
واقع الحركة العمالية الفلسطينية وتطلعات إعادة بنائها ، بقلم: محمد علوش
تمرّ الحركة العمالية الفلسطينية اليوم بواحدة من أكثر مراحلها تعقيداً وحساسية، في ظلّ تشابك عوامل الاحتلال وسياساته الاقتصادية القمعية مع اختلالات داخلية بنيوية أضعفت دورها التاريخي ومكانتها النضالية، فقد أدّت السنوات الأخيرة إلى تفاقم معدلات البطالة والفقر، وتدهور شروط العمل، واتساع دائرة العمل الهش وغير المنظم، في مقابل غياب شبه كامل لمنظومة حماية اجتماعية فاعلة، ما جعل العامل الفلسطيني مكشوفاً أمام المخاطر الاقتصادية والاجتماعية دون أي شبكة أمان حقيقية.
إنّ هذا الواقع يستدعي مراجعة شاملة لمسار الحركة العمالية والنقابية، انطلاقاً من مسؤولية وطنية واجتماعية تفرض إعادة الاعتبار لدورها بوصفها ركيزة من ركائز النضال الوطني والاجتماعي، لا مجرد إطار مطلبي محدود، فالحركة العمالية الفلسطينية كانت تاريخياً جزءاً لا يتجزأ من مشروع التحرر الوطني، وربطت بين مقاومة الاحتلال والدفاع عن العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان العامل، وهو الدور الذي بات من الضروري استعادته وتطويره بما ينسجم مع المتغيرات الراهنة.
وتنطلق تطلعاتنا لإعادة بناء الحركة العمالية من ضرورة تأهيلها وتنظيمها على أسس ديمقراطية وتعددية، تضمن المشاركة الحقيقية للعمال في صنع القرار، وتكسر حالة التشرذم والانقسام النقابي التي أضعفت قدرتها على التأثير والدفاع عن مصالح منتسبيها، فالوحدة النقابية ليست شعاراً إنشائياً، بل شرطاً موضوعياً لتعزيز القوة التفاوضية للحركة العمالية، وتمكينها من مواجهة سياسات الاحتلال وأرباب العمل، والضغط من أجل سياسات اقتصادية واجتماعية أكثر عدالة وإنصافاً.
وفي قلب هذه الرؤية، تبرز معركة الضمان الاجتماعي باعتبارها إحدى أهم القضايا المصيرية للطبقة العاملة الفلسطينية، فغياب نظام ضمان اجتماعي عادل وشامل حرم مئات الآلاف من العمال، ولا سيما في القطاع الخاص والعمال غير المنظمين، من أبسط حقوقهم في الأمان الوظيفي والاجتماعي، وإنّ النضال من أجل إقرار وتطبيق قانون ضمان اجتماعي يستند إلى العدالة والشفافية والشراكة الحقيقية بين العمال وأصحاب العمل والحكومة، يعدّ جزءاً لا يتجزأ من معركة الدفاع عن كرامة العامل وصموده، ويجب أن يقوم هذا النظام على إدارة مستقلة وديمقراطية لأموال المشتركين، وحمايتها من أي توظيف سياسي أو مالي خاطئ، وتوسيع مظلته لتشمل العمال بعقود مؤقتة، والنساء العاملات، والعمال في الداخل والخارج، مع مراعاة خصوصية الواقع الفلسطيني الخاضع للاحتلال.
ولا يقلّ أهمية عن ذلك الإطار القانوني الناظم للعمل النقابي نفسه، إذ لا يمكن بناء حركة عمالية قوية وفاعلة دون قانون عصري للتنظيم النقابي يكفل الحرية النقابية والاستقلالية، ويستند إلى المعايير الدولية واتفاقيات منظمة العمل الدولية، فالحاجة باتت ملحّة لقانون يضمن حق العمال في إنشاء نقاباتهم والانضمام إليها بحرية، ويحمي التعددية النقابية والديمقراطية الداخلية، ويمنع الاحتكار والتمثيل الشكلي، ويعزز مبادئ التداول والمساءلة والشفافية، كما يجب أن يوفر هذا الإطار القانوني الحماية للنقابيين من الفصل التعسفي أو الملاحقة بسبب نشاطهم النقابي، ويكرّس دور النقابات كشريك أساسي في الحوار الاجتماعي وصياغة السياسات العامة المتعلقة بالعمل والاقتصاد.
وإلى جانب ذلك، فإنّ تعديل قانون العمل الفلسطيني بات ضرورة ملحّة لمواكبة التحولات العميقة في سوق العمل، ولمواجهة تصاعد الانتهاكات بحق العمال، فالقانون بصيغته الحالية لم يعد كافياً لضمان التوازن في علاقة العمل، الأمر الذي يتطلب إدخال تعديلات جوهرية تعزّز الحماية من الفصل التعسفي، وتكفل حداً أدنى عادلاً للأجور، وتنظّم ساعات العمل، وتفعّل التفتيش العمالي وآليات الرقابة والمساءلة، كما ينبغي أن تتضمن هذه التعديلات حماية خاصة لحقوق النساء العاملات، ولا سيما فيما يتعلق بالأمومة والمساواة في الأجور، وتنظيم العمل بعقود مؤقتة والعمل غير المنظم، بما يحدّ من الاستغلال ويعزّز الاستقرار الوظيفي.
إنّ معركة إعادة بناء الحركة العمالية الفلسطينية، والنضال من أجل الضمان الاجتماعي، وإقرار قانون تنظيم نقابي ديمقراطي، وتعديل قانون عمل عادل، هي معركة واحدة ومتكاملة، تتقاطع فيها الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والوطنية، وهي مهمة جماعية تتطلب إرادة سياسية واضحة تنحاز إلى العمال، وحراكاً نقابياً موحداً وضاغطاً، وحواراً مجتمعياً واسعاً يعيد الاعتبار لمكانة الطبقة العاملة بوصفها العمود الفقري للاقتصاد والمجتمع، وشريكاً أصيلاً في النضال من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .