
الدعم الروسي للشرع مبني على التعاون مع موسكو والمصالح المشتركة ، بقلم : كريستين حنا نصر
العلاقات الروسية السورية هي علاقات قديمة متجذرة منذ عهد الاتحاد السوفيتي ، حيث كانت العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافة والتعليمية نشطة بين الدولتين ، حيث تلقى الكثير من الطلبة السوريين دراستهم الجامعية في روسيا ، والكثير منهم تزوجوا من نساء روسيات وعادوا وعاشوا في سوريا ، حيث نشطت بينهم أيضاً مظاهر التبادل الثقافي والإجتماعي .
ويوجد كذلك ملامح تشابه في العادات والتقاليد بين روسيا والشرق العربي ، اذ تتواجد الجالية الشركسية والشيشانية في المنطقة العربية، وعلى سبيل المثال كما هو الحال في الأردن ، وهذه العلاقات القديمة الجديدة بين روسيا وسوريا برزت منذ حكم نظام حافظ الاسد وحكم ابنه بشار الاسد البائد ، وها هي اليوم تتجذر هذه العلاقة بين روسيا والرئيس المؤقت أحمد الشرع في زيارته التاريخية مؤخراً الى روسيا ولقائه مع الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو و زيارته للكرملين ، حيث تُعد هذه الزيارة الرمزية له كأول زيارة لاحمد الشرع الى موسكو منذ توليه السلطة في سوريا ، ولهذه الزيارات دلالات سياسية بالغة الأهمية ، حيث تشهد منطقة الشرق العربي تحولات سياسية كبيرة ، كما جرى فيها استعراض ملفات حساسة وهامة ، بالاخص ما يتصل بالعلاقات بين روسيا وسوريا ، وابرزها الدور العسكري الروسي في سوريا الجديدة وفترة ما بعد سقوط نظام الاسد وحزب البعث السوري فيها ، كما تمّ مناقشة مستقبل تواجد القواعد الروسية على المياه الدافئة للبحر الابيض المتوسط .
وبالنسبة للشرع فان هذه الزيارة بالغة الاهمية ضمن جهوده لبلورة موقع سوريا على الساحة الدولية ، واعادة استمرارية العلاقات القديمة الجديدة بين روسيا وسوريا ، فهي زيارة تاريخية لاحمد الشرع للحليف الروسي القديم الجديد ، خاصة بعد رفع العقوبات الاقتصادية أي ما عُرف بقانون قيصر عام 2019م عن سوريا مؤخراً ، والذي سوف يُسهل من مسألة فتح أبواب التعاون العسكري والسياسي والاقتصادي الجديد مع روسيا لفترة ما بعد رفع عقوبات قيصر عن سوريا ، وبالتحديد التي كانت مفروضة أثناء حكم بشار الاسد البائد ، وأيضاً إلى فترة حكم أحمد الشرع، وأبرز الملفات التي جرى التباحث بشأنها خلال الاجتماعات المنعقدة بين بوتين والشرع هو الاحتفاظ بالقاعدتين الروسيتين الجوية والبحرية في سوريا ، وهما قاعدة حميميم وطرطوس ، وهنا ندخل عملياً ملامح صياغة العلاقات الروسية السورية على أسس جديدة في هذه المرحلة الحساسة لبناء سوريا الجديدة بدون حزب البعث الحاكم فيها ، ونظرة روسيا لسوريا الجديدة بقيادة الرئيس الشرع وأهمية رسم العلاقات المستقبلية بين روسيا وسوريا الجديدة في المرحلة القادمة .
حيث تمّ مناقشة عدة ملفات وجرى التوافق على الكثير من النقاط المهمة ، إذ أن روسيا وخلال هذه الفترة التي تمر فيها سوريا ، تشكل قوة ونقطة توازن في الملف السوري ، خاصة بين عدة لاعبين اساسيين على الساحة السورية ، أي تركيا واسرائيل والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية إلى جانب تواجد داعش والقوات الخارجة عن نطاق وزارة الدفاع السورية، والأهم أيضاً اللاعبين من دول العالم العربي المهتمة ببناء سوريا الجديدة و أمن اراضيها وبسط سيادتها ، ولا شك أن هناك ملف حساس وهو وجود اللاعب التركي والاسرائيلي على الاراضي السورية ، بالاخص في الجنوب السوري ، علماً بان هناك أيضاً خصوصية لعلاقة القيادة السورية الجديدة مع الدولة التركية ونفوذها الحالي على الاراضي السورية ودعمها للجيش السوري الوطني وسيطرتها على بعض المناطق في الشمال السوري ، أي أن الوجود الروسي الحالي في سوريا في وقت يشهد حالة تأزم بين التواجد التركي والاسرائيلي خاصة في الجنوب السوري ، حيث أن روسيا ستلعب دور مهم في هذا الملف على وجه التحديد .
والأهم في هذا اللقاء هو توقيع روسيا وسوريا على عقود جديدة خصوصاً بعد تغيير سلطة الحكم الممثلة بأحمد الشرع لسوريا الجديدة ، وهناك عدة ملفات وتفاهمات بين الطرفين تمّ تجديدها وأهمها مطالب الشرع من روسيا في هذه المرحلة من بناء الدولة السورية الجديدة و تعزيز العلاقات الاقتصادية بهدف زيادة التعاون بينهم ، الى جانب استئناف توريد القمح وبشروط ميسرة ، وبناء الطرق والبنى التحتية السورية ، والتعاون أيضاً في عدة مجالات ومنها قطاع الكهرباء ، ومصافي تكرير النفط ، ومن مطالب الشرع المهمة أيضاً من روسيا هي المساعدة الروسية في اعادة تأهيل وبناء جيش سوريا الجديد ، الى جانب تعزيز العلاقات الروسية السورية في اطار الحفاظ على استقلالية القرار السيادي السوري .
ومن الملفات المهمة أيضاً بين الطرفين ، هي الدعم الروسي لمسار العدالة الانتقالية في سوريا ومن أهم متطلباتها وخصائصها محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي حصلت في هذه الفترة الانتقالية على الاراضي السورية ، كذلك مساعدة سوريا والعمل على تعزيز التعاون معها في مجال مكافحة الارهاب ومواجهة مختلف التهديدات الأمنية وتحقيق المصالح المشتركة بين البلدين ، وابرزها مسألة تواجد الجيش الروسي في سوريا للمساعدة في هذه الفترة الانتقالية ، كذلك المساهمة في تأسيس الجيش السوري الجديد .
وهنا تدخل العلاقات بين روسيا وسوريا صفحة جديدة بالغة الاهمية لرسم مستقبل سوريا الجديدة ، والذي من شأنه رسم خريطة التحالفات الجديدة في منطقة الشرق العربي أيضاً وليس في سوريا فحسب ، ومن اهم الملفات والقضايا التي شملتها المباحثات المنعقدة بينهم كان طلب ضمانات من روسيا بخصوص عدم تسليح بقايا قوات نظام الاسد البائد ، والتي ما زالت الى اليوم تشكل تهديداً أمنياً في بعض مناطق الجغرافية السورية ، حيث أظهر الشرع رغبته بفكرة نشر الشرطة الروسية في بعض المناطق الحدودية السورية خاصة منطقة الجنوب السوري ، وذلك بهدف تحقيق رغبة الشرع المتمثلة بعدم وجود أي خروقات جديدة في منطقة الجنوب السوري ، وهذا يعكس ارادة سوريا وتطلعها نحو تجنب أي تصعيد حدودي مع اسرائيل ، حيث أن روسيا سوف تلعب هنا دور الطرف الضامن للاستقرار الأمني ، خصوصاً على المناطق الحدودية الجنوبية لسوريا .
وفي هذه الرحلة الدبلوماسية لأول زيارة للشرع الى موسكو ، يُعيد الشرع العلاقات مع روسيا بمفهوم لغة المصالح المشتركة بين الطرفين ، حيث كان واضحاً من الرئيس بوتين استعداد روسيا للتعاون مع سوريا الجديدة في عدة مجالات وأهمها مجالات الطاقة والنفط ، وتحديداً المشروعات المشتركة التي ستساهم في تخفيض أزمة الوقود الحالية في سوريا ، والتي تعتبر مشكلة كبيرة في الفترة الانتقالية لسوريا ، وبالتالي نلاحظ سعي أحمد الشرع تجاه جهود بناء اقتصاد سوري جديد ، وإقامة شبكة بنية تحتية جديدة لسوريا بعد ما لحق بها من الدمار الذي خلفته الحرب التي دامت أكثر من 14 عاماً ، كما جرى خلال اللقاءات فتح ملف إعادة اعمار سوريا والسعي الى التعاون مع روسيا للمساهمة في عملية اعادة بناء الخدمات خاصة البنية التحتية السورية ، كما أكد الرئيس الروسي بوتين خلال اللقاء مع احمد الشرع على أن روسيا تبحث أولاً عن مصلحة سوريا والشعب السوري وليس مصالح ضيقة ، اذ ان هذه العلاقة من شأنها أن تتعزز عبر وزارتي الخارجية للبلدين وستسمح بفتح قنوات دبلوماسية لشراكة طويلة الامد والتي ستتجاوز الملفات العسكرية .
وبالمقابل شدد الرئيس السوري أحمد الشرع على الروابط التاريخية التي تجمع البلدين منذ عقود طويلة ، ولفت النظر الى أن هذه العلاقات سوف تكون ركيزة اساسية لحماية سوريا وبسط الامن الاستقرار على الاراضي السورية مستقبلاً .
والجدير بالذكر ان روسيا لها علاقات قديمة في الشرق العربي ليس مع سوريا فحسب، ولكن ايضاً تربطها علاقات وطيدة مع المملكة الاردنية الهاشمية ، حيث بدأت العلاقة الاردنية الروسية في آب عام 1963م ، وتعززت العلاقات الدبلوماسية بين الاردن وروسيا في عهد المغفور له الملك الباني الحسين بن طلال رحمه الله ، ويوجد أكثر من 20 الف أردني من خريجي الجامعات الروسية ، كما يحصل الكثير غيرهم من الطلبة على منح وبعثات دراسية من الحكومة الروسية للدراسة في جامعات روسيا ، و بواقع 175 منحة روسية سنوياً ، وتوجد ايضاً علاقات اجتماعية وثيقة فهناك بعض الاردنيين متزوجين من مواطنين روس ، وتمّ أيضاً تعزيز هذه العلاقات بين البلدين في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله ، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها ، والدولة الروسية تدعم مسار السلام وحل الدولتين لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وبشكل يدعم الساسة الاردنية في هذا الاتجاه ، وهذه العلاقات يعززها أيضاً ويوثقها وجود المواطنين الشركس في الاردن مثل قبائل الكابارديين وغيرهم ، كما أن هناك لجنة أردنية روسية مشتركة تجتمع بشكل دوري لمتابعة مجالات التعاون المشترك ، خاصة في مجالات الزراعة والسياحة والنقل والطاقة، والجدير بالذكر أيضاً أن جلالة الملك عبدالله الثاني أهدى قطعة أرض قرب منطقة المغطس ، لاقامة كنيسة ارثوذكسية روسية عليها ، حيث أسهمت الكنيسة في زيادة أعداد الحجاج المسيحيين الروس ومن عدة انحاء في العالم لزيارة هذا الموقع الديني التاريخي.