12:28 مساءً / 17 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

الزقاق الذي يحفظ أرواحنا ، بقلم : د. وليد العريض

الزقاق الذي يحفظ أرواحنا

الزقاق الذي يحفظ أرواحنا ، بقلم : د. وليد العريض

لوحة الفنان محمد الدغليس

كان الزقاق في الحارة الغربية من سلفيت
أضيقَ من خطوة…
وأوسعَ من قلب.

يمتدّ من دار العريض كأنّه يخرج من ضلعٍ قديم
ثم ينساب نحو دار فاتوني
قبل أن يتنهّد قليلًا
ويفتح عينه الزرقاء عند باب دار جودات؛
ذلك الباب الذي كان يقف مثل حارسٍ من نور
يراقب الداخلين
ويخبّئ أصواتهم في جيوبه.

في الزقاق كنا نركض
لا لأن أرجلنا خفيفة
بل لأن الطريق كان يرفعنا من الأرض.
وكان الكبار يمرّون فيه
كأنهم يعبرون ذاكرةً تمشي معهم منذ الولادة.

وفي آخر الامتداد
كانت الصيرة تقف مثل أمٍّ عجوز
لا تزال تحفظ رائحة اللبن الساخن
وصوت الماعز عند المساء
وخجل طفلٍ يطارد دجاجةً
ليضحك… لا ليُمسك.

وحين تتقدّم السنوات
يصبح كلّ هذا الجمال
أثرًا يتوهّج من الداخل
كأن الطفولة حين تطفئ فوضاها
تشتعل نورًا.

ومن الحارة الشرقية…
كان يأتي الدغليس كل صباح.
يقطع الطريق كمن يعبر بين نبضين
يصل إلى دارنا،
يطرق الباب بخفّة
ويقول بصوتٍ يعرف البيت قبل أهله:

جيت آخد اللبن.

لكننا كنا نعلم
أن الدغليس لا يأتي لأجل اللبن وحده
بل لأجل الأم التي تسقيه
وكأنها تردّ له طفولته
ولأجل الأب الذي يضع يده على كتفه
كأنه يعيد إليه اسمه.

ثم يرحل حاملًا المغطاس
وحاملًا معنا الحارة
ويمضي راجعًا إلى الشرقية
كمن يعود وفي يده قطعة من روحه.

وكنا نراقبه وهو يبتعد،
فنرى الزمن ينسحب خلفه
ثم يعود إلينا
حين نركض في الزقاق
والزقاق يعرف ضحكاتنا.

الحارة الغربية لم تكن مكانًا؛
كانت لغةً
نكتب بها أعمارنا.
وكل باب فيها-
دار العريض، دار فاتوني، الباب الأزرق-
كان نافذةً تطلّ على أيامٍ ما تزال تمشي داخلنا.

أما الدغليس…
فلم يكن زائرًا
كان خيطًا يصل الحارتين
وجسرًا يمرّ عليه اللبن الدافئ
والطمأنينة
والصداقة التي لا تنسى وجهًا
ولا طريقًا.

ولذلك…
حين نعود إلى الزقاق
تهتزّ الأرض تحت أقدامنا
وكأن الحارة كلها
تتنفّس ببطء وتقول:

عدتَ… والدار دارك
والطريق يعرف اسمك
والطفولة ما تزال واقفة عند الباب الأزرق
تنتظر.

شاهد أيضاً

أبو العينين من نهر البارد : مستقبل غزة لا يبنى إلا من خلال شراكة وطنية حقيقية تحت مظلة الشرعية وفي مقدمتها السلطة الوطنية الفلسطينية

أبو العينين من نهر البارد : مستقبل غزة لا يبنى إلا من خلال شراكة وطنية حقيقية تحت مظلة الشرعية وفي مقدمتها السلطة الوطنية الفلسطينية

شفا – إحياءً للذكرى الحادية والعشرين لاستشهاد القائد الرمز ياسر عرفات “أبو عمار”، وتحت عنوان …