12:26 صباحًا / 24 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

رحلتي الى الصين ، سافرت لأكتشف العالم فوجدت نفسي ، بقلم : ميساء الريماوي

رحلتي الى الصين ، سافرت لأكتشف العالم فوجدت نفسي

رحلتي الى الصين … سافرت لأكتشف العالم فوجدت نفسي ، بقلم : ميساء الريماوي


قبل نحو شهرين أو أكثر بقليل، لم يخطر ببالي أنّني سأزور الصين يومًا، أو أنّ قدمي ستطآن أيّ بلد في شرق آسيا. كنت أظنّ أنّ هذه الأماكن بعيدة عن عالمي، بعيدة عن احتمالات حياتي. والمفاجأة أنّني الآن هنا، في الصين، بعد أن ركبت الطائرة لأول مرّة في حياتي، وأنا على مشارف الأربعين.


دخلت المطار للمرة الأولى، ففاجأني اتساعه الهائل… كبيرٌ جدًا، يكاد يبتلعك بحجمه، لكنه جميلٌ وسريعٌ ومنظّم بطريقة تشبه الإيقاع السريع لحياتي، وكأنه كان يقول لي: «أهلًا بكِ في مرحلة جديدة».

سافرتُ عبر معبر الكرامة إلى الأردن، ومن الأردن إلى قطر، ومن قطر وصلتُ إلى الصين. كانت رحلة طويلة امتدت لنحو ستّ عشرة ساعة، رحلة نحو المجهول بكل ما تحمله الكلمة من معنى. اختلطت داخلي مشاعر الحماس والدهشة برهبة المكان الجديد. كنت سعيدة بالاكتشاف، لكن في الوقت نفسه أشعر بالبعد عن نقطة الأمان التي اعتدت عليها. كنت خائفة من ألّا أستطيع التأقلم بسهولة مع عالم يختلف عني: لغةً، وشكلًا، وثقافةً، وتكنولوجيا—وأنا ابنة الثمانينات التي لا تتقن التكنولوجيا كما يفعل هذا الجيل.

لكنّ الخوف بدأ يتلاشى منذ اللحظة التي وصلنا فيها الأكاديمية في ضواحي بكين. هناك، حيث الخضرة تحيط بالمكان من كل الجهات، وحيث الطبيعة الساحرة تذكّرني ببلادنا التي نحبّ. بدأت أستمتع بكل شيء: زرت مبنى الإذاعة والتلفزيون وشاهدت بكين من الأعلى، واستمتعت بالوقوف فوق سور الصين العظيم وتأمّلت كل حجر فيه، وصعدت درجاته الشاهقة، وارتديت الزيّ الصيني التقليدي، وتجولت في قلب العاصمة وركبت المترو لأول مرة.

لكن جمال الرحلة لم يكن في الأمكنة وحدها… بل في الناس.
حين غادرت وطني لم أكن أعرف أحدًا، والآن أصبح لدي 29 صديقًا من سبعة بلدان عربية.
مع الفلسطينيين تعلّمت المعنى الحقيقي لحبّ الوطن وحبّ الذات.
مع المصريين أحببت الأهرامات ومصر أكثر.


مع المغاربة سمعت لهجتهم وتعرّفت على ثقافتهم، ومن خلالهم عرفت أكثر عن الأكراد.
أعجبني الزيّ الليبي وتعرّفت على طيبته.
تقربت من الأشقاء الأردنيين، وتعرفت على البحرينيين.


كل بلد صار له في قلبي شيء، وكل شخص منحني جزءًا من حكاية بلاده، فأحببت بلادي أنا أكثر… وقدّرت قيمتها أكثر.

ثم انتقلت الرحلة من بكين إلى تشونغتشينغ، حيث مثّلنا أوطاننا في الدورة السابعة لملتقى التعاون الصيني–العربي في الإذاعة والتلفزيون. كانت المدينة مذهلة: حضرنا حفلًا موسيقيًا رائعًا، وشاهدنا عرضًا ساحرًا بالطائرات المسيّرة، ورأيت القطار الذي يخرج من بناية سكنية، وصعدت إلى أعلى مبنى في المدينة لأرى امتدادها اللامنتهي.


زرت المدينة القديمة، شلالاتها، مبانيها، شوارعها، وتحوّل الفضول إلى عشق.
دخلنا شركة للتصدير وتعرفنا على تاريخهم العريق بالتجارة وشاهدنا مراحل تصنيع السيارات الكهربائية الحديثة. وكل لحظة كانت تقول لي: «أنتِ تشاهدين عالمًا جديدًا، عالمًا لم تكوني تتخيّلين دخوله».

ثم عُدنا إلى بكين مرة أخرى، إلى الحي الروسي هذه المرّة، حيث كان الفندق الجديد. وكعادتي، وضعت أمتعتي وانطلقت مباشرة لاكتشاف المكان. شوارع مليئة بالناس، وضجيج ممتلئ بالحياة، محلات ومولات، وأجواء فيها حركة لا تهدأ.
لكن الأجمل كان الحديقة المقابلة للفندق… تلك الحديقة التي شعرت أنها كنز.


خريفها، ألوانها، هدوؤها… كانت ملجئي اليومي، وكانت القهوة فيها تشبه حضنًا صغيرًا يستقبلني كل صباح ومساء.

اكتشفت مطعمًا تركيًا قريبًا، وأصبحتُ من زبائنه. أكلت الدونير كباب واستمتعت بالبقلاوة التركية.


وعلى غير عادتي، شربت الشاي—وإن كنت لا أحبّه—لكن كرم الصينيين واهتمامهم بجعلنا نتذوّق شايهم جعلني أحبه. تذوّقت أكلاتهم التقليدية، وابتسمتُ حين أدركت أنّني سافرت لثقافات كثيرة وأنا ما زلت داخل دولة واحدة: الصين.

وجاءت اللحظة الأخيرة في الرحلة: زيارة حديقة الذكاء الاصطناعي، والمدينة المحرّمة المهيبة، وجامعة بكين—قسم الدراسات العربية. ألقيت كلمة أمام طلاب صينيين يتعلّمون العربية، ورأيت في عيونهم شغفًا يشبه شغفنا باللغات وبالعالم.


تجولنا في بكين القديمة، شوارعها وأسواقها الشعبية، أكلنا من طعامها، رقصنا، ضحكنا، والتقطنا الصور مع أهلها الذين كانوا لطفاء معنا بطريقة لا تُنسى.

والمُدهش أنّه كلما اقترب موعد المغادرة… ازداد تعلّقي بالصين.


أحببت اكتشافها أكثر، أحببت ركوب الدراجة الهوائية مثل أهلها، أحببت تفاصيلها الصغيرة، أحببت مصحابي الذين صاروا قطعة من رحلتي.


ولأنّ كل رحلة جميلة لا بد أن تنتهي، جاء يوم الوداع. ودّعت الحديقة التي أحببتها، وبكين بكل شوارعها، وتشونغتشينغ بكل دهشتها، وودّعت الوفود العربية التي أصبحت جزءًا من حياتي في هذه الأيام القصيرة.

لكن الأهم من كل المكان… هو ما تغيّر داخلي.


هذه الرحلة لم تكن مجرد سفر.
كانت رحلة نحو نفسي.


تغيّر فكري، ونظرتي للحياة، وعمق إحساسي بالآخرين، وتقديري للثقافات المختلفة. تغيّر فهمي للعالم… وتغيّرت أنا.

سأشتاق للصين، لأماكنها، لأهلها، وللذكريات التي جمعتها هناك.


وإلى لقاء آخر… ربما أقرب مما أتصوّر.

  • – ميساء الريماوي – فلسطين

شاهد أيضاً

رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية الاستاذة أمل فرج تزور وزارة النقل والمواصلات

رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية الاستاذة أمل فرج تزور وزارة النقل والمواصلات

شفا – في إطار تعزيز التعاون المشترك، اجرت رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية معالي الاستاذة …