12:25 صباحًا / 6 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

الضحكة التي هزت جدران السجن ، بقلم : فداء بن عرفة

الضحكة التي هزت جدران السجن ، بقلم : فداء بن عرفة

أيمن جعيم ذلك الفتى الذي دخل ظلمة السجن في الخامسة عشرة لم تكن جدران الزنزانة سوى جزء من معاناته بل كانت طفولة مسلوبة وأحلام ممزقة تعرض لما لا يتحمله بشر فجسده تحول إلى سجل للآلام كسور متعمدة وتعضيب منهجي حتى قبل تحريره بساعتين لم يستطع جلادوه توديعه دون أن يكسروا أضلاعه

لكن هذه الآلام الجسدية لم تكن سوى النصف من القصة ففي قاعة المحكمة وقف ذلك الفتى الأصم الذي كسرتهم كلماته قبل أن تكسر عصيهم عظامه عندما سأله القاضي هل أنت نادم أجاب بنبرة هادئة ثلجية نعم نادم لأنني لم أقتل المزيد منكم

كانت إجابته رصاصة معنوية أخيرة من رشاش الكبرياء لم تكن مجرد رد عابر بل كانت فلسفة كاملة بجملة واحدة تقول للجلاد أن السجن قد يحبس الجسد لكن الروح تظل حرة تهزأ بالأغلال

وضحكته الاستفزازية أثناء التحقيق لم تكن مجرد تعبير عن الازدراء بل كانت سلاح المغلوب الذي يحول هزيمة الجسد إلى انتصار للروح كان يخبرهم أنهم قد يملكون وسائل التعذيب لكنهم لا يملكون مفاتيح روحه

في تلك اللحظة لم يكن أيمن مجرد أسير يقف أمام محققيه بل كان شعباً بأكمله يقف مرفوع الرأس كان يجسد بموقفه أن الكرامة لا تنتظر الحرية بل تصنعها من داخل الزنزانة

هو الذي حول قضبان سجنه إلى جامعة يدرس فيها السياسة والصحافة حتى أتقنها وحمل شهاداتها هو الذي كان يرد على اغتيالات الاحتلال خلال ثمانية وأربعين ساعة فقط

والآن ها هو خارج السجن لكنه ليس حراً بالمعنى الحقيقي فالدول العربية التي تتغنى بالوحدة والقومية تتركه وحيداً في المنفى تارة بحجج سياسية وطوراً بذرائع أمنية

إن جريمة التخلي عن هؤلاء الأسرى لا تقل فظاعة عن جريمة تعذيبهم فهم ينتقلون من سجن صغير إلى سجن أكبر من زنزانة ضيقة إلى منفى أوسع لكنه يحمل نفس المرارة

أيمن وأمثاله لم يطلبوا إلا العودة إلى ديارهم إلى أحضان أمهاتهم الذين انتظرنهم سنين لكن يبدو أن دماء الشهداء وألم الأسرى أصبحت مجرد نقاط في تقارير سياسية جافة

إن خذلان هؤلاء الأبطال هو خذلان لكل القيم الإنسانية والأخلاقية هو رسالة سلبية للأجيال القادمة بأن التضحية لا تستحق التقدير

لحظة واحدة من التأمل الحقيقي كفيلة بأن تجعل أي إنسان يشعر بالخزي من هذا الصمت الدولي والعربي المطبق

هؤلاء الرجال دفعوا أثماناً باهظة من صحتهم وأعمارهم وأحلامهم فالأقل الذي يمكن تقديمه لهم هو منحهم حرية حقيقية وكرامة إنسانية

القضية ليست سياسية بقدر ما هي إنسانية محضة فالعدالة المفقودة هنا هي عدالة أساسية لا تحتاج إلى قرارات أممية بل تحتاج إلى ضمائر حية وقلوب نابضة بالإنسانية

الوقت يمضي وأيمن وأقرانه يخوضون معركة وجود جديدة مع الزمن والنسيان فهل سنتركهم يواجهون المصير وحدهم مرة أخرى

هم يستحقون أكثر من مجرد كلمات تقال في الهواء هم يستحقون أن نكون عند مستوى تضحياتهم أن نكون أمناء لدمائهم التي سالت على تراب الوطن

فكما وقف أيمن في وجه محققيه بكل شجاعة علينا أن نقف في وجه الصمت والخذلان الذي يحيط بهم

لننسى لا يمكن أن ننسى أولئك الذين ضحوا بكل شيء في سبيل كرامة وطنهم لنسمع صوت أيمن يتردد في كل زاوية من زوايا هذا العالم الصامت لنحمل معه الأمل كما حمل عنا آلام السجن والتعذيب

فهذا هو الدين الذي علينا أداؤه لهؤلاء الأبطال الذين علمونا أن الحرية لا توهب بل تنتزع وأن الكرامة لا تسقط بالتعذيب بل تعلو بالصمود


فداء بن عرفة ناقدة تونسية و شرسة في الدفاع عن الحق و لو كلفها سيفا تحت رقبتها خاصة القضية الفلسطينية

شاهد أيضاً

اللجنة المركزية للانتخابات تعقد اجتماعاً تشاورياً مع اللجنة التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني

شفا – عقدت اللجنتان المركزية للانتخابات، والتحضيرية لانتخابات المجلس الوطني، اجتماعا تشاوريا، اليوم الأربعاء، بهدف …