1:19 مساءً / 2 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

حين خافَ العقلُ من نفسِه… تأملات في تجديد الفكر العربي ، بقلم : د. وليد العريض

حين خافَ العقلُ من نفسِه… تأملات في تجديد الفكر العربي ، بقلم : د. وليد العريض


وبدايتي :
يبدو أنّ الفكر العربي – منذ أول جدل بين “قال العقل” و“قال السلف” – يعيش أزمة هويةٍ أبدية:
يريد أن يكون حرًّا، فيُعتقل باسم الدين،
ويريد أن يكون مؤمنًا، فيُتَّهم بالرجعية،
ويريد أن يكون حداثيًّا، فيُقال له: “تغرّبتَ يا هذا!”
فأصبح العقل العربي مثل طفلٍ ذكيٍّ في مدرسةٍ تخاف من الأسئلة.

من ابن رشد إلى ابن الوجوم

كان المعتزلة أول من تجرّأ على رفع الصوت في حضرة النص،
فقالوا ببساطةٍ مذهلة: “العقل قبل النقل.”
لكنّهم دفعوا ثمن هذا الترتيب البسيط أعمارًا ونفيًا وتكفيرًا.
ثم جاء ابن رشد، ذاك الرجل الذي كان يؤمن بأن الله لا يخاف من الفلسفة،
فأحرقوا كتبه ليحفظوا عليه إيمانه!
ومن يومها، لم نحرق الكتب فقط، بل أحرقنا معها عادة التفكير.

ثم حاول ابن خلدون أن يعيد إلينا رشدنا الاجتماعي،
فقال إن التاريخ له قوانين، وإن الأمم تولد وتشيخ وتموت.
لكن أحدًا لم يسمع صوته، لأننا كنّا منشغلين حينها بإحصاء “فضائل العرب على العجم”.

حين استيقظ النهضويون… وكان الاستبداد مستيقظًا قبلهم

وفي القرن التاسع عشر،
حاول الطهطاوي والتونسي ومحمد عبده أن يوقظوا العقل العربي من غيبوبته.
قالوا: “خذوا من الغرب علمه لا استعمارَه.”
لكنّنا – بذكاءٍ فريد – أخذنا منه الاستعمار وتركنا العلم.
ثم صرنا نلعن الغرب في النهار،
ونُقلّد حلاقه ومصمّم بدلته في المساء!

أما طه حسين، فقد تجرّأ وقال:
“التنوير ليس كفرًا بل نظافة عقلية.”
فأُقيمت عليه الدنيا وكأنّ الرجل دعا إلى عبادة إبليس.
نحن قومٌ نحب الحرية… بشرط أن لا يجرّبها أحد.

حين حاول
الجابري تفكيكنا… ففكّكناه نحن

ثم جاء محمد عابد الجابري، فمدّ مشرطه على “العقل العربي” بجرأة جرّاحٍ مؤمنٍ بالشفاء.
قال إنّ في داخلنا ثلاثة عقول: “بيان” يتكئ على البلاغة،
و“عرفان” يعيش على الكشف والغيب،
و“برهان” يبحث عن الدليل والقياس.
فلم نصدّقه، لأننا نحبّ البلاغة في الهروب، والعرفان في الكسل، والبرهان فقط حين يخدمنا.
لقد أراد الجابري أن يعيدنا إلى التفكير،
لكننا كنّا مشغولين بتصحيح نطقه في التلفاز!

أما نصر حامد أبو زيد… فدفع فاتورة السؤال

قال أبو زيد بهدوءٍ صادق:
“النص المقدس يعيش بالتأويل، لا بالتجميد.”
فأخرجوه من وطنه باسم الدفاع عن الله،
وكأنّ الله يحتاج إلى محامين في محكمة الجهل.
منذ تلك اللحظة، أدرك المفكر العربي أن أخطر ما يمكن أن يفعله…
هو أن يقرأ النص بعقله.

التراث… الكنز الذي حولناه إلى متحفٍ بلا زوّار

نحن أكثر الأمم حديثًا عن “الأصالة”،
وأقلها إنتاجًا لأي شيء “أصيل”.
نُقدّس ما لم نقرأه، ونلعن ما لم نفهمه،
ونقول بفخر: “نحن أبناء الحضارة”؛
لكننا لا نُنتج منها سوى البكاء على أطلالها.
نحبّ التراث كما يحبّ الورثة تركةً لا يريدون أن يتعبوا فيها.
في كل مؤتمرٍ فكريٍّ، نعلن أننا نعيش “أزمة الفكر العربي”،
لكننا لا نغيّر شيئًا لأننا نحبّ الأزمات أكثر من الحلول.
فهي تمنحنا شعورًا لطيفًا بالبطولة دون أي إنجاز.

بين الخوف والكسل… مات السؤال

العقل العربي اليوم لا ينام، لكنه لا يحلم أيضًا.
يتحدث عن الحرية كما يتحدث العجائز عن الحب القديم:
بحنينٍ خجولٍ، وبخوفٍ من الفضيحة.
نكتب عن التجديد، لكننا نطالب أن يُمرَّ عبر الرقابة أولًا.
نلعن الاستبداد، ثم نمارسه في أبسط نقاش على طاولة قهوة.
وخاتمتي :
وصيّة للعقل العربي

أيها العقل العربي،
يا من علّمت الدنيا الأبجدية،
أما آن لك أن تتعلّم من جديد حرف “لماذا”؟
كفّ عن الارتعاش في حضرة الماضي،
ولا تستأذن أحدًا حين تفكّر.
إنّ الله لم يمنحك عقلًا لتضعه في خزانة الفقه،
ولا تاريخًا لتنام فيه مثل تمثالٍ في متحفٍ مغلق.

افتح نافذتك قليلًا…
سترى أن الشمس ما زالت تشرق دون فتوى.

شاهد أيضاً

مؤسسة ياسر عرفات تدعو شعبنا لإحياء الذكرى الـ21 لاستشهاد القائد المؤسس ياسر عرفات

مؤسسة ياسر عرفات تدعو شعبنا لإحياء الذكرى الـ21 لاستشهاد القائد المؤسس ياسر عرفات

شفا – دعت مؤسسة ياسر عرفات أبناء شعبنا لإحياء الذكرى الحادي والعشرين لاستشهاد القائد المؤسس …