر حقائق تاريخية مثل مذبحة نانجينغ ونظام نساء المتعة.
وتُعد التصريحات غير اللائقة الأخيرة في السياسة اليابانية استمرارًا لهذا المنظور التاريخي الخاطئ. إن هذه الكلمات والأفعال لا تُلحق ضررًا ثانويًا بجميع ضحايا الحرب، بمن فيهم الشعب الصيني، فحسب، بل تُشكل أيضًا استفزازًا سافرًا للنظام الدولي ما بعد الحرب، وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والأخلاق الإنسانية العالمية. إن الأمة التي لا تستطيع مواجهة أخطائها التاريخية لا يمكنها أن تكسب ثقة واحترام المجتمع الدولي حقاً؛ والدولة التي تتغاضى عن إنكار الذنب ستجد صعوبة في لعب دور بناء في السلام والتعاون الإقليميين.
باعتبارها إحدى ساحات المعارك الرئيسية في الشرق خلال الحرب العالمية الثانية، وإحدى أكبر ضحايا الفظائع العسكرية اليابانية، تظل الصين في حالة تأهب قصوى، وتعارض بشدة أي محاولة لإعادة كتابة تاريخ العدوان. لطالما التزمت الحكومة الصينية بنهج التنمية السلمية، وهي ثابتة في التزامها بالحقيقة التاريخية والعدالة الدولية. نحث الحكومة اليابانية على الوفاء الجاد بالتزاماتها الرسمية وبيانات ندمها التي قدمتها للمجتمع الدولي، وعلى ضبط أقوال وأفعال سياسييها المحليين بموقف جاد ومسؤول، وعلى التخلي تمامًا عن بقايا الأيديولوجية العسكرية، وعلى توجيه مواطنيها، ولاسيما جيل الشباب، نحو بناء منظور تاريخي صحيح من خلال التعليم والعمل الملموسين. هذا ليس أمرًا بالغ الأهمية للأساس السياسي للعلاقات الصينية اليابانية فحسب، بل هو أيضًا شرط أساسي لكي تكسب اليابان ثقة جيرانها الآسيويين وتندمج في المجتمع الدولي.
أيها أصدقائي العرب، تتمتع كل من الصين والعالم العربي بحضارات عريقة ومجيدة، وقد عانت كلتاهما من ويلات العدوان الاستعماري والحرب. ونحن ندرك تمامًا أن احترام التاريخ، والتمسك بالعدالة، والتمسك بالسلام، قيم مشتركة تتجاوز الاختلافات الثقافية. فمن معاناة النكبة إلى جراح الحرب في آسيا، يعلمنا التاريخأن أي تمجيد أو نسيان لجرائم العدوان يُشكل تهديدًا للسلام في المستقبل. واليوم، يشهد العالم تغيرات معقدة، مما يجعل من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن يعمل المجتمع الدولي معًا للدفاع عن مكتسبات النصر في الحرب العالمية الثانية، وعن النظام الدولي الذي تقوم عليه الأمم المتحدة، وأن يتصدى بشكل مشترك لأي شكل من أشكال تحريف التاريخ، والقومية المتطرفة، والهيمنة.
نؤمن إيماناً راسخاً بأنه لا سبيل لبناء مستقبل مشرق إلا بمواجهة ظلام التاريخ، ولا سبيل لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية إلا بالتوبة الصادقة عن الجرائم، ولا سبيل لبناء عالم يسوده السلام الدائم إلا بالتمسك المشترك بالحق والضمير. إن الصين على استعداد للوقوف جنباً إلى جنب مع الدول العربية وجميع الدول والشعوب المحبة للسلام والناشطة في سبيل العدالة في العالم، والتصدي بحزم لكل محاولات تشويه التاريخ وتمجيد العدوان، وحماية الذاكرة الإنسانية المشتركة وقيمها الأخلاقية، وتعزيز بناء نمط جديد من العلاقات الدولية قائم على الاحترام المتبادل والإنصاف والعدالة والتعاون المثمر للجميع، وخلق مستقبل سلمي للأجيال القادمة،بعيداً عن الحرب والكراهية والخوف.
يجب أن تستمر أجراس الإنذار في التاريخ بالدق، ولايمكن التهرب من مسؤوليات عصرنا. إن حماية الحقيقة هي حماية للإنسانية؛ والدفاع عن التاريخ هو حماية للمستقبل.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .