
كفر الديك.. بين عبق التاريخ وحصار الاستيطان ، بقلم : د. عمر السلخي
من خربة سوسية إلى دير سمعان.. كفر الديك تروي حكاية التاريخ والصمود
في قلب الريف الغربي لمحافظة سلفيت، تمتد بلدة كفر الديك كلوحةٍ من التاريخ والذاكرة، تجمع بين عبق الماضي وجمال الطبيعة، لكنها تقف اليوم في مواجهة واقع استيطاني يهدد موروثها الحضاري وأرضها الخصبة، فهنا تتجاور الحجارة القديمة مع بساتين الزيتون، وتروي الينابيع حكايات قرية فلسطينية لا تزال تقاوم النسيان والحصار.
تقع كفر الديك غرب مدينة سلفيت، وعلى بُعد نحو عشرة كيلومترات هوائيًا من مركزها، بارتفاع يبلغ حوالي 375 مترًا عن سطح البحر. يحدها من الشرق بروقين، ومن الجنوب قراوة بني زيد، ومن الغرب رافات ودير بلوط، ومن الشمال بديا وسرطة، لتتربع في موقع جغرافي مميز يربط بين قرى المنطقة الغربية.
التسمية
عرفت البلدة قديمًا باسم “كفير بن مهنا” نسبة إلى رجل يُدعى مهنا يُعتقد أنه أول من سكنها مع عائلته، ومع الزمن تغيّر اسمها إلى “كفر الديك” نسبة إلى خليل الديك، جد عائلة الديك التي قدمت من عين الديوك في أريحا واستقرت فيها، لتصبح البلدة إحدى أبرز بلدات محافظة سلفيت تاريخيًا وسكانيًا.
المعالم الأثرية
تزخر كفر الديك بعدد من الخرب والمواقع الأثرية التي تشهد على عمق جذورها التاريخية والحضارية، منها:
⦁ خربة قيسراية في الشمال الغربي، التي تضم أرضيات فسيفساء وآثارًا بيزنطية.
⦁ خربة إشراف الواقعة على تلة مرتفعة تشرف على بديا وكفر الديك، وما تزال بقايا جامعها قائمة حتى اليوم.
⦁ خربة ديريا غرب البلدة، وخربة الحمقة وخربة بنات بر غربًا.
⦁ خربة سوسية شمال البلدة، وتحتوي على مسجد أثري ما زال قائمًا بجدرانه السميكة، محرابه المزخرف، وسقفه المقبب، يحيط به الزيتون الرومي والرمان والصبر.
⦁ أما دير سمعان، فيقع على بعد ثلاث كيلومترات شمال غرب البلدة، ويُعد من أهم المواقع الأثرية في محافظة سلفيت. يضم الدير معاصر زيت وعنب منحوتة في الصخر، وبركًا لتجميع المياه، وساعة شمسية فريدة، ويُرجح أنه كان ديرًا بيزنطيًا كبيرًا أو مزرعة لتزويد الأديرة المجاورة بالمؤن.
الينابيع
لطالما شكّلت ينابيع كفر الديك شريان الحياة لأهلها وزراعتهم، وأبرزها:
⦁ نبع الفوارة : في وادي القرية من الجهة الغربية، ويُستخدم لري الحمضيات والخضروات والفواكه، وكان في الماضي المصدر الرئيسي لمياه الشرب والغسيل. اليوم يشكّل النبع متنفسًا بيئيًا طبيعيًا لأهالي البلدة.
⦁ عين صريدة : تقع غرب البلدة لكنها غير مستغلة حاليًا.
⦁ عين المزراب : في الجهة الجنوبية، وتُستخدم لري أشجار الزيتون.
قلعة آل الديك
في وسط البلدة القديمة، تنتصب قلعة آل الديك كواحدة من أجمل الشواهد المعمارية الريفية الفلسطينية. تبلغ مساحتها نحو دونم، وتتألف من مبانٍ متلاصقة ذات ساحة سماوية فسيحة. بُنيت على مراحل متعددة، وجزؤها الشرقي هو الأقدم، ويضم بيوت عقد من ثلاث طبقات وأبوابًا خشبية ضخمة مصفحة بالحديد.
القلعة كانت مركزًا اجتماعيًا لعائلة الديك، ويُروى أنها تعرضت للقصف في زمن الانتداب البريطاني، لكنها ما زالت صامدة، تروي حكاية الأصالة الفلسطينية في وجه الزمن.
الاستيطان في كفر الديك.. الأرض المحاصرة
مثل سائر بلدات محافظة سلفيت، تواجه كفر الديك تمدّدًا استيطانيًا خانقًا يلتهم أراضيها الزراعية ويهدد معالمها الأثرية، فقد أقيمت على أراضيها مستوطنات مثل بدوئيل وعلي زهاف ، إضافة إلى شبكة طرق التفافية تقطع أوصال البلدة وتعزلها عن محيطها الفلسطيني، وقد صودرت مئات الدونمات من كروم الزيتون لصالح التوسع الاستيطاني، فيما تسببت النفايات والمجاري القادمة من المستوطنات في تلويث الينابيع وتدهور البيئة الزراعية، ومع ذلك، ما زال أهل كفر الديك يتمسكون بأرضهم، يزرعون الزيتون ويرممون الخرب والبيوت القديمة، ليحافظوا على هويتهم الفلسطينية الأصيلة في وجه محاولات التهويد والاقتلاع.

شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .