5:24 مساءً / 1 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

تقرير : رحلةٌ حواريّةٌ للبروفيسور سعاد بسناسي عضو المجلس الأعلى للّغة العربيّة

تقرير : رحلةٌ حواريّةٌ للبروفيسور سعاد بسناسي عضو المجلس الأعلى للّغة العربيّة

 شفا – تنشر شبكة فلسطين للأنباء شفا ، تقريراً حول رحلةٌ حواريّةٌ للبروفيسور سعاد بسناسي عضو المجلس الأعلى للّغة العربيّة

اجرى الحوار الصحفي : الإعلامي عبد الناصر العبيديّ


من الموصل: حين يتكلَّمُ الورقُ وتستيقظُ الكتابةُ

في إطار سلسلة الحوارات الثقافية التي تنشرها الجريدة، تواصل الإعلامي عبد الناصر العبيديّ من مدينة الموصل بالعراق الشّقيق مع الدّكتورة سعاد بسناسي من الجزائر أستاذة اللّغويّات، ومهتمّة بالدّراسات النّقديّة السّرديّة والتّأويليّة، أستاذ التّعليم العالي بجامعة وهران1 أحمد بن بلّة وعضو المجلس الأعلى للّغة العربيّة، مديرة مخبر اللّهجات ومعالجة الكلام، ورئيسة أكاديميّة الوهرانيّ للدّراسات العلميّة والتّفاعل الثّقافيّ لإجراء حوار موسّع حول تجربتها في الكتابة، ورؤيتها في علاقة الكاتب بالورق، ومسارات الإبداع التي تتقاطع فيها المعرفة بالروح. وقد استقبلت الدّكتورة سعاد الدعوة ببالغ السرور، معتبرةً إياها مساحة ملهمة لإعادة التفكير في جوهر الكتابة، وما تختزنه من أسئلة تتجاوز حدود الورق إلى فضاءات أعمق. هذا التفاعل الإيجابي فتح أمامها أفقاً واسعاً للغوص في موضوع الحوار، فاستحضرت طبقات التجربة، وقرأت تفاصيلها بوعي نقدي وروحي مكثّف، ما أضفى على الحوار عمقًا خاصًّا وثراءً فكريًّا.


وجاء هذا الحوارُ الشّائقُ الماتعُ ليكشف جانبًا من رؤيتها الإبداعيّة، وليقدّم للقارئ رحلةً فكريّةً تتقاطعُ فيها مبدعاتُ الجزائر بمؤثّرات الموصل، والورق، والكتابة، في نسيج واحد من التّأمّل والمعرفة.


السّؤالُ الأوّلُ: هل الورق الأبيض مجرّد مادّة، أم أنّه يمتلك دلالات رمزيّة؟


 سعاد بسناسي: الجواب الأول:
 الورق الأبيض ليس مجرّد مادّة؛ فبحسب ما تذكره المصادر، يحملُ دلالات عميقة تتراوح بين الإمكان، والذّاكرة، والخلق، والقلق الإبداعيّ. ويمكنُ توسيع هذه الرّمزيّة لتقديم رؤيتي المتواضعة في هذه الإجابة:
⦁ الورق الأبيض: من المادّة إلى الفضاء الدّلاليّ: تشيرُ بعض التّحليلات الثّقافيّة إلى أنّ الورق، رغم بساطته المادّية، يمثّلُ بوابةً للمعرفة والإبداع، فهو ليس سطحًا محايدًا بل فضاءً ينتظر أن يُسكَن بالمعنى.   إنّه مادّة، نعم، لكنّه مادّة ذات قابلية للتّحوّل: من بياض صامت إلى أثرٍ يبقى، ومن فراغ إلى ذاكرة.
⦁ الورقُ الأبيضُ بمثابة “إمكان”: مساحة مفتوحة للخلق: تصفُ بعض المصادر الورقة البيضاء بأنّها رمز الإمكان والاحتمال، فهي تشبه بداية الطريق قبل أن تُرسم خطواته.  هذا البياض ليس نقصًا، بل امتلاءً بالقابلية: 

  • قابلية لولادة فكرة  
  • أو انطلاق مشروع  
  • أو تسجيل لحظة إنسانيّة  
  • أو حتّى إعادة كتابة الذّات.
    إنه يشبه لحظة الصّمت قبل الموسيقى، أو الشّهيق قبل الكلام.
    ⦁ الورقُ الأبيضُ كمرآة للكاتب: بين الإلهام والقلق: تذكر بعض التّحليلات أنّ الورقة البيضاء تحملُ أيضًا رمزيّة القلق الإبداعيّ، فهي تمثّل التّحدّي الأوّل أمام الكاتب أو الفنّان، حيث تتقاطع الرّغبة في التّعبير مع الخوف من عدم بلوغ المعنى. إنّها لحظة مواجهة بين الذّات وما تريد قوله، وبين اللّغة وما تستطيع قوله.
    ⦁ الورقُ الأبيضُ كذاكرة مستقبليّة: الورقةُ البيضاءُ ليست فقط ما لم يُكتب بعد، بل هي أيضًا ذاكرة تنتظر أن تصنع. فكلُّ ما نكتبه عليها يتحوّل إلى أثر، إلى تاريخ صغير، إلى جزء من سردية شخصية أو جماعية.  
    ومن هنا، يصبح البياض وعدًا: وعدًا بأن ما سيُكتب قد يغيّر شيئًا، ولو كان بسيطًا.
  1. الورق الأبيض كرمز للحرية
    البياض مساحة لا تفرض شكلا ولا اتجاها.  
    إنه أكثر المواد ديمقراطية:  
  • يسمح لكل صوت أن يكتب  
  • ولكل فكرة أن تتجسد  
  • ولكل اختلاف أن يجد مكانه  
    إنه فضاء حرّ، لا يميّز بين كاتب وآخر، ولا بين فكرة وأخرى.

 6. الورق الأبيض كجسد للغة: الورق ليس مجرد حامل للغة، بل هو جسدها الأول.  
فالكلمات لا تولد في الهواء، بل تحتاج إلى أرض تستقر عليها.  
والورق الأبيض هو تلك الأرض التي تمنح اللغة شكلها ووجودها.

✦ ختاماً نقول: 
الورق الأبيض، إذن، ليس مجرد مادة تصنع من الألياف، بل فضاء رمزي تتقاطع فيه الفلسفة مع الإبداع، والذاكرة مع الإمكان، والقلق مع الحرية.  
إنه نقطة البداية لكل كتابة، لكنه أيضًا مرآةٌ للذات، وساحةٌ للصراع بين ما نعرفه وما نريد قوله، وبين ما نقدر على كتابته وما نحلم ببلوغه.

السّؤالُ الثّاني: وهل هو رمز للبراءة، للفراغ، للبدأ من جديد، أم لشيء آخر؟

٣..وهل الورق الأبيض هو صفحة بيضاء في ذهن الكاتب، أم هو انعكاس لصفحة بيضاء في العالم؟

٤…وهل يمكن للورق الأبيض أن يكون مادة خصبة للإلهام، أم أنه مجرد سطح سلبي ينتظر أن يمتلئ؟

٥..وهل الكتابة على الورق الأبيض هي عملية تحويل للعدم إلى وجود، أم أنها مجرد عملية تنظيم للوجود؟ 

٦..وهل الكاتب هو من يخلق المعنى على الورق، أم أن المعنى موجود بالفعل في الورق وينتظر أن يكتشفه الكاتب؟

٧..وهل الكتابة هي فعل سيطرة من الكاتب على الورق، أم هي عملية تفاعل وتعاون بينهما؟

٨…وهل الكتابة هي انعكاس لشخصية الكاتب، أم أنها عملية تخفي وراءها أقنعة متعددة؟

٩..وهل الكتابة هي فعل فردي، أم أنها عملية اجتماعية تتأثر بالآخرين؟ 

١٠..هل الكتابة هي وسيلة للتواصل مع الآخرين، أم أنها وسيلة للتواصل مع الذات؟

١١..وهل الكتابة هي وسيلة للتعبير عن الحقيقة، أم أنها وسيلة لخلق عوالم خيالية؟

١٢..وهل الكتابة هي وسيلة لتغيير العالم، أم أنها مجرد تسجيل للأحداث؟

١٣…وهل الكتابة هي فعل مادي، أم أنها فعل روحي؟
سعاد بسناسي: الإجابة عن السؤال الثاني: سؤال جميل وعميق؛ لأنه لا يتعامل مع الورق الأبيض كشيء نكتب عليه، بل كشيء يكتبنا من خلاله. إجابتي موزعة على جملة من العناوين كالآتي: 

الورق الأبيض كرمز للبراءة:

يغري البياض بأن نراه براءة، لكن هذه البراءة ليست ساذجة. الورقة البيضاء لا تحمل حكمًا، ولا تتبنّى موقفًا، ولا تنتمي إلى أحد قبل أن يُكتب عليها. هي براءة بمعنى الحياد الأصلي: لا خير ولا شر، لا جمال ولا قبح، بل استعداد لاستقبال الاثنين معًا. إنها ليست بريئة لأنّها طاهرة، بل لأنها لم تشهد بعد جريمة المعنى ولا نعمة المعنى. براءتها أقرب إلى براءة الطفولة: قابلة للتشكّل، لكن لا ضمانات لما ستصير إليه.

الورق الأبيض كرمز للفراغ:

من زاوية أخرى، يمكن أن يرى الورق الأبيض كفراغ، لكن ليس كل فراغ نقصا. هذا الفراغ يربك المبدع؛ لأنه يضعه وجها لوجه أمام صمته هو، لا أمام صمت الورقة. الفراغ هنا أشبه بغرفة فارغة تبرز كل حركة وصوت. حين ننظر إلى الورقة البيضاء، نكتشف ما لا نستطيع قوله، قبل أن نكتشف ما نستطيع كتابته. إنها فراغ يفضح هشاشتنا اللغوية، لكنه في الوقت نفسه يمنحنا مساحة لتجريب ميلادنا المعنوي من جديد.

الورق الأبيض كرمز للبداية من جديد:

الورق الأبيض هو لحظة “إعادة ضبط” للذات. كل صفحة جديدة هي إعلان ضمني بأن ما مضى لا يكفي، أو لا يرضينا، أو لا يعبر عنا الآن. لذلك، هو ليس فقط بداية، بل نوع من العصيان الهادئ على الماضي المكتوب. حين نفتح صفحة بيضاء، نحن لا نهرب من السابق، بل نجرّبه من زاوية أخرى، بكلمات أخرى، وربما بجرأة مختلفة. إنها بداية من جديد، ولكن مع ذاكرة؛ لا نكرّر أنفسنا، بل نعيد تركيبها.

الورق الأبيض كاختبار للحرية:

الورق الأبيض يحرّض سؤالًا صعبًا: ماذا نفعل حين تكون كل الخيارات ممكنة؟ في غياب السطور الجاهزة، لا يعود هناك من يحدّد لنا شكل الجملة ولا اتجاه الفكرة. هذه المساحة المفتوحة تبدو حرية، لكنها أيضًا عبء؛ لأن الحرّية تجرّد الأعذار. لا نستطيع أن نلوم الورقة إذا لم نكتب، ولا أن نلوم “ضيق المساحة” إذا اختنق المعنى. في هذا المعنى، الورق الأبيض محكّ: يقيس مدى قدرتنا على تحمّل نتائج حريتنا الفكرية والوجدانية.

الورق الأبيض كمرآة خفية للكاتب:

الورقة البيضاء لا تعكس ما نكتبه فقط، بل تعكس ما نتردّد في كتابته. ما نمحوه، ما نؤجّله، ما نخاف أن نخطّه، كل ذلك جزء من علاقتنا بالبياض. لذلك، قد تكون الورقة أكثر صدقًا من النصّ نفسه؛ لأن البياض الذي ظلّ بلا حبر يحكي عن المناطق التي ما زلنا نكتمها. بهذا المعنى، الورق الأبيض ليس سطحًا نطبع عليه، بل مساحة تكشف حدّ قدرتنا على مواجهة أنفسنا.

الورق الأبيض كساحة صراع بين الفكرة واللغة:

في عمقه، الورق الأبيض هو المسرح الذي يتصارع عليه شيآن: ما نشعر به، وما نقدر على صياغته. الفكرة أوسع دائمًا من الجملة، والورقة البيضاء شاهدة على هذا الفارق المؤلم. كل كلمة تُكتب هي في الحقيقة تنازل عن احتمالات أخرى لم تُكتب. هكذا يصبح البياض رمزًا لِما لم يُقل، للمعاني التي بقيت في الظل، وللصمت الذي لا يختزل في عجز فقط، بل أحيانًا في حكمة الامتناع عن قول كل شيء.
باختصار نقول: الورق الأبيض يمكن أن يكون براءة، وفراغًا، وبداية، وحرية، ومرآة، وساحة صراع في آن واحد. المعنى الذي يكتسبه ليس ثابتًا فيه، بل يتشكل من زاوية من ينظر إليه، ومن درجة وعيه بما يكتبه وما يتركه بلا كتابة.
[25/11, 22:31] سعاد بسناسي: الجواب الثالث: يذهب السؤال الثالث إلى جوهر العلاقة بين الذات والعالم، بين الداخل والخارج، وهذا أجمل ما فيه. 
الورق الأبيض كمنطقة تماس بين ذاتين: ذات الكاتب وذات العالم

الورقة البيضاء ليست نسخةً من الداخل ولا مرآةً للخارج، بل هي نقطةُ تماس بين ذاتين: ذات الكاتب وذات العالم.  
إنها مساحة ثالثة، “منطقة عازلة” ينشأ فيها حوار صامت: الكاتب يدخل إليها محمّلا بصوره وألمه وأسئلته، والعالم يدخل إليها محمّلا بأحداثه وفوضاه وقوانينه.  
ما يكتب ليس تطابقا مع ما في الذهن ولا استنساخا لما في الواقع، بل نتيجة هذا الاصطدام الخفي بين عالمين يحاولان أن يترجما بعضهما بعضا دون أن يتطابقا أبدا.
الورق الأبيض كاختراع لصفحة بيضاء لا وجود لها:

في العمق، لا ذهن الكاتب صفحة بيضاء، ولا العالم صفحة بيضاء؛ كلاهما مزدحم بالتجارب والآثار والندوب.  
الورقة هي محاولة متخيّلة لخلق “صفحة بيضاء” لا توجد لا في النفس ولا في الواقع، لكنها تُختَرَع لتمنحنا وهم البداية الصفرية.  
بهذا المعنى، الورق الأبيض ليس انعكاسا لبياض حقيقي، بل هو تعويض رمزي عن استحالة النقاء في الداخل والخارج معا.  
نلجأ إلى هذا البياض لأننا لا نجد بياضا مماثلا لا في ذكرياتنا ولا في العالم من حولنا.

الورق الأبيض كمساحة تفاوض بين الذاكرة والواقع:

ما يكتب على الورق غالبا لا هو استرسال نقي لذاكرة الكاتب، ولا هو نقل أمين لصورة العالم، بل نوع من “التفاوض” بينهما.  
الكاتب لا يملك أن يكتب كما لو أن العالم خارج الورقة غير موجود، ولا يملك أن يكتب كما لو أن ذاته مجرد مرآة عاكسة للواقع.  
على الورق، تُخفَّف قسوة الواقع بانتقاء اللغة، وتُخفَّف فوضى الداخل بصنع شكلٍ قابل للقراءة.  
إنها مساحة تفاوض بين ما نريد أن نتذكّره وما نحتمل أن نراه، وبين ما نراه وما نجرؤ أن نعترف به أمام أنفسنا.

الورق الأبيض كتجربة لخلق عالم ثالث:

حين نكتب، نحن لا ننقل العالم ولا ننسخه، بل نُجري تجربة خَلق لعالم ثالث: لا هو العالم الخارجي، ولا هو العالم الداخلي، بل “عالم النص”.  
هذا العالم الثالث له قوانينه الخاصة: زمنه، إيقاعه، منطقه، شخصياته، حتى لو كان النص تأمليًا أو فلسفيًا.  
الورق الأبيض، هنا، ليس صفحة ذهن ولا صفحة عالم، بل أرضا تقام عليها دولة جديدة للمعنى، تحكمها سيادة اللغة أكثر مما يحكمها الواقع أو الذاكرة.  
إنه مختبر وجودٍ موازٍ، لا يدين بالكامل لشيء سبق، ولا ينفصل بالكامل عن شيء سبق.

الورق الأبيض كأداة تفكيك لادعاء “الصفحة البيضاء”:
السؤال نفسه يفضح وهمًا: فكرة أن هناك “صفحة بيضاء” أصلًا، في الذهن أو في العالم.  
الكاتب يدخل إلى الورقة وهو مشكّل سلفًا بثقافةٍ وتاريخٍ ولغةٍ وجراحٍ لا تُرى، والعالم الذي يظنه البعض “موضوعيًا” محمّل هو الآخر بخطابات وقوى ومصالح.  
الورق، حين يسمّى “أبيضا”، يُستخدم أداةً لتفكيك هذا الادعاء بالبراءة: إنه يُظهر أن كل كتابة هي إعادة توزيع لما هو موجود، لا خلق من العدم، حتى لو بدت كبدء جديد.  
البياض هنا ليس حالة واقعية، بل سؤال فلسفي: ماذا نفعل ونحن نكتب، ونحن نعلم أن لا شيء يبدأ من الصفر؟

الورق الأبيض كساحة اختبار لنسبة حضور الذات ونسبة حضور العالم:

يمكن النظر إلى الورق الأبيض كأداة قياس غير مباشرة:  

  • إلى أي حد يفرض الكاتب ذاته على العالم في النص؟  
  • وإلى أي حد يسمح للعالم أن يقتحم نصه ويغيّر مساره؟  

كل سطر مكتوب هو نسبة متغيّرة بين هذين القطبين: حضور الأنا وحضور العالم.  
الورقة لا تجيب عن سؤال: “هل هي صفحة الذهن أم صفحة العالم؟”  
بل تطرح سؤالًا أدق: “كيف توزَّع النِّسب بينهما في هذه اللحظة من الكتابة؟”  
بهذا المعنى، الورق الأبيض ليس ملكًا لطرف، بل هو مساحة اختبار دقيقة لقوى خفية تتحاور وتتنازع خلف الكلمات.
بهذه الرؤية، لا يعود مهمًّا أن نحسم: هل الورق الأبيض “ينتمي” للذهن أم للعالم؟  
المهم أنه الحيّز الذي يُجرَّب فيه هذا الانتماء، ويُعاد تعريف الحدود بين الداخل والخارج، بحيث يصبح السؤال نفسه جزءًا من لعبة الكتابة لا خارجها.
[25/11, 22:40] سعاد بسناسي: الجواب الرابع:

الورق الأبيض ككائن ينتج الإلهام بدل أن يستقبله:

ليس الورق الأبيض سطحا ينتظر الامتلاء، بل هو كائن له طاقته الخاصة. فالبياض ليس حيادا، بل قوة جذب تستفزّ الفكرة لتخرج من مخبئها. يشبه الورق الأبيض صمتا يضغط على الذاكرة حتى تتكلم، أو فراغا يخلق الحاجة إلى ملئه. الإلهام لا يهبط على الورقة، بل الورقة هي التي تستدرجه، كأنها تقول للكاتب: أثبت وجودك أمام هذا البياض. هنا يصبح الورق شريكا في العملية الإبداعية، لا مجرد متلقٍّ سلبي.

الورق الأبيض كمساحة مقاومة تُنتج المعنى عبر التوتر:

الإلهام لا يولد من السهولة، بل من التوتر. والورقة البيضاء هي أول شكل من أشكال المقاومة التي يواجهها الكاتب. إنها تعترض طريقه بصمتها، وتختبر قدرته على تحويل ما لا يرى إلى ما يقرأ. هذا التوتر بين الرغبة في الكتابة وصعوبة البدء هو ما يجعل الورق الأبيض مادة خصبة: فكل مقاومة تُنتج طاقة، وكل طاقة تُنتج معنى.  
السطح السلبي لا يقاوم، أما الورق الأبيض فيقاوم بصمته، ولذلك يحرّض الإبداع.

الورق الأبيض كفضاء يخلق الكاتب لا الكتابة:

حين يواجه الكاتب الورقة البيضاء، لا يكتب نصا فقط، بل يعيد تشكيل نفسه. فالبياض يضعه أمام سؤال: من أنت حين لا تستند إلى شيء؟  
في هذه اللحظة، يصبح الورق الأبيض مرآة تكشف حدود الكاتب، وتدفعه إلى تجاوزها. الإلهام هنا ليس نتاجًا لفكرة جاهزة، بل نتاجا لعملية إعادة خلق للذات.  
بهذا المعنى، الورق الأبيض ليس سطحا ينتظر الامتلاء، بل مختبرا يعاد فيه تشكيل الكاتب قبل أن يعاد تشكيل اللغة.

الورق الأبيض كاحتمال مفتوح لا يكتمل إلا بالفعل الإبداعي:

الورقة البيضاء ليست فارغة، بل ممتلئة بالاحتمالات. كل كلمة تكتب تقصي آلاف الكلمات الممكنة، وكل جملة تختار تلغي عشرات المسارات المحتملة.  
البياض ليس نقصًا، بل فيضًا: فيض احتمالات لا يمكن احتواؤها إلا بالكتابة.  
وهذا الفيض هو ما يجعل الورق الأبيض مادة خصبة للإلهام؛ لأنه يضع الكاتب أمام عالم كامل من الإمكانات، ويطالبه بأن يختار، أن يحدّد، أن يخلق.  
السطح السلبي لا يملك احتمالات، أما الورق الأبيض فيملكها كلها.

الورق الأبيض كزمنٍ معلّق بين ما كان وما سيكون:

الورقة البيضاء ليست مكانًا فقط، بل زمنًا. إنها اللحظة التي تسبق المعنى، اللحظة التي يكون فيها كل شيء ممكنًا ولا شيء محقّقًا.  
هذا الزمن المعلّق هو ما يفتح باب الإلهام: فالإبداع لا يولد في زمن مكتمل، بل في زمنٍ لم يتشكّل بعد.  
الورق الأبيض هو هذا الزمن المؤجّل، الذي يسمح للكاتب أن يلتقط ما لم يحدث بعد، وأن يمنحه شكلًا.  
السطح السلبي لا يملك زمنًا، أما الورق الأبيض فيملك لحظة الميلاد.

خلاصة الجواب:

الورق الأبيض ليس مادة خام ولا سطحًا سلبيًا، بل كيانٌ فاعل يشارك في صناعة الإلهام.  
إنه مقاومة، واحتمال، وزمن، ومرآة، ومساحة خلق.  
وكل كتابة هي في الحقيقة حوار بين الكاتب والبياض، لا انتصار طرف على آخر.
[25/11, 22:48] سعاد بسناسي: الجواب الخامس:
 الكتابة ليست تحويلا خالصا للعدم إلى وجود، وليست تنظيما بسيطا لوجود جاهز؛ بل هي فعل مركّب يجمع بين خلق ما لم يكن وإعادة ترتيب ما هو كائن، كما تشير بعض التحليلات الفلسفية حول الوجود والإبداع.
 الكتابة بين العدم والوجود: فعل مزدوج لا ينتمي لطرف واحد
السؤال يفترض ثنائية حادّة: إمّا خلق من العدم، أو تنظيم لما هو موجود. لكن الكتابة، في جوهرها، تتجاوز هذه الثنائية. فهي لا تبدأ من فراغ مطلق، لأن الكاتب محمّل بالذاكرة والتجربة واللغة. وفي الوقت نفسه، لا تكتفي بترتيب ما هو جاهز، لأنها تنتج معنى جديدا لم يكن موجودا قبل لحظة الكتابة.

بهذا المعنى، الكتابة تتحرك في منطقة وسطى: ليست خلقا من عدم، وليست إعادة تدوير للواقع، بل تحويل للخبرة الخام إلى وجود قابل للقراءة.
 الكتابة كتحويل للعدم: حين يصبح ما لا يقال قابلا للظهور
تشير بعض الرؤى الوجودية إلى أن الإنسان يعيش دائما بين ما يشعر به وما يستطيع التعبير عنه.  
الكتابة هنا تعمل كجسر:  

  • تخرج ما كان مبهما في الداخل  
  • تمنح شكلا لما كان بلا شكل  
  • وتحوّل الانفعال أو الفكرة من حالة “لا وجود لغوي” إلى “وجود مكتوب”

بهذا المعنى، الكتابة خلق للوجود من مادة غير مرئية: من إحساس، من حدس، من صمت، من توتر داخلي.  
إنها تمنح الوجود لما لم يكن له وجود قابل للمشاركة.
الكتابة كتنظيم للوجود: ترتيب الفوضى لا اختراع العالم
لكن في الوقت نفسه، لا يمكن القول إن الكتابة تنشئ العالم من الصفر.  
فالكاتب لا يكتب من عدم، بل من:  

  • ذاكرة  
  • لغة موروثة  
  • تجارب  
  • صور ذهنية  
  • تاريخ شخصي وجماعي

وهذا يجعل الكتابة تنظيمًا للوجود:  
هي محاولة لترتيب الفوضى الداخلية، ولإعادة صياغة العالم بحيث يصبح قابلا للفهم.  
إنها ليست خلقا للعالم، بل خلقا لشكلٍ جديد للعالم.

 الكتابة كفعل ثالث: ليست خلقا ولا ترتيبا بل تحويلا
الفلاسفة الذين تناولوا مفهوم الخلق والوجود — مثل الوجوديين ودعاة فلسفة الإبداع — يشيرون إلى أن الإبداع لا ينتمي إلى ثنائية “العدم/الوجود”، بل إلى منطقة التحوّل.  
الكتابة ليست:  

  • خلقا من العدم  
  • ولا ترتيبا للوجود  
    بل تحويلا:  
    تحويل التجربة إلى نص، وتحويل الشعور إلى لغة، وتحويل الفوضى إلى شكل.

إنها عملية توليد، لا اختراع ولا نسخ.
خلاصة الجواب:
الكتابة على الورق الأبيض ليست فعلا أحاديّا.  
إنها:  

  • تخرج ما لم يكن مرئيًا إلى الوجود  
  • وتعيد ترتيب ما هو موجود بالفعل  
  • وتخلق منطقة ثالثة يصبح فيها المعنى ممكنًا

بهذا، الكتابة ليست خلقًا من عدم ولا تنظيمًا لوجود، بل تحويلٌ مستمرّ للخبرة الإنسانية إلى شكلٍ يمكن أن يعيش خارج صاحبه.
[26/11, 12:50] سعاد بسناسي: الجواب السادس:
يلتقي في هذا السؤال الميتافيزيقي بالجمالي، ويصبح الورق أكثر من سطح، والكاتب أكثر من صانع. 

  1. الورق ليس فراغا… إنه إمكانية صامتة:
    الورق لا يأتي خاليا كما نتوهم.  
    إنه يحمل قابليّة المعنى، مثل صخرة تنتظر النحّات، أو نغمة خام تنتظر من يوقظها.  
    البياض ليس عدما، بل طاقة محتملة، مساحة مشحونة بكل ما يمكن أن يكون، لكنها لا تتجسد إلا حين يمر الكاتب عبرها.  
    بهذا المعنى، الورق لا يحتوي المعنى، لكنه يحتضن إمكانه.

 2. الكاتب لا يخلق المعنى من العدم… بل يستدعيه:
الكاتب ليس إلها يخلق من لا شيء، ولا مجرد ناسخ يكتشف ما هو موجود مسبقا.  
إنه كائن يقف في منطقة وسطى:  

  • يلتقط ما يطفو في داخله  
  • ويستجيب لما يلمع في الخارج  
  • ويصغي لما يهمس به الورق نفسه  
    المعنى لا يخلق ولا يكتشف، بل يستحضر:
    إنه أشبه بفتح نافذة: الهواء موجود، والنافذة موجودة، لكن النسيم لا يدخل إلا حين يقرر الكاتب أن يفتحها.
     3. المعنى يولد من التوتر بين الكاتب والورق:
    هناك لحظة سرّية تحدث بين اليد والبياض.  
    لحظة لا يعرف فيها الكاتب هل يقود أم يقاد:
    في تلك اللحظة، يصبح المعنى نتاج علاقة، لا نتاج طرف واحد.  
    فالكاتب يضع أول كلمة، لكن الورق يردّ عليه بالصمت، والصمت يفتح بابا، والباب يقود إلى جملة لم يكن الكاتب ينوي كتابتها.  
    هكذا يتكوّن النص:  
    ليس خلقا فرديا، ولا اكتشافا محضا، بل حوارا خفيا.
  1. النص الحقيقي لا يعرف من أين جاء:
    حين يكتمل النص، لا الكاتب يعرف تماماً كيف ولد، ولا الورق يستطيع الادعاء أنه كان يخفيه.  
    النص يصبح كائنا ثالثا، مستقلا عنهما معا.  
    ولهذا يشعر الكاتب أحيانا بأن النص أذكى منه، أو أعمق، أو أكثر صدقا.  
    وكأن المعنى كان يبحث عن جسد، فوجد الكاتب والورق معا.

خلاصة الجواب:
المعنى ليس في الورق، ولا في الكاتب، بل في الشرارة التي تحدث حين يلتقيان.  
الكاتب لا يخلق، والورق لا يكشف، بل كلاهما يشتركان في ولادة شيء لم يكن موجوداً قبل لحظة الكتابة، ولن يوجد بعدها بالطريقة نفسها.
[26/11, 12:54] سعاد بسناسي: الجواب السابع:الإجابة عن هذا السؤال  لا تنطلق من ثنائية السيطرة أو التعاون، بل نقترح تصورا ثالثا يجعل الكتابة حدثا وجوديا يتجاوز الطرفين:

  1. الكتابة ليست سيطرة ولا تعاون… إنها “تحوّل متبادل”:
    في اللحظة التي يضع فيها الكاتب قلمه على الورق، لا يمارس سلطة، ولا يدخل في شراكة، بل يدخل في عملية تحوّل.  
    الكاتب لا يبقى الكاتب نفسه بعد الجملة الأولى، والورق لا يبقى الورق نفسه بعد أول أثر للحبر.  
    إنهما يتبدّلان:  
  • الورق يفقد بياضه  
  • والكاتب يفقد صمته  

بهذا المعنى، الكتابة ليست علاقة بين طرفين، بل عملية تغيّر متبادل، أشبه بما يحدث بين النار والخشب: لا أحد يسيطر، ولا أحد يتعاون، بل كلاهما يتحوّل إلى شيء ثالث.

 2. الورق ليس مادة خام… إنه مقاومة خفية:
الورق لا يستسلم للكاتب.  
إنه يقاومه بطريقة لا يلاحظها إلا من يكتب بوعي:  

  • يقاومه بصمته  
  • يقاومه بحدوده  
  • يقاومه بقدرته على كشف ما لا يريد الكاتب أن يراه  

هذه المقاومة ليست عداءً، بل قوة شكلية تدفع الكاتب إلى إعادة التفكير، إعادة الصياغة، إعادة النظر في نفسه.  
الكاتب لا يسيطر على الورق، بل يتقدّم فوق مقاومته كما يتقدّم متسلّق على صخرة: الصخرة لا تتعاون، لكنها تمنحه شكلاً للحركة.
 3. الكاتب لا يكتب على الورق… بل يكتب عبره:
الورق ليس سطحاً، بل ممرّاً.  
الكاتب لا يفرض عليه المعنى، ولا يتفاوض معه، بل يمرّ من خلاله إلى منطقة لا يمكن الوصول إليها إلا بالكتابة.  
الورق هنا يشبه بوابة:  
لا تفتح لأنها تريد، ولا تفتح لأنها تجبر، بل لأنها تستجيب لاهتزاز معيّن في يد الكاتب.  
إنها علاقة عبور، لا علاقة سيطرة أو تعاون.
 4. النص هو الكائن الثالث الذي يبتلع الطرفين:
حين يولد النص، لا يعود الكاتب هو الكاتب، ولا يعود الورق هو الورق.  
النص يبتلع الاثنين ويعيد تشكيلهما:  

  • الكاتب يصبح “مَن كتب”  
  • والورق يصبح “ما كُتب”  

النص هو الكائن الذي لم يكن موجوداً قبل لحظة الكتابة، ولن يوجد بعدها بالطريقة نفسها.  
إنه ليس نتيجة سيطرة، ولا ثمرة تعاون، بل نتاج اندماج، كما يندمج صوتان في نغمة واحدة لا يمكن فصلها إلى عناصرها الأولى.
 خلاصة الجواب:
الكتابة ليست علاقة قوة، ولا علاقة شراكة.  
إنها حدث تحوّل، تتغيّر فيه هوية الكاتب والورق معاً، ليظهر كائن ثالث هو النص.  
الكاتب لا يسيطر، والورق لا يتعاون، بل كلاهما يدخل في عملية انصهار هادئ ينتج عنها معنى لم يكن موجوداً في أي منهما منفردا.
[26/11, 12:59] سعاد بسناسي: الجواب الثامن:
تحتاج الإجابة  معالجة فلسفية، تتجاوز الطرح التقليدي الذي يحصر الكتابة بين “الانعكاس” و“القناع”، وتقدّم رؤية أعمق لطبيعة الذات حين تكتب:

 1. الكتابة ليست مرآة للكاتب… بل مرآة تُعيد تشكيله:
يبدو للوهلة الأولى أن الكتابة انعكاس مباشر لشخصية الكاتب، لكن هذا التصوّر يفترض أن الذات ثابتة، وأن النص مجرد سطح يعكسها.  
في الحقيقة، حين يكتب الإنسان، لا ينعكس كما هو، بل يتحوّل.  
الكتابة لا تكشف الشخصية، بل تصنع نسخة جديدة منها، نسخة لم تكن موجودة قبل لحظة الكتابة.  
إنها ليست مرآة، بل ورشة خفية لإعادة تشكيل الذات.
 2. القناع ليس إخفاء… بل طريقة للظهور
حين يضع الكاتب قناعا، لا يفعل ذلك ليخفي نفسه، بل ليظهر بطريقة لا تسمح بها حياته اليومية.  
القناع هنا ليس خداعا، بل أداة وجود.  
فالإنسان لا يستطيع أن يتكلم بصوته الحقيقي إلا حين يختار صوتاً آخر.  
بهذا المعنى، الأقنعة ليست ستائر، بل نوافذ.  
وما يبدو تمويهاً هو في الحقيقة أسلوب للبوح.
 3. الذات الكاتبة ذات متعددة… لا يمكن اختزالها في “شخصية” واحدة:
الكاتب ليس وحدة بسيطة، بل كيان يتكوّن من طبقات:  

  • ذات اجتماعية  
  • ذات خيالية  
  • ذات جريحة  
  • ذات حكيمة  
  • ذات كانت وستكون  

الكتابة تسمح لهذه الذوات بأن تتناوب على الظهور.  
لذلك، لا يمكن القول إن النص يعكس “شخصية الكاتب”، لأن الكاتب نفسه ليس شخصية واحدة، بل مجموعة أصوات تتقاطع وتتنازع وتتآلف.  
النص هو المسرح الذي تظهر عليه هذه الأصوات.

 4. الكتابة حدث وجودي… لا يمكن تفسيره بالانعكاس أو القناع:
الانعكاس يفترض شفافية، والقناع يفترض إخفاء، لكن الكتابة ليست شفافة ولا خادعة.  
إنها حدث، لحظة يتغيّر فيها الكاتب والنص معا.  
في هذه اللحظة، لا يعود السؤال:  
“هل النص يعكس الكاتب؟”  
ولا:  
“هل الكاتب يختبئ خلف النص؟”  
بل يصبح السؤال الأعمق:  
من هو الكاتب الذي وُلد أثناء الكتابة؟  
هذا الكاتب لم يكن موجوداً قبل النص، ولن يبقى بعده بالطريقة نفسها.

خلاصة الجواب:
الكتابة ليست انعكاساً لشخصية الكاتب، وليست قناعاً يخفيه.  
إنها عملية خلق ذات جديدة، ذات لا تظهر إلا في لحظة الكتابة، ثم تنطفئ بعد اكتمال النص.  
الكاتب لا يكشف نفسه ولا يخفيها، بل يبتكرها في كل مرة يكتب فيها.
[26/11, 13:47] سعاد بسناسي: الجواب التاسع:
الإجابة عن هذا السؤال تتطلب معالجة فلسفية عميقة تتجاوز الثنائية المباشرة بين “الفعل الفردي” و“العملية الاجتماعية”، وتقدّم تصورا أكثر تركيبا لطبيعة الكتابة:
 1. الكتابة تبدأ كفعل فردي… لكنها لا تنتمي للفرد وحده:
حين يجلس الكاتب أمام الورق، يبدو المشهد فردياً تماماً: جسد واحد، ويد واحدة، وصوت داخلي واحد.  
لكن هذا “الفرد” نفسه ليس كيانا معزولا.  
إنه يحمل في داخله لغة المجتمع، ذاكرته، صراعاته، أحلامه، وموروثه الرمزي.  
لذلك، حتى أكثر اللحظات عزلة في الكتابة، هي لحظة يكتب فيها المجتمع من خلال الكاتب، دون أن يشعر.

 2. الكاتب يكتب وحده… لكنه لا يفكر وحده:
الأفكار التي يظن الكاتب أنها “خاصة به” هي في الحقيقة نتاج تفاعل طويل مع الآخرين:  

  • مع الكتب التي قرأها  
  • مع الحوارات التي خاضها  
  • مع الجروح التي تركها الناس فيه  
  • مع الثقافة التي شكّلت لغته  
  • مع الزمن الذي يعيش فيه  

الكتابة هنا ليست فعلاً فرديا خالصا، بل تراكم أصوات تتحدث عبر الكاتب، حتى لو ظن أنه يتكلم وحده.
 3. النص يولد من ذات فردية… لكنه يعيش حياة اجتماعية:
 يبدأ النص في غرفة مغلقة، لكنه لا يكتمل إلا حين يخرج إلى العالم.  
فهو لا يصبح “نصا” إلا عندما يقرأه الآخرون، ويعيدون تأويله، ويضيفون إليه طبقات جديدة من المعنى.  
بهذا المعنى، الكتابة تشبه ولادة طفل:  
الولادة فردية، لكن النمو اجتماعي.  
 لا يكتمل النص في يد الكاتب، بل في أعين القرّاء.

  1. الكتابة ليست فردية ولا اجتماعية… إنها جسر بين الاثنين:
    الفعل الفردي هو الشرارة الأولى، والفعل الاجتماعي هو الهواء الذي يغذي النار.  
    الكاتب يحتاج إلى وحدته ليكتب، لكنه يحتاج إلى الآخرين ليعرف ما كتب.  
    والنص لا ينتمي إلى الكاتب وحده، ولا إلى المجتمع وحده، بل إلى المسافة بينهما.  
    هذه المسافة هي التي تمنح الكتابة قوتها:  
    قوة أن تكون ذاتاً تتكلم، وجماعة تتنفس، وصوتا يتجاوز الاثنين معا.
    اخلاصة الجواب:
    الكتابة ليست فعلا فرديا خالصا، ولا عملية اجتماعية محضة.  
    إنها تفاعل معقّد:  
    يبدأ في أعماق الذات، ويتغذّى من الآخرين، ويعود إليهم في شكل نصّ يفتح أبوابا جديدة للمعنى.  
    يكتب الكاتب وحده، لكنه لا يكتب من نفسه وحده، ولا يكتب لنفسه وحده.
    [26/11, 13:54] سعاد بسناسي: الجواب العاشر:الإجابة عن هذا السؤال تنظر إلى الكتابة بوصفها ظاهرة تتجاوز الثنائية البسيطة بين “الذات” و“الآخر”:
     1. الكتابة تبدأ كحوار داخلي قبل أن تصبح خطابا موجهاً للآخر:
    لايكون الكاتب في لحظة الكتابة الأولى،  منشغلا بالآخرين، بل بما يتململ في داخله.  
    إنها محاولة لترتيب الفوضى الداخلية، لتسمية ما لا يُسمّى، ولإعطاء شكل لما يضغط في الأعماق.  
    بهذا المعنى، الكتابة هي أداة للإنصات إلى الذات أكثر مما هي وسيلة للتعبير عنها.  
    فالكاتب لا يكتب ليُخبر الآخرين بشيء، بل ليعرف هو نفسه ما يريد قوله.
  2. لكن الذات نفسها ليست معزولة… إنها محمّلة بأصوات الآخرين:
    حين يكتب الإنسان “لنفسه”، فهو في الحقيقة يكتب بلغة لم يخترها، وبمفاهيم ورثها، وبأسئلة صاغها العالم من حوله.  
    حتى أكثر النصوص خصوصية تحمل آثار المجتمع، الثقافة، الذاكرة الجماعية، والحوارات التي عاشها الكاتب.  
    لذلك، التواصل مع الذات لا ينفصل عن ظلّ الآخرين الذين يسكنون داخل هذه الذات.

 3. الكتابة للآخرين ليست خروجا من الذات… بل امتداد لها
حين يكتب الكاتب نصاً موجهاً للقراء، فهو لا يغادر ذاته، بل يوسّعها.  
إنه يختبر قدرته على تحويل تجربته الخاصة إلى معنى قابل للمشاركة.  
الكتابة هنا تصبح جسرا:  
جسرٌ يبدأ من الداخل، لكنه لا يكتمل إلا حين يصل إلى قارئ مجهول، يضيف للنص معنى جديدا لم يكن في ذهن الكاتب.

 4. النص الحقيقي يعيش في منطقة بين الذات والآخر:
النص لا ينتمي بالكامل للكاتب، ولا بالكامل للقارئ.  
إنه كائن ثالث يولد من احتكاك الاثنين:  

  • من رغبة الكاتب في فهم نفسه  
  • ومن رغبة القارئ في العثور على نفسه داخل كلمات غيره  

بهذا المعنى، الكتابة ليست وسيلة للتواصل مع الذات أو مع الآخرين، بل مساحة يلتقي فيها الاثنان دون أن يذوبا في بعضهما.

خلاصة الجواب:
الكتابة ليست فعلاً موجهاً للذات وحدها، ولا للآخرين وحدهم.  
إنها عملية مزدوجة:  
تبدأ كحوار داخلي، وتكتمل كحوار خارجي.  
الكاتب يكتب ليعرف نفسه، لكنه لا يعرفها تماماً إلا حين يضعها أمام أعين الآخرين.  
والقارئ يقرأ ليعرف الآخرين، لكنه لا يفهمهم إلا حين يكتشف نفسه في نصوصهم.
[26/11, 13:58] سعاد بسناسي: الإجابة الحادية عشر:
 تُنصت إجابتي عن هذا السؤال إلى طبيعة الكتابة بوصفها فعلاً مزدوجا لا يمكن اختزاله في “الحقيقة” أو “الخيال”، بل يتجاوزهما معا:

  1. الكتابة لا تبحث عن الحقيقة… بل تبتكر طريقة لرؤيتها:
    الحقيقة ليست شيئاً جاهزاً ينتظر أن يُنقل إلى الورق.  
    إنها تتشكّل حين تُكتب، كما لو أن الكتابة تمنحها جسداً لم يكن لها من قبل.  
    فالكاتب لا يصف الحقيقة كما هي، بل يصنع زاوية تجعلها مرئية.  
    بهذا المعنى، الكتابة ليست مرآة للحقيقة، بل أداة لخلق شكلها.

 2. والخيال ليس هروباً… بل طريقة أخرى لقول الحقيقة
العوالم الخيالية ليست نقيض الحقيقة، بل امتدادها.  
فالخيال يكشف ما تعجز الوقائع المباشرة عن قوله:  
يكشف الخوف، والرغبة، والجرح، والاحتمال.  
العالم الخيالي ليس وهماً، بل لغة رمزية تُظهر ما لا تستطيع الحقيقة العارية أن تعبر عنه.  
إنه شكل آخر من أشكال الصدق.

 3. الكتابة منطقة يتداخل فيها الحقيقي بالمتخيَّل:
حين يكتب الكاتب، لا يختار بين الحقيقة والخيال، بل يتحرك في مساحة بينهما:  

  • تحتاج الحقيقة  إلى خيال كي تُفهم.
  • والخيال يحتاج إلى حقيقة كي يُصدَّق. 

لا ينتمي النص الجيد لأي منهما، بل يولد من احتكاكهما.  
إنه يشبه الضوء: لا هو موجة فقط، ولا هو جسيم فقط، بل شيء ثالث لا يُختزل في أحدهما.

  1. الكاتب لا يصف العالم… بل يخلق عالماً يمكن من خلاله فهم العالم:
    الكتابة ليست تقريرا عن الواقع، وليست هروبا منه.  
    إنها إعادة ترتيب للعالم بحيث يصبح قابلا للعيش، للفهم، وللرؤية.  
    الكاتب لا يقدّم الحقيقة كما هي، ولا يقدّم الخيال كبديل عنها، بل يقدّم عالما ثالثا:  
    عالما يتيح للقارئ أن يرى نفسه، والآخرين، والوجود بطريقة جديدة.
    خلاصة الجواب:
    الكتابة ليست وسيلة للتعبير عن الحقيقة، وليست وسيلة لخلق عوالم خيالية.  
    إنها فعل مزدوج:  
    تستخدم الخيال لتكشف الحقيقة، وتستخدم الحقيقة لتمنح الخيال وزنا ومعنى.  
    الكتابة هي المساحة التي يلتقي فيها ما هو واقعي بما هو ممكن، وما هو موجود بما يمكن أن يوجد.
    [26/11, 14:02] سعاد بسناسي: الإجابة الثانية عشرة:
    الكتابة ليست مجرد تسجيل للأحداث، وليست دائماً أداة مباشرة لتغيير العالم، لكنها الفضاء الذي تُعاد فيه صياغة الواقع بحيث يصبح قابلا للتغيير. إنها قوة رمزية تسبق الفعل وتمنحه شكله، وسألخص إجابتي في النقاط الآتية:

 1. الكتابة لا تغيّر العالم مباشرة… لكنها تغيّر الطريقة التي نراه بها:
العالم لا يتبدّل بالحبر وحده، لكنه يتبدّل حين تتغيّر الرؤية التي يحملها الناس عنه.  
والكتابة هي الأداة التي تعيد تشكيل هذه الرؤية:  

  • تسمّي ما كان بلا اسم 
  • تكشف ما كان مخفيا 
  • تمنح المعنى لما كان عابرا

بهذا المعنى، الكتابة لا تغيّر العالم كفعل خارجي، بل تغيّر الوعي الذي يصنع العالم.
 2. تسجيل الأحداث ليس عملاً محايدا… إنه اختيارٌ للمعنى
حتى حين تبدو الكتابة مجرد “تسجيل”، فهي ليست بريئة.  
فالكاتب يختار:  

  • ماذا يكتب  
  • وكيف يكتب  
  • ولمن يكتب  
  • وما الذي يتركه خارج النص  

التسجيل نفسه هو فعل تأويل، وفعل التأويل هو أول خطوة في صناعة التاريخ.  
فما يكتب يبقى، وما لا يكتب يختفي.  
وهكذا تصبح الكتابة قوة تحدّد ما يستحق أن يتذكّر.

 3. الكتابة تغيّر العالم لأنها تغيّر الإنسان:
التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل:  
من فكرة جديدة، من جرح مُعترف به، من وعي لم يكن موجودا.  
والكتابة هي الوسيط الذي تتحوّل فيه التجربة الفردية إلى وعي قابل للمشاركة.  
كل نص يفتح نافذة في ذهن قارئ، وكل قارئ يفتح نافذة في العالم.  
التغيير يبدأ من هذه الشرارة الصغيرة.

 4. الكتابة ليست بديلا عن الفعل… لكنها أصل الفعل
الثورات، القوانين، الاكتشافات، وحتى الانهيارات الكبرى…  
كلها بدأت ككلمات:  

  • فكرة في كتاب  
  • جملة في رسالة  
  • سؤال في هامش  
  • صرخة في قصيدة  

الكتابة لا تُسقط الأنظمة، لكنها تُسقط شرعيتها.  
لا تبني المدن، لكنها تبني المخيلة التي تجعل بناءها ممكنا.

خلاصة الجواب:
الكتابة ليست مجرد تسجيل للأحداث، وليست أداة مباشرة لتغيير العالم.  
إنها المنطقة الوسطى التي يُعاد فيها تشكيل الواقع قبل أن يتحوّل إلى فعل.  
إنها القوة التي تغيّر الإنسان، والإنسان هو الذي يغيّر العالم.
[26/11, 14:08] سعاد بسناسي: أخيرا شكر لابد منه: 

أتقدّم بجزيل الشكر والامتنان إلى الأستاذ عبد الناصر العبيدي من العراق الشقيق، في ختام هذه الرحلة الفكرية
على ثقته الكريمة، وعلى انتقائه لهذا النوع من الأسئلة الدقيقة والعميقة التي تستفزّ الفكر وتستدعي التأمل. لقد تطلّبت مني هذه الأسئلة عناية خاصة في صياغة الإجابات وتلخيصها، وأفدتُ منها كثيراً على المستويين العلمي والثقافي.  
وتبقى هذه التجربة إضافة ثمينة إلى رصيدي المعرفي واهتماماتي الثقافية خارج الجزائر، وفرصة لتعميق جسور التواصل العلمي بيننا.
البروفيسور سعاد بسناسي جامعة وهران 1 أحمد بن بلة، عضو لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للغة العربية، مديرة مخبر اللهجات ومعالجة الكلام، ورئيسة أكاديمية الوهراني للدراسات العلمية والتفاعل الثقافي، مديرة مجلة الكلم العلمية المحكمة المصنفة ورئيس تحريرها. الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.

 عبد الناصر العبيدي العراق: الاسئلة 

١..هل الورق الأبيض مجرد مادة، أم أنه يمتلك دلالات رمزية؟

٢..: وهل هو رمز للبراءة، للفراغ، للبدأ من جديد، أم لشيء آخر؟

٣..وهل الورق الأبيض هو صفحة بيضاء في ذهن الكاتب، أم هو انعكاس لصفحة بيضاء في العالم؟

٤…وهل يمكن للورق الأبيض أن يكون مادة خصبة للإلهام، أم أنه مجرد سطح سلبي ينتظر أن يمتلئ؟

٥..وهل الكتابة على الورق الأبيض هي عملية تحويل للعدم إلى وجود، أم أنها مجرد عملية تنظيم للوجود؟ 

٦..وهل الكاتب هو من يخلق المعنى على الورق، أم أن المعنى موجود بالفعل في الورق وينتظر أن يكتشفه الكاتب؟

٧..وهل الكتابة هي فعل سيطرة من الكاتب على الورق، أم هي عملية تفاعل وتعاون بينهما؟

٨…وهل الكتابة هي انعكاس لشخصية الكاتب، أم أنها عملية تخفي وراءها أقنعة متعددة؟

٩..وهل الكتابة هي فعل فردي، أم أنها عملية اجتماعية تتأثر بالآخرين؟ 

١٠..هل الكتابة هي وسيلة للتواصل مع الآخرين، أم أنها وسيلة للتواصل مع الذات؟

١١..وهل الكتابة هي وسيلة للتعبير عن الحقيقة، أم أنها وسيلة لخلق عوالم خيالية؟

١٢..وهل الكتابة هي وسيلة لتغيير العالم، أم أنها مجرد تسجيل للأحداث؟

١٣…وهل الكتابة هي فعل مادي، أم أنها فعل روحي؟
 سعاد بسناسي: الجواب الأول:
 الورق الأبيض ليس مجرد مادة؛ فبحسب ما تذكره المصادر، يحمل دلالات عميقة تتراوح بين الإمكان، والذاكرة، والخلق، والقلق الإبداعي. ويمكن توسيع هذه الرمزية لتقديم رؤيتي المتواضعة في هذه الإجابة:

  1. الورق الأبيض: من المادة إلى الفضاء الدلالي
    تشير بعض التحليلات الثقافية إلى أن الورق، رغم بساطته المادية، يمثل بوابة للمعرفة والإبداع، فهو ليس سطحًا محايدًا بل فضاءً ينتظر أن يُسكَن بالمعنى.  
    إنه مادة، نعم، لكنه مادة ذات قابلية للتحوّل: من بياض صامت إلى أثرٍ يبقى، ومن فراغ إلى ذاكرة.
  2. الورق الأبيض بمثابة “إمكان”: مساحة مفتوحة للخلق
    تصف بعض المصادر الورقة البيضاء بأنها رمز الإمكان والاحتمال، فهي تشبه بداية الطريق قبل أن تُرسم خطواته.  
    هذا البياض ليس نقصًا، بل امتلاءً بالقابلية:  
  • قابلية لولادة فكرة  
  • أو انطلاق مشروع  
  • أو تسجيل لحظة إنسانية  
  • أو حتى إعادة كتابة الذات

إنه يشبه لحظة الصمت قبل الموسيقى، أو الشهيق قبل الكلام.
 3. الورق الأبيض كمرآة للكاتب: بين الإلهام والقلق
تذكر بعض التحليلات أن الورقة البيضاء تحمل أيضًا رمزية القلق الإبداعي، فهي تمثل التحدي الأول أمام الكاتب أو الفنان، حيث تتقاطع الرغبة في التعبير مع الخوف من عدم بلوغ المعنى.  
إنها لحظة مواجهة بين الذات وما تريد قوله، وبين اللغة وما تستطيع قوله.
 4. الورق الأبيض كذاكرة مستقبلية:
الورقة البيضاء ليست فقط ما لم يُكتب بعد، بل هي أيضًا ذاكرة تنتظر أن تصنع.  
فكل ما نكتبه عليها يتحوّل إلى أثر، إلى تاريخ صغير، إلى جزء من سردية شخصية أو جماعية.  
ومن هنا، يصبح البياض وعدًا: وعدًا بأن ما سيُكتب قد يغيّر شيئًا، ولو كان بسيطًا.

  1. الورق الأبيض كرمز للحرية
    البياض مساحة لا تفرض شكلا ولا اتجاها.  
    إنه أكثر المواد ديمقراطية:  
  • يسمح لكل صوت أن يكتب  
  • ولكل فكرة أن تتجسد  
  • ولكل اختلاف أن يجد مكانه  
    إنه فضاء حرّ، لا يميّز بين كاتب وآخر، ولا بين فكرة وأخرى.

 6. الورق الأبيض كجسد للغة: الورق ليس مجرد حامل للغة، بل هو جسدها الأول.  
فالكلمات لا تولد في الهواء، بل تحتاج إلى أرض تستقر عليها.  
والورق الأبيض هو تلك الأرض التي تمنح اللغة شكلها ووجودها.

ختاماً نقول: 
الورق الأبيض، إذن، ليس مجرد مادة تصنع من الألياف، بل فضاء رمزي تتقاطع فيه الفلسفة مع الإبداع، والذاكرة مع الإمكان، والقلق مع الحرية.  
إنه نقطة البداية لكل كتابة، لكنه أيضًا مرآةٌ للذات، وساحةٌ للصراع بين ما نعرفه وما نريد قوله، وبين ما نقدر على كتابته وما نحلم ببلوغه.
[25/11, 22:20] سعاد بسناسي: الإجابة عن السؤال الثاني: سؤال جميل وعميق؛ لأنه لا يتعامل مع الورق الأبيض كشيء نكتب عليه، بل كشيء يكتبنا من خلاله. إجابتي موزعة على جملة من العناوين كالآتي: 

الورق الأبيض كرمز للبراءة:

يغري البياض بأن نراه براءة، لكن هذه البراءة ليست ساذجة. الورقة البيضاء لا تحمل حكمًا، ولا تتبنّى موقفًا، ولا تنتمي إلى أحد قبل أن يُكتب عليها. هي براءة بمعنى الحياد الأصلي: لا خير ولا شر، لا جمال ولا قبح، بل استعداد لاستقبال الاثنين معًا. إنها ليست بريئة لأنّها طاهرة، بل لأنها لم تشهد بعد جريمة المعنى ولا نعمة المعنى. براءتها أقرب إلى براءة الطفولة: قابلة للتشكّل، لكن لا ضمانات لما ستصير إليه.

الورق الأبيض كرمز للفراغ:

من زاوية أخرى، يمكن أن يرى الورق الأبيض كفراغ، لكن ليس كل فراغ نقصا. هذا الفراغ يربك المبدع؛ لأنه يضعه وجها لوجه أمام صمته هو، لا أمام صمت الورقة. الفراغ هنا أشبه بغرفة فارغة تبرز كل حركة وصوت. حين ننظر إلى الورقة البيضاء، نكتشف ما لا نستطيع قوله، قبل أن نكتشف ما نستطيع كتابته. إنها فراغ يفضح هشاشتنا اللغوية، لكنه في الوقت نفسه يمنحنا مساحة لتجريب ميلادنا المعنوي من جديد.

الورق الأبيض كرمز للبداية من جديد:

الورق الأبيض هو لحظة “إعادة ضبط” للذات. كل صفحة جديدة هي إعلان ضمني بأن ما مضى لا يكفي، أو لا يرضينا، أو لا يعبر عنا الآن. لذلك، هو ليس فقط بداية، بل نوع من العصيان الهادئ على الماضي المكتوب. حين نفتح صفحة بيضاء، نحن لا نهرب من السابق، بل نجرّبه من زاوية أخرى، بكلمات أخرى، وربما بجرأة مختلفة. إنها بداية من جديد، ولكن مع ذاكرة؛ لا نكرّر أنفسنا، بل نعيد تركيبها.

الورق الأبيض كاختبار للحرية:

الورق الأبيض يحرّض سؤالًا صعبًا: ماذا نفعل حين تكون كل الخيارات ممكنة؟ في غياب السطور الجاهزة، لا يعود هناك من يحدّد لنا شكل الجملة ولا اتجاه الفكرة. هذه المساحة المفتوحة تبدو حرية، لكنها أيضًا عبء؛ لأن الحرّية تجرّد الأعذار. لا نستطيع أن نلوم الورقة إذا لم نكتب، ولا أن نلوم “ضيق المساحة” إذا اختنق المعنى. في هذا المعنى، الورق الأبيض محكّ: يقيس مدى قدرتنا على تحمّل نتائج حريتنا الفكرية والوجدانية.

الورق الأبيض كمرآة خفية للكاتب:

الورقة البيضاء لا تعكس ما نكتبه فقط، بل تعكس ما نتردّد في كتابته. ما نمحوه، ما نؤجّله، ما نخاف أن نخطّه، كل ذلك جزء من علاقتنا بالبياض. لذلك، قد تكون الورقة أكثر صدقًا من النصّ نفسه؛ لأن البياض الذي ظلّ بلا حبر يحكي عن المناطق التي ما زلنا نكتمها. بهذا المعنى، الورق الأبيض ليس سطحًا نطبع عليه، بل مساحة تكشف حدّ قدرتنا على مواجهة أنفسنا.

الورق الأبيض كساحة صراع بين الفكرة واللغة:

في عمقه، الورق الأبيض هو المسرح الذي يتصارع عليه شيآن: ما نشعر به، وما نقدر على صياغته. الفكرة أوسع دائمًا من الجملة، والورقة البيضاء شاهدة على هذا الفارق المؤلم. كل كلمة تُكتب هي في الحقيقة تنازل عن احتمالات أخرى لم تُكتب. هكذا يصبح البياض رمزًا لِما لم يُقل، للمعاني التي بقيت في الظل، وللصمت الذي لا يختزل في عجز فقط، بل أحيانًا في حكمة الامتناع عن قول كل شيء.
باختصار نقول: الورق الأبيض يمكن أن يكون براءة، وفراغًا، وبداية، وحرية، ومرآة، وساحة صراع في آن واحد. المعنى الذي يكتسبه ليس ثابتًا فيه، بل يتشكل من زاوية من ينظر إليه، ومن درجة وعيه بما يكتبه وما يتركه بلا كتابة.
[25/11, 22:31] سعاد بسناسي: الجواب الثالث: يذهب السؤال الثالث إلى جوهر العلاقة بين الذات والعالم، بين الداخل والخارج، وهذا أجمل ما فيه. 
الورق الأبيض كمنطقة تماس بين ذاتين: ذات الكاتب وذات العالم

الورقة البيضاء ليست نسخةً من الداخل ولا مرآةً للخارج، بل هي نقطةُ تماس بين ذاتين: ذات الكاتب وذات العالم.  
إنها مساحة ثالثة، “منطقة عازلة” ينشأ فيها حوار صامت: الكاتب يدخل إليها محمّلا بصوره وألمه وأسئلته، والعالم يدخل إليها محمّلا بأحداثه وفوضاه وقوانينه.  
ما يكتب ليس تطابقا مع ما في الذهن ولا استنساخا لما في الواقع، بل نتيجة هذا الاصطدام الخفي بين عالمين يحاولان أن يترجما بعضهما بعضا دون أن يتطابقا أبدا.
الورق الأبيض كاختراع لصفحة بيضاء لا وجود لها:

في العمق، لا ذهن الكاتب صفحة بيضاء، ولا العالم صفحة بيضاء؛ كلاهما مزدحم بالتجارب والآثار والندوب.  
الورقة هي محاولة متخيّلة لخلق “صفحة بيضاء” لا توجد لا في النفس ولا في الواقع، لكنها تُختَرَع لتمنحنا وهم البداية الصفرية.  
بهذا المعنى، الورق الأبيض ليس انعكاسا لبياض حقيقي، بل هو تعويض رمزي عن استحالة النقاء في الداخل والخارج معا.  
نلجأ إلى هذا البياض لأننا لا نجد بياضا مماثلا لا في ذكرياتنا ولا في العالم من حولنا.

الورق الأبيض كمساحة تفاوض بين الذاكرة والواقع:

ما يكتب على الورق غالبا لا هو استرسال نقي لذاكرة الكاتب، ولا هو نقل أمين لصورة العالم، بل نوع من “التفاوض” بينهما.  
الكاتب لا يملك أن يكتب كما لو أن العالم خارج الورقة غير موجود، ولا يملك أن يكتب كما لو أن ذاته مجرد مرآة عاكسة للواقع.  
على الورق، تُخفَّف قسوة الواقع بانتقاء اللغة، وتُخفَّف فوضى الداخل بصنع شكلٍ قابل للقراءة.  
إنها مساحة تفاوض بين ما نريد أن نتذكّره وما نحتمل أن نراه، وبين ما نراه وما نجرؤ أن نعترف به أمام أنفسنا.

الورق الأبيض كتجربة لخلق عالم ثالث:

حين نكتب، نحن لا ننقل العالم ولا ننسخه، بل نُجري تجربة خَلق لعالم ثالث: لا هو العالم الخارجي، ولا هو العالم الداخلي، بل “عالم النص”.  
هذا العالم الثالث له قوانينه الخاصة: زمنه، إيقاعه، منطقه، شخصياته، حتى لو كان النص تأمليًا أو فلسفيًا.  
الورق الأبيض، هنا، ليس صفحة ذهن ولا صفحة عالم، بل أرضا تقام عليها دولة جديدة للمعنى، تحكمها سيادة اللغة أكثر مما يحكمها الواقع أو الذاكرة.  
إنه مختبر وجودٍ موازٍ، لا يدين بالكامل لشيء سبق، ولا ينفصل بالكامل عن شيء سبق.

الورق الأبيض كأداة تفكيك لادعاء “الصفحة البيضاء”:
السؤال نفسه يفضح وهمًا: فكرة أن هناك “صفحة بيضاء” أصلًا، في الذهن أو في العالم.  
الكاتب يدخل إلى الورقة وهو مشكّل سلفًا بثقافةٍ وتاريخٍ ولغةٍ وجراحٍ لا تُرى، والعالم الذي يظنه البعض “موضوعيًا” محمّل هو الآخر بخطابات وقوى ومصالح.  
الورق، حين يسمّى “أبيضا”، يُستخدم أداةً لتفكيك هذا الادعاء بالبراءة: إنه يُظهر أن كل كتابة هي إعادة توزيع لما هو موجود، لا خلق من العدم، حتى لو بدت كبدء جديد.  
البياض هنا ليس حالة واقعية، بل سؤال فلسفي: ماذا نفعل ونحن نكتب، ونحن نعلم أن لا شيء يبدأ من الصفر؟

الورق الأبيض كساحة اختبار لنسبة حضور الذات ونسبة حضور العالم:

يمكن النظر إلى الورق الأبيض كأداة قياس غير مباشرة:  

  • إلى أي حد يفرض الكاتب ذاته على العالم في النص؟  
  • وإلى أي حد يسمح للعالم أن يقتحم نصه ويغيّر مساره؟  

كل سطر مكتوب هو نسبة متغيّرة بين هذين القطبين: حضور الأنا وحضور العالم.  
الورقة لا تجيب عن سؤال: “هل هي صفحة الذهن أم صفحة العالم؟”  
بل تطرح سؤالًا أدق: “كيف توزَّع النِّسب بينهما في هذه اللحظة من الكتابة؟”  
بهذا المعنى، الورق الأبيض ليس ملكًا لطرف، بل هو مساحة اختبار دقيقة لقوى خفية تتحاور وتتنازع خلف الكلمات.
بهذه الرؤية، لا يعود مهمًّا أن نحسم: هل الورق الأبيض “ينتمي” للذهن أم للعالم؟  
المهم أنه الحيّز الذي يُجرَّب فيه هذا الانتماء، ويُعاد تعريف الحدود بين الداخل والخارج، بحيث يصبح السؤال نفسه جزءًا من لعبة الكتابة لا خارجها.
[25/11, 22:40] سعاد بسناسي: الجواب الرابع:

الورق الأبيض ككائن ينتج الإلهام بدل أن يستقبله:

ليس الورق الأبيض سطحا ينتظر الامتلاء، بل هو كائن له طاقته الخاصة. فالبياض ليس حيادا، بل قوة جذب تستفزّ الفكرة لتخرج من مخبئها. يشبه الورق الأبيض صمتا يضغط على الذاكرة حتى تتكلم، أو فراغا يخلق الحاجة إلى ملئه. الإلهام لا يهبط على الورقة، بل الورقة هي التي تستدرجه، كأنها تقول للكاتب: أثبت وجودك أمام هذا البياض. هنا يصبح الورق شريكا في العملية الإبداعية، لا مجرد متلقٍّ سلبي.

الورق الأبيض كمساحة مقاومة تُنتج المعنى عبر التوتر:

الإلهام لا يولد من السهولة، بل من التوتر. والورقة البيضاء هي أول شكل من أشكال المقاومة التي يواجهها الكاتب. إنها تعترض طريقه بصمتها، وتختبر قدرته على تحويل ما لا يرى إلى ما يقرأ. هذا التوتر بين الرغبة في الكتابة وصعوبة البدء هو ما يجعل الورق الأبيض مادة خصبة: فكل مقاومة تُنتج طاقة، وكل طاقة تُنتج معنى.  
السطح السلبي لا يقاوم، أما الورق الأبيض فيقاوم بصمته، ولذلك يحرّض الإبداع.

الورق الأبيض كفضاء يخلق الكاتب لا الكتابة:

حين يواجه الكاتب الورقة البيضاء، لا يكتب نصا فقط، بل يعيد تشكيل نفسه. فالبياض يضعه أمام سؤال: من أنت حين لا تستند إلى شيء؟  
في هذه اللحظة، يصبح الورق الأبيض مرآة تكشف حدود الكاتب، وتدفعه إلى تجاوزها. الإلهام هنا ليس نتاجًا لفكرة جاهزة، بل نتاجا لعملية إعادة خلق للذات.  
بهذا المعنى، الورق الأبيض ليس سطحا ينتظر الامتلاء، بل مختبرا يعاد فيه تشكيل الكاتب قبل أن يعاد تشكيل اللغة.

الورق الأبيض كاحتمال مفتوح لا يكتمل إلا بالفعل الإبداعي:

الورقة البيضاء ليست فارغة، بل ممتلئة بالاحتمالات. كل كلمة تكتب تقصي آلاف الكلمات الممكنة، وكل جملة تختار تلغي عشرات المسارات المحتملة.  
البياض ليس نقصًا، بل فيضًا: فيض احتمالات لا يمكن احتواؤها إلا بالكتابة.  
وهذا الفيض هو ما يجعل الورق الأبيض مادة خصبة للإلهام؛ لأنه يضع الكاتب أمام عالم كامل من الإمكانات، ويطالبه بأن يختار، أن يحدّد، أن يخلق.  
السطح السلبي لا يملك احتمالات، أما الورق الأبيض فيملكها كلها.

الورق الأبيض كزمنٍ معلّق بين ما كان وما سيكون:

الورقة البيضاء ليست مكانًا فقط، بل زمنًا. إنها اللحظة التي تسبق المعنى، اللحظة التي يكون فيها كل شيء ممكنًا ولا شيء محقّقًا.  
هذا الزمن المعلّق هو ما يفتح باب الإلهام: فالإبداع لا يولد في زمن مكتمل، بل في زمنٍ لم يتشكّل بعد.  
الورق الأبيض هو هذا الزمن المؤجّل، الذي يسمح للكاتب أن يلتقط ما لم يحدث بعد، وأن يمنحه شكلًا.  
السطح السلبي لا يملك زمنًا، أما الورق الأبيض فيملك لحظة الميلاد.

خلاصة الجواب:

الورق الأبيض ليس مادة خام ولا سطحًا سلبيًا، بل كيانٌ فاعل يشارك في صناعة الإلهام.  
إنه مقاومة، واحتمال، وزمن، ومرآة، ومساحة خلق.  
وكل كتابة هي في الحقيقة حوار بين الكاتب والبياض، لا انتصار طرف على آخر.
[25/11, 22:48] سعاد بسناسي: الجواب الخامس:
 الكتابة ليست تحويلا خالصا للعدم إلى وجود، وليست تنظيما بسيطا لوجود جاهز؛ بل هي فعل مركّب يجمع بين خلق ما لم يكن وإعادة ترتيب ما هو كائن، كما تشير بعض التحليلات الفلسفية حول الوجود والإبداع.
 الكتابة بين العدم والوجود: فعل مزدوج لا ينتمي لطرف واحد
السؤال يفترض ثنائية حادّة: إمّا خلق من العدم، أو تنظيم لما هو موجود. لكن الكتابة، في جوهرها، تتجاوز هذه الثنائية. فهي لا تبدأ من فراغ مطلق، لأن الكاتب محمّل بالذاكرة والتجربة واللغة. وفي الوقت نفسه، لا تكتفي بترتيب ما هو جاهز، لأنها تنتج معنى جديدا لم يكن موجودا قبل لحظة الكتابة.

بهذا المعنى، الكتابة تتحرك في منطقة وسطى: ليست خلقا من عدم، وليست إعادة تدوير للواقع، بل تحويل للخبرة الخام إلى وجود قابل للقراءة.
 الكتابة كتحويل للعدم: حين يصبح ما لا يقال قابلا للظهور
تشير بعض الرؤى الوجودية إلى أن الإنسان يعيش دائما بين ما يشعر به وما يستطيع التعبير عنه.  
الكتابة هنا تعمل كجسر:  

  • تخرج ما كان مبهما في الداخل  
  • تمنح شكلا لما كان بلا شكل  
  • وتحوّل الانفعال أو الفكرة من حالة “لا وجود لغوي” إلى “وجود مكتوب”

بهذا المعنى، الكتابة خلق للوجود من مادة غير مرئية: من إحساس، من حدس، من صمت، من توتر داخلي.  
إنها تمنح الوجود لما لم يكن له وجود قابل للمشاركة.
الكتابة كتنظيم للوجود: ترتيب الفوضى لا اختراع العالم
لكن في الوقت نفسه، لا يمكن القول إن الكتابة تنشئ العالم من الصفر.  
فالكاتب لا يكتب من عدم، بل من:  

  • ذاكرة  
  • لغة موروثة  
  • تجارب  
  • صور ذهنية  
  • تاريخ شخصي وجماعي

وهذا يجعل الكتابة تنظيمًا للوجود:  
هي محاولة لترتيب الفوضى الداخلية، ولإعادة صياغة العالم بحيث يصبح قابلا للفهم.  
إنها ليست خلقا للعالم، بل خلقا لشكلٍ جديد للعالم.

 الكتابة كفعل ثالث: ليست خلقا ولا ترتيبا بل تحويلا
الفلاسفة الذين تناولوا مفهوم الخلق والوجود — مثل الوجوديين ودعاة فلسفة الإبداع — يشيرون إلى أن الإبداع لا ينتمي إلى ثنائية “العدم/الوجود”، بل إلى منطقة التحوّل.  
الكتابة ليست:  

  • خلقا من العدم  
  • ولا ترتيبا للوجود  
    بل تحويلا:  
    تحويل التجربة إلى نص، وتحويل الشعور إلى لغة، وتحويل الفوضى إلى شكل.

