غربة جسد… ، بقلم : ماتيلدا عواد

غربة جسد… ، بقلم : ماتيلدا عواد

هل تخيلت يومًا…
أن رأسك المتوغّل فيك شجرة،
محشورة في أرضك الوعرة،
وأنك مأوى طيور ضلت طريقها؟
طيور تحفظ الكثير من أسرار وندبات وجوه باهتة،
تأتيك في غفلة منك،
تهبط فوق فروعك الممتدة عبر وهمك،
تحمل بأفواهها ألف سؤال مبهم،
تصدر صراخها في ما بينك وبينها بفوهة الناس المجروحة.
يتسرب حديثهم المالح،
يصب داخل جرحك الملتهب حتى آخر جذرك،
يثبتون أقدامهم عليك،
وينتعلونك بقوة،
يستعمرونك رغماً عنك،
يدملون صدعك بخيوط نتنة،
وأنت لا حول لك… تستشيط،
والنار تأكل داخلك.
فما عساك أن تفعل بحلقك الجاف وصراخك الأخرس؟
هل تخيلت أيضًا…
أن جسدك بحر بلا ميناء،
غارق فيه دون ملاذ لنفسك؟
وانك تجوب دوامة أرهقها دوارها،
تلفظك بعد أن انهَكَت كل قواك على حاضرك المهيب،
لتجد بعد ذلك…
شراعك ممزق،
يطلقه الموج على شطآنك الحائرة،
وسفينتك… بوصلتها أضاع طريقها.
هذا ليس خيالًا…
بل واقعك الكافر في الوقت،
واقع مقيد بمعصم روحك،
لا تستطيع أن تحرك فيه ساكنًا.
أصبحت، يا هذا، غريبًا في وطن جسدك…
لا سكن لك فيه،
عليك فقط…
أن تصمت،
وترقب بعينك الغافلة…
صباحًا ربما يشرق ذات انتظار.
تعود بعدها،
لتتحرر من عبوديتك،
لتصبح إنسانًا…
ربما!
فلتصبر…
ولتدرك أن الغربة أحيانًا
ليست خارجيًا، بل داخل الجسد والروح،
حيث ينبعث شعور البوح والانتظار معًا،
فتتعلم كيف تظل… حيًا، رغم كل شيء.