إنها عملية توليد، لا اختراع ولا نسخ.
خلاصة الجواب:
الكتابة على الورق الأبيض ليست فعلا أحاديّا.  
إنها:  

  • تخرج ما لم يكن مرئيًا إلى الوجود  
  • وتعيد ترتيب ما هو موجود بالفعل  
  • وتخلق منطقة ثالثة يصبح فيها المعنى ممكنًا

بهذا، الكتابة ليست خلقًا من عدم ولا تنظيمًا لوجود، بل تحويلٌ مستمرّ للخبرة الإنسانية إلى شكلٍ يمكن أن يعيش خارج صاحبه.
[26/11, 12:50] سعاد بسناسي: الجواب السادس:
يلتقي في هذا السؤال الميتافيزيقي بالجمالي، ويصبح الورق أكثر من سطح، والكاتب أكثر من صانع. 

  1. الورق ليس فراغا… إنه إمكانية صامتة:
    الورق لا يأتي خاليا كما نتوهم.  
    إنه يحمل قابليّة المعنى، مثل صخرة تنتظر النحّات، أو نغمة خام تنتظر من يوقظها.  
    البياض ليس عدما، بل طاقة محتملة، مساحة مشحونة بكل ما يمكن أن يكون، لكنها لا تتجسد إلا حين يمر الكاتب عبرها.  
    بهذا المعنى، الورق لا يحتوي المعنى، لكنه يحتضن إمكانه.

 2. الكاتب لا يخلق المعنى من العدم… بل يستدعيه:
الكاتب ليس إلها يخلق من لا شيء، ولا مجرد ناسخ يكتشف ما هو موجود مسبقا.  
إنه كائن يقف في منطقة وسطى:  

  • يلتقط ما يطفو في داخله  
  • ويستجيب لما يلمع في الخارج  
  • ويصغي لما يهمس به الورق نفسه  
    المعنى لا يخلق ولا يكتشف، بل يستحضر:
    إنه أشبه بفتح نافذة: الهواء موجود، والنافذة موجودة، لكن النسيم لا يدخل إلا حين يقرر الكاتب أن يفتحها.
     3. المعنى يولد من التوتر بين الكاتب والورق:
    هناك لحظة سرّية تحدث بين اليد والبياض.  
    لحظة لا يعرف فيها الكاتب هل يقود أم يقاد:
    في تلك اللحظة، يصبح المعنى نتاج علاقة، لا نتاج طرف واحد.  
    فالكاتب يضع أول كلمة، لكن الورق يردّ عليه بالصمت، والصمت يفتح بابا، والباب يقود إلى جملة لم يكن الكاتب ينوي كتابتها.  
    هكذا يتكوّن النص:  
    ليس خلقا فرديا، ولا اكتشافا محضا، بل حوارا خفيا.
  1. النص الحقيقي لا يعرف من أين جاء:
    حين يكتمل النص، لا الكاتب يعرف تماماً كيف ولد، ولا الورق يستطيع الادعاء أنه كان يخفيه.  
    النص يصبح كائنا ثالثا، مستقلا عنهما معا.  
    ولهذا يشعر الكاتب أحيانا بأن النص أذكى منه، أو أعمق، أو أكثر صدقا.  
    وكأن المعنى كان يبحث عن جسد، فوجد الكاتب والورق معا.

خلاصة الجواب:
المعنى ليس في الورق، ولا في الكاتب، بل في الشرارة التي تحدث حين يلتقيان.  
الكاتب لا يخلق، والورق لا يكشف، بل كلاهما يشتركان في ولادة شيء لم يكن موجوداً قبل لحظة الكتابة، ولن يوجد بعدها بالطريقة نفسها.
[26/11, 12:54] سعاد بسناسي: الجواب السابع:الإجابة عن هذا السؤال  لا تنطلق من ثنائية السيطرة أو التعاون، بل نقترح تصورا ثالثا يجعل الكتابة حدثا وجوديا يتجاوز الطرفين:

  1. الكتابة ليست سيطرة ولا تعاون… إنها “تحوّل متبادل”:
    في اللحظة التي يضع فيها الكاتب قلمه على الورق، لا يمارس سلطة، ولا يدخل في شراكة، بل يدخل في عملية تحوّل.  
    الكاتب لا يبقى الكاتب نفسه بعد الجملة الأولى، والورق لا يبقى الورق نفسه بعد أول أثر للحبر.  
    إنهما يتبدّلان:  
  • الورق يفقد بياضه  
  • والكاتب يفقد صمته  

بهذا المعنى، الكتابة ليست علاقة بين طرفين، بل عملية تغيّر متبادل، أشبه بما يحدث بين النار والخشب: لا أحد يسيطر، ولا أحد يتعاون، بل كلاهما يتحوّل إلى شيء ثالث.

 2. الورق ليس مادة خام… إنه مقاومة خفية:
الورق لا يستسلم للكاتب.  
إنه يقاومه بطريقة لا يلاحظها إلا من يكتب بوعي:  

  • يقاومه بصمته  
  • يقاومه بحدوده  
  • يقاومه بقدرته على كشف ما لا يريد الكاتب أن يراه  

هذه المقاومة ليست عداءً، بل قوة شكلية تدفع الكاتب إلى إعادة التفكير، إعادة الصياغة، إعادة النظر في نفسه.  
الكاتب لا يسيطر على الورق، بل يتقدّم فوق مقاومته كما يتقدّم متسلّق على صخرة: الصخرة لا تتعاون، لكنها تمنحه شكلاً للحركة.
 3. الكاتب لا يكتب على الورق… بل يكتب عبره:
الورق ليس سطحاً، بل ممرّاً.  
الكاتب لا يفرض عليه المعنى، ولا يتفاوض معه، بل يمرّ من خلاله إلى منطقة لا يمكن الوصول إليها إلا بالكتابة.  
الورق هنا يشبه بوابة:  
لا تفتح لأنها تريد، ولا تفتح لأنها تجبر، بل لأنها تستجيب لاهتزاز معيّن في يد الكاتب.  
إنها علاقة عبور، لا علاقة سيطرة أو تعاون.
 4. النص هو الكائن الثالث الذي يبتلع الطرفين:
حين يولد النص، لا يعود الكاتب هو الكاتب، ولا يعود الورق هو الورق.  
النص يبتلع الاثنين ويعيد تشكيلهما:  

  • الكاتب يصبح “مَن كتب”  
  • والورق يصبح “ما كُتب”  

النص هو الكائن الذي لم يكن موجوداً قبل لحظة الكتابة، ولن يوجد بعدها بالطريقة نفسها.  
إنه ليس نتيجة سيطرة، ولا ثمرة تعاون، بل نتاج اندماج، كما يندمج صوتان في نغمة واحدة لا يمكن فصلها إلى عناصرها الأولى.
 خلاصة الجواب:
الكتابة ليست علاقة قوة، ولا علاقة شراكة.  
إنها حدث تحوّل، تتغيّر فيه هوية الكاتب والورق معاً، ليظهر كائن ثالث هو النص.  
الكاتب لا يسيطر، والورق لا يتعاون، بل كلاهما يدخل في عملية انصهار هادئ ينتج عنها معنى لم يكن موجوداً في أي منهما منفردا.
[26/11, 12:59] سعاد بسناسي: الجواب الثامن:
تحتاج الإجابة  معالجة فلسفية، تتجاوز الطرح التقليدي الذي يحصر الكتابة بين “الانعكاس” و“القناع”، وتقدّم رؤية أعمق لطبيعة الذات حين تكتب:

 1. الكتابة ليست مرآة للكاتب… بل مرآة تُعيد تشكيله:
يبدو للوهلة الأولى أن الكتابة انعكاس مباشر لشخصية الكاتب، لكن هذا التصوّر يفترض أن الذات ثابتة، وأن النص مجرد سطح يعكسها.  
في الحقيقة، حين يكتب الإنسان، لا ينعكس كما هو، بل يتحوّل.  
الكتابة لا تكشف الشخصية، بل تصنع نسخة جديدة منها، نسخة لم تكن موجودة قبل لحظة الكتابة.  
إنها ليست مرآة، بل ورشة خفية لإعادة تشكيل الذات.
 2. القناع ليس إخفاء… بل طريقة للظهور
حين يضع الكاتب قناعا، لا يفعل ذلك ليخفي نفسه، بل ليظهر بطريقة لا تسمح بها حياته اليومية.  
القناع هنا ليس خداعا، بل أداة وجود.  
فالإنسان لا يستطيع أن يتكلم بصوته الحقيقي إلا حين يختار صوتاً آخر.  
بهذا المعنى، الأقنعة ليست ستائر، بل نوافذ.  
وما يبدو تمويهاً هو في الحقيقة أسلوب للبوح.
 3. الذات الكاتبة ذات متعددة… لا يمكن اختزالها في “شخصية” واحدة:
الكاتب ليس وحدة بسيطة، بل كيان يتكوّن من طبقات:  

  • ذات اجتماعية  
  • ذات خيالية  
  • ذات جريحة  
  • ذات حكيمة  
  • ذات كانت وستكون  

الكتابة تسمح لهذه الذوات بأن تتناوب على الظهور.  
لذلك، لا يمكن القول إن النص يعكس “شخصية الكاتب”، لأن الكاتب نفسه ليس شخصية واحدة، بل مجموعة أصوات تتقاطع وتتنازع وتتآلف.  
النص هو المسرح الذي تظهر عليه هذه الأصوات.

 4. الكتابة حدث وجودي… لا يمكن تفسيره بالانعكاس أو القناع:
الانعكاس يفترض شفافية، والقناع يفترض إخفاء، لكن الكتابة ليست شفافة ولا خادعة.  
إنها حدث، لحظة يتغيّر فيها الكاتب والنص معا.  
في هذه اللحظة، لا يعود السؤال:  
“هل النص يعكس الكاتب؟”  
ولا:  
“هل الكاتب يختبئ خلف النص؟”  
بل يصبح السؤال الأعمق:  
من هو الكاتب الذي وُلد أثناء الكتابة؟  
هذا الكاتب لم يكن موجوداً قبل النص، ولن يبقى بعده بالطريقة نفسها.

خلاصة الجواب:
الكتابة ليست انعكاساً لشخصية الكاتب، وليست قناعاً يخفيه.  
إنها عملية خلق ذات جديدة، ذات لا تظهر إلا في لحظة الكتابة، ثم تنطفئ بعد اكتمال النص.  
الكاتب لا يكشف نفسه ولا يخفيها، بل يبتكرها في كل مرة يكتب فيها.
[26/11, 13:47] سعاد بسناسي: الجواب التاسع:
الإجابة عن هذا السؤال تتطلب معالجة فلسفية عميقة تتجاوز الثنائية المباشرة بين “الفعل الفردي” و“العملية الاجتماعية”، وتقدّم تصورا أكثر تركيبا لطبيعة الكتابة:
 1. الكتابة تبدأ كفعل فردي… لكنها لا تنتمي للفرد وحده:
حين يجلس الكاتب أمام الورق، يبدو المشهد فردياً تماماً: جسد واحد، ويد واحدة، وصوت داخلي واحد.  
لكن هذا “الفرد” نفسه ليس كيانا معزولا.  
إنه يحمل في داخله لغة المجتمع، ذاكرته، صراعاته، أحلامه، وموروثه الرمزي.  
لذلك، حتى أكثر اللحظات عزلة في الكتابة، هي لحظة يكتب فيها المجتمع من خلال الكاتب، دون أن يشعر.

 2. الكاتب يكتب وحده… لكنه لا يفكر وحده:
الأفكار التي يظن الكاتب أنها “خاصة به” هي في الحقيقة نتاج تفاعل طويل مع الآخرين:  

  • مع الكتب التي قرأها  
  • مع الحوارات التي خاضها  
  • مع الجروح التي تركها الناس فيه  
  • مع الثقافة التي شكّلت لغته  
  • مع الزمن الذي يعيش فيه  

الكتابة هنا ليست فعلاً فرديا خالصا، بل تراكم أصوات تتحدث عبر الكاتب، حتى لو ظن أنه يتكلم وحده.
 3. النص يولد من ذات فردية… لكنه يعيش حياة اجتماعية:
 يبدأ النص في غرفة مغلقة، لكنه لا يكتمل إلا حين يخرج إلى العالم.  
فهو لا يصبح “نصا” إلا عندما يقرأه الآخرون، ويعيدون تأويله، ويضيفون إليه طبقات جديدة من المعنى.  
بهذا المعنى، الكتابة تشبه ولادة طفل:  
الولادة فردية، لكن النمو اجتماعي.  
 لا يكتمل النص في يد الكاتب، بل في أعين القرّاء.

  1. الكتابة ليست فردية ولا اجتماعية… إنها جسر بين الاثنين:
    الفعل الفردي هو الشرارة الأولى، والفعل الاجتماعي هو الهواء الذي يغذي النار.  
    الكاتب يحتاج إلى وحدته ليكتب، لكنه يحتاج إلى الآخرين ليعرف ما كتب.  
    والنص لا ينتمي إلى الكاتب وحده، ولا إلى المجتمع وحده، بل إلى المسافة بينهما.  
    هذه المسافة هي التي تمنح الكتابة قوتها:  
    قوة أن تكون ذاتاً تتكلم، وجماعة تتنفس، وصوتا يتجاوز الاثنين معا.
    اخلاصة الجواب:
    الكتابة ليست فعلا فرديا خالصا، ولا عملية اجتماعية محضة.  
    إنها تفاعل معقّد:  
    يبدأ في أعماق الذات، ويتغذّى من الآخرين، ويعود إليهم في شكل نصّ يفتح أبوابا جديدة للمعنى.  
    يكتب الكاتب وحده، لكنه لا يكتب من نفسه وحده، ولا يكتب لنفسه وحده.
    [26/11, 13:54] سعاد بسناسي: الجواب العاشر:الإجابة عن هذا السؤال تنظر إلى الكتابة بوصفها ظاهرة تتجاوز الثنائية البسيطة بين “الذات” و“الآخر”:
     1. الكتابة تبدأ كحوار داخلي قبل أن تصبح خطابا موجهاً للآخر:
    لايكون الكاتب في لحظة الكتابة الأولى،  منشغلا بالآخرين، بل بما يتململ في داخله.  
    إنها محاولة لترتيب الفوضى الداخلية، لتسمية ما لا يُسمّى، ولإعطاء شكل لما يضغط في الأعماق.  
    بهذا المعنى، الكتابة هي أداة للإنصات إلى الذات أكثر مما هي وسيلة للتعبير عنها.  
    فالكاتب لا يكتب ليُخبر الآخرين بشيء، بل ليعرف هو نفسه ما يريد قوله.
  2. لكن الذات نفسها ليست معزولة… إنها محمّلة بأصوات الآخرين:
    حين يكتب الإنسان “لنفسه”، فهو في الحقيقة يكتب بلغة لم يخترها، وبمفاهيم ورثها، وبأسئلة صاغها العالم من حوله.  
    حتى أكثر النصوص خصوصية تحمل آثار المجتمع، الثقافة، الذاكرة الجماعية، والحوارات التي عاشها الكاتب.  
    لذلك، التواصل مع الذات لا ينفصل عن ظلّ الآخرين الذين يسكنون داخل هذه الذات.

 3. الكتابة للآخرين ليست خروجا من الذات… بل امتداد لها
حين يكتب الكاتب نصاً موجهاً للقراء، فهو لا يغادر ذاته، بل يوسّعها.  
إنه يختبر قدرته على تحويل تجربته الخاصة إلى معنى قابل للمشاركة.  
الكتابة هنا تصبح جسرا:  
جسرٌ يبدأ من الداخل، لكنه لا يكتمل إلا حين يصل إلى قارئ مجهول، يضيف للنص معنى جديدا لم يكن في ذهن الكاتب.

 4. النص الحقيقي يعيش في منطقة بين الذات والآخر:
النص لا ينتمي بالكامل للكاتب، ولا بالكامل للقارئ.  
إنه كائن ثالث يولد من احتكاك الاثنين:  

  • من رغبة الكاتب في فهم نفسه  
  • ومن رغبة القارئ في العثور على نفسه داخل كلمات غيره  

بهذا المعنى، الكتابة ليست وسيلة للتواصل مع الذات أو مع الآخرين، بل مساحة يلتقي فيها الاثنان دون أن يذوبا في بعضهما.

خلاصة الجواب:
الكتابة ليست فعلاً موجهاً للذات وحدها، ولا للآخرين وحدهم.  
إنها عملية مزدوجة:  
تبدأ كحوار داخلي، وتكتمل كحوار خارجي.  
الكاتب يكتب ليعرف نفسه، لكنه لا يعرفها تماماً إلا حين يضعها أمام أعين الآخرين.  
والقارئ يقرأ ليعرف الآخرين، لكنه لا يفهمهم إلا حين يكتشف نفسه في نصوصهم.
[26/11, 13:58] سعاد بسناسي: الإجابة الحادية عشر:
 تُنصت إجابتي عن هذا السؤال إلى طبيعة الكتابة بوصفها فعلاً مزدوجا لا يمكن اختزاله في “الحقيقة” أو “الخيال”، بل يتجاوزهما معا:

  1. الكتابة لا تبحث عن الحقيقة… بل تبتكر طريقة لرؤيتها:
    الحقيقة ليست شيئاً جاهزاً ينتظر أن يُنقل إلى الورق.  
    إنها تتشكّل حين تُكتب، كما لو أن الكتابة تمنحها جسداً لم يكن لها من قبل.  
    فالكاتب لا يصف الحقيقة كما هي، بل يصنع زاوية تجعلها مرئية.  
    بهذا المعنى، الكتابة ليست مرآة للحقيقة، بل أداة لخلق شكلها.

 2. والخيال ليس هروباً… بل طريقة أخرى لقول الحقيقة
العوالم الخيالية ليست نقيض الحقيقة، بل امتدادها.  
فالخيال يكشف ما تعجز الوقائع المباشرة عن قوله:  
يكشف الخوف، والرغبة، والجرح، والاحتمال.  
العالم الخيالي ليس وهماً، بل لغة رمزية تُظهر ما لا تستطيع الحقيقة العارية أن تعبر عنه.  
إنه شكل آخر من أشكال الصدق.

 3. الكتابة منطقة يتداخل فيها الحقيقي بالمتخيَّل:
حين يكتب الكاتب، لا يختار بين الحقيقة والخيال، بل يتحرك في مساحة بينهما:  

  • تحتاج الحقيقة  إلى خيال كي تُفهم.
  • والخيال يحتاج إلى حقيقة كي يُصدَّق. 

لا ينتمي النص الجيد لأي منهما، بل يولد من احتكاكهما.  
إنه يشبه الضوء: لا هو موجة فقط، ولا هو جسيم فقط، بل شيء ثالث لا يُختزل في أحدهما.

  1. الكاتب لا يصف العالم… بل يخلق عالماً يمكن من خلاله فهم العالم:
    الكتابة ليست تقريرا عن الواقع، وليست هروبا منه.  
    إنها إعادة ترتيب للعالم بحيث يصبح قابلا للعيش، للفهم، وللرؤية.  
    الكاتب لا يقدّم الحقيقة كما هي، ولا يقدّم الخيال كبديل عنها، بل يقدّم عالما ثالثا:  
    عالما يتيح للقارئ أن يرى نفسه، والآخرين، والوجود بطريقة جديدة.
    خلاصة الجواب:
    الكتابة ليست وسيلة للتعبير عن الحقيقة، وليست وسيلة لخلق عوالم خيالية.  
    إنها فعل مزدوج:  
    تستخدم الخيال لتكشف الحقيقة، وتستخدم الحقيقة لتمنح الخيال وزنا ومعنى.  
    الكتابة هي المساحة التي يلتقي فيها ما هو واقعي بما هو ممكن، وما هو موجود بما يمكن أن يوجد.
    [26/11, 14:02] سعاد بسناسي: الإجابة الثانية عشرة:
    الكتابة ليست مجرد تسجيل للأحداث، وليست دائماً أداة مباشرة لتغيير العالم، لكنها الفضاء الذي تُعاد فيه صياغة الواقع بحيث يصبح قابلا للتغيير. إنها قوة رمزية تسبق الفعل وتمنحه شكله، وسألخص إجابتي في النقاط الآتية:

 1. الكتابة لا تغيّر العالم مباشرة… لكنها تغيّر الطريقة التي نراه بها:
العالم لا يتبدّل بالحبر وحده، لكنه يتبدّل حين تتغيّر الرؤية التي يحملها الناس عنه.  
والكتابة هي الأداة التي تعيد تشكيل هذه الرؤية:  

  • تسمّي ما كان بلا اسم 
  • تكشف ما كان مخفيا 
  • تمنح المعنى لما كان عابرا

بهذا المعنى، الكتابة لا تغيّر العالم كفعل خارجي، بل تغيّر الوعي الذي يصنع العالم.
 2. تسجيل الأحداث ليس عملاً محايدا… إنه اختيارٌ للمعنى
حتى حين تبدو الكتابة مجرد “تسجيل”، فهي ليست بريئة.  
فالكاتب يختار:  

  • ماذا يكتب  
  • وكيف يكتب  
  • ولمن يكتب  
  • وما الذي يتركه خارج النص  

التسجيل نفسه هو فعل تأويل، وفعل التأويل هو أول خطوة في صناعة التاريخ.  
فما يكتب يبقى، وما لا يكتب يختفي.  
وهكذا تصبح الكتابة قوة تحدّد ما يستحق أن يتذكّر.

 3. الكتابة تغيّر العالم لأنها تغيّر الإنسان:
التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل:  
من فكرة جديدة، من جرح مُعترف به، من وعي لم يكن موجودا.  
والكتابة هي الوسيط الذي تتحوّل فيه التجربة الفردية إلى وعي قابل للمشاركة.  
كل نص يفتح نافذة في ذهن قارئ، وكل قارئ يفتح نافذة في العالم.  
التغيير يبدأ من هذه الشرارة الصغيرة.

 4. الكتابة ليست بديلا عن الفعل… لكنها أصل الفعل
الثورات، القوانين، الاكتشافات، وحتى الانهيارات الكبرى…  
كلها بدأت ككلمات:  

  • فكرة في كتاب  
  • جملة في رسالة  
  • سؤال في هامش  
  • صرخة في قصيدة  

الكتابة لا تُسقط الأنظمة، لكنها تُسقط شرعيتها.  
لا تبني المدن، لكنها تبني المخيلة التي تجعل بناءها ممكنا.

خلاصة الجواب:
الكتابة ليست مجرد تسجيل للأحداث، وليست أداة مباشرة لتغيير العالم.  
إنها المنطقة الوسطى التي يُعاد فيها تشكيل الواقع قبل أن يتحوّل إلى فعل.  
إنها القوة التي تغيّر الإنسان، والإنسان هو الذي يغيّر العالم.
[26/11, 14:08] سعاد بسناسي: أخيرا شكر لابد منه: 

أتقدّم بجزيل الشكر والامتنان إلى الأستاذ عبد الناصر العبيدي من العراق الشقيق، في ختام هذه الرحلة الفكرية
على ثقته الكريمة، وعلى انتقائه لهذا النوع من الأسئلة الدقيقة والعميقة التي تستفزّ الفكر وتستدعي التأمل. لقد تطلّبت مني هذه الأسئلة عناية خاصة في صياغة الإجابات وتلخيصها، وأفدتُ منها كثيراً على المستويين العلمي والثقافي.  
وتبقى هذه التجربة إضافة ثمينة إلى رصيدي المعرفي واهتماماتي الثقافية خارج الجزائر، وفرصة لتعميق جسور التواصل العلمي بيننا.
البروفيسور سعاد بسناسي جامعة وهران 1 أحمد بن بلة، عضو لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للغة العربية، مديرة مخبر اللهجات ومعالجة الكلام، ورئيسة أكاديمية الوهراني للدراسات العلمية والتفاعل الثقافي، مديرة مجلة الكلم العلمية المحكمة المصنفة ورئيس تحريرها. الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.

شاهد أيضاً

قطاع التوصيل السريع في الصين يتعامل مع أكثر من 180 مليار طرد خلال الفترة من يناير حتى 30 نوفمبر

قطاع التوصيل السريع في الصين يتعامل مع أكثر من 180 مليار طرد خلال الفترة من يناير حتى 30 نوفمبر

شفا – تعامل قطاع التوصيل السريع في الصين مع أكثر من 180 مليار طرد خلال